
مستقبل غامض .../ د : علي الخالدي
تتصدى شعوب التغير التي كنست اﻷنظمة الشمولية , لمهام وقضايا كبيرة فرضتها عملية الردة الحضارية , واﻹبتعاد عن الزمن الذي روجت له أفكار القوى الظلامية والدينية المتشددة بعد نجاحات التغيير , مستغلة الديمقراطية النسبية , التي إستغلتها في إستنهاض مجساتها , للتنكيل بمن تراوده النية بمعارضة ما تطرحه من أفكار وأوهام غيبية , بين أوساط الجماهير الحاملة موروثات الفقر , والقحط الحضاري من اﻷنظمة السابقة , مكنتها من التمكن واﻷنفراد بالسيطرة اﻷحادية على مقاليد حكم ما بعد التغيير , مختطفتاً مردوداته ومُجيرتاً إياها لصالحها المتماهي مع نفوذ و إستراتيجية الدول القريبة والبعيدة الطامعة بالمنطقة , محققتاً ما أنيط لها من مهام , تفتيت وتهديد كيانات شعوب المنطقة الجغرافية والديمغرافية , وأغراقها في لجة التناحر الطائفي والصراع الديني . الذي لعبت فيه الشرائح التي إنفصلت بعدتهشيم الطبقة الوسطى وصعدت الى مصاف الراسمالية الكبيرة دورا رياديا في إستمراريته , بغية مواصلة نهبها لخيرات البلدان وتعميق مساحة الفقر بين أوساط الجماهير . فهذا النهوض السلبي بمردودات التغيير , إعتمده نهج المحاصصة الطائفية واﻷثنية في العراق , بينما دول شمال أفريقيا جرى (النهوض السلبي ) , معتمداً على إثارة العواطف الدينية والوعود اﻷخروية , بعيدا عن الواقع الذي يعيشه الناس , و مغطياً على المشاهد المأسوسة والفوارق الطبقية الحادة بين شرائح مجتمعاتها
في العراق إعْتمَد نهج المحاصصة على خطاب سياسي , لعبت فية اﻷحزاب اﻹسلامية , على ورقة المظلومية , فأطربت طائفة وأحزنت طائفة أخرى , وأجهضت حقوق البقية التي تُشكل المجتمع العراقي , بينما في دول شمال أفريقيا إعتمد اﻷسلام اﻷخواني والسلفي على تعاليم تدين غريبة عن الدين , مستفيدتاً من الدعم المادي والمعنوي السعودي والقطري , ومرحبة بمساعدات العامل الخارجي العسكرية واللوجستية , و هي ترتدي عباءة التدين , كمخلص من مآثم اﻷنظمة السابقة , بمهارة التوفيق بين إزدواجية المواقف والقرارات الوقتية التي إنطلت على الشعوب المغلوبة على أمرها أصلا , و بحذاقتها في التلون على قاعدة , لو ألعب لو أخرب الملعب في الخارج والداخل , هذه المواقف التي أوقعت شرائح واسعة في دهاليز التناقضات بين اﻹصالة والحداثة , فضاعت عندها مفاتيح مفاهيم الجماعية في العمل , وتحقيق طموحاتها بعد كنس اﻷنظمة الشمولية ,فَصَمتت , وإبتعد حديثها عن اﻹصلاح , وعن التخلص من موروثات اﻷنظمة الدكتاتورية التي أثقلت كاهلها , والتهت بالمناكفات والتنابز , وأﻹنحياز لهذا الطرف أو ذاك , تاركين حاملي همومهم بيستغيثون ويطالبون بوحدة التصدي لتصاعد البطالة , وتنامي درجات الفقر , وتسرب اﻷطفال من المدارس , وسيادة ثقافة ديمقراطية تخدم اﻷقلية , وتنعش تسيب الذات , ولم يعد إرضاء الناس غايتأً يجب النهوض بها , صاغين لنداءات أخروية , يشيعها التدين وليس الدين في مجال العلاقات اﻷجتماعية , والقوانين الوضعية , المتعلقة بحقوق المراءة , كاﻹقرار بشرعية زواج ( المتعة و المسيار والعرفي ), و تعدد الزوجات الذي سارع اغلب القائمين على الحكم ممن إنتفخت كروشهم في العراق و في أنظمة ما بعد التغيير في شمال أفريقيا بتطبيق ما اباح لهم إسلوب التدين الجديد , وفرض الحجاب في المؤسسات , وفصل اﻷناث عن الذكور , وغيرها من اﻷساليب التي تحد من مساهمة المراءة في تفعيل متطلبات التغيير , مستغلين ترفع الشعوب وطلائعها الوطنية التي قارعت اﻷنظمة الدكتاتورية , عن طرح همومها اليومية بحدة , خشية أن يعرقل ذلك مسيرة العملية السياسية في بلدانها , فاستغل الطامعون بخيرات الوطن من الدول القريبة والبعيدة , وعبر مرتكزاتها , وأدواتهم في الداخل , التي كانت على أرصفة الشوارع تتفرج على الحراك الشعبي
لقد كانت مباركة المرجعيات الدينية لحملات اﻷسلام السياسي اﻹنتخابية , وراء تصدرهم اﻷستحقاق اﻹنتخابي , الذي أباح لهم إحتكار الثروة والسلطة والسلاح ,فَقَوي عودهم , ولم يعد يستجيبوا لنداءات مرجعياتهم الدينية ﻹيقاف عملية التدهور الحاصل في الملف اﻷقتصادي , واﻷمني والفساد اﻹداري ونهب المال العام عبر حوار شامل , يشارك فيه كافة من قارع اﻷنظمة الشمولية , مما أزعج المرجعيات فبدأت مشوار علاقاتها اللاحقة , بقطع اﻷتصالات بينها وبين القائمين على الحكم (العراق), وإنحازوا كليا الى الجماهير الفقيرة , معلنة موقفها الديني والشرعي بتطبيق الثواب والعقاب على كل مسؤول في الحكم , أما في دول التغيير اﻷخرى فكان هم اﻷسلام السياسي هو الجلوس على الكرسي بحجة الشرعية التي إسترجعتها الجماهير منهم . وبهذا الصدد برز أمام حاملي هم شعوب التغيير من القوى الوطنية . مسألة مستقبل أوطانهم , المعرض للسقوط في مستنقع التيارات المتناقضة , وخشية العودة الى اﻷنقلابات العسكرية كما يلوح في اﻷفق في بعض البلدان , بحجة حل اﻷزمات السياسية واﻹجتماعية ,و التصدي لمعانات الناس , من اﻹنفلات اﻷمني والبطالة الجماعية, والفقر القديم والجديد, وحالة الجوع المتواصل , يشجعهم على ذلك ما بأيديهم من سلطة وثروة وسلاح . تشير الوقائع الحالية في بلدان التغيير الى مخاوف الناس ,من العودة الى المربع اﻷول الذي لا يستوعب مفاهيم الديمقراطية , و من محاولات اﻷستحواذ الكلي بإسم الشرعية من قبل المتدينين (لبسْ عباءة التدين وإطالة اللحى لا يدل على التمسك بالتعاليم والمعتقدات الدينية) , متناسين إن الشرعية يمنحها الشعب , وليس صندوق اﻷقتراع . فغياب الثقة في الغد, وإستحالة تحقيق آفاق رحبة في الظروف الراهنة , سيؤدي بالضرورة الى زيادة شهية طلاب السلطة للإنفراد وفرض دكتاتورية جديدة بالقوة بإسم تقويم اﻷوضاع .
إن ما نادت به المرجعات الدينية في العراق واﻷزهر يشكل عامل جذب للناس للدفاع عن منجزاتها وحمايتها من التدين الجديد الذي سيضع شعوب التغيير في نفق مظلم لا يُرى فيه نور