دور العامل الخارجي  في .. /. علي الخالدي

إتسمت اﻷحداث التي أعقبت تغيير اﻷنظمة في شرق أوروبا , والشرق اﻷوسط بظواهر إتشحت لباس  نوايا ظاهرية أخفت في طياتها مآرب خفية ذات قدرة تخديرية , إستغفلت شعوب بلدان التغيير عن ما يكمن خلف هذه النوايا   , ففي اﻷولى كانت سياسية إقتصادية, غايتها تهشيم المجتمع اللاطبقي , وتبني نظام إقتصاد السوق  , أدواته مغالي العداء للنظام اﻷشتراكي من المهاجرين في الدول اﻷوروبية , وغُلات الرجعية ,  مطعمة بعناصر من داخل اﻷحزاب الحاكمة من أﻹنتهازيين والوصوليين , فإحتُفظَ بالمقومات اﻹدارية للدولة السابقة , بينما كانت  في الثانية ( دول الشرق اﻷوسط وشمال أفريقيا) سياسية دينية , تهدف لنصرة المذهب والطائفة , من من خرج عن الدين كما يدعون بإسلوب تدين جديد وليس ديني , مشحون بمفاهيم أخروية , وشرعية متناقضة مع بعضها في دول التغيير وحتى في الدولة الواحدة , ناسفة مفاهيم  وقوانين الدولة الحديثة , والحداثة , مُستَحدثين بنية جديدة  لشكل دولة , لا تتماهى وروح العصر , على أساس ما إستحدثوه من دساتير وقوانين , ( لا تتعارض مع الشريعة) .كانت أدوات حراك التتغيير هي مجمل الحركات الوطنية , بينما تفرجت القوى الدينية في بعض البلدان على الحراك من على أرصفة الشوارع , وبعد سقوط النظام , التهت القوى الدينية بكيفية السيطرة , و اﻹستحواذ على مقادير الدولة الجديدة , فجيرت مردودات التغيير لصالحها و أدواتها , و بما يتناسب ومآرب  أجندات وخطط العامل الخارجي , وأهملت ما كانت تدعوا اليه من إصلاح و تنمية , وتخطيط يكنس موروثات اﻷنظمة التي قبرها الشعب , فواصلت ترسيخ إمتيازاتها ببناء أجهزة أمنية بلون واحد , وبدعم مادي ولوجستي , العامل الخارجي , و حتى بإشرافه المباشر , دون اﻹكتراث بالمصلحة الوطنية العليا , وبالتوافق والشراكة التي بنيت عليها معطيات الحكم  الجديد , و دون اﻷخذ بنظر اﻷعتبار الكفاءة , والتاريخ النضالي للقوى المحركة للحراك من اﻷحزاب والقوى الوطنية 

كلا اﻷثنان , فشلا في توفير مستندات موضوعية وذاتية في المرحلة اﻷنتقالية , فلم تستند المرحلة اﻷنتقالية على مباديء العدالة , وعلى النوايا الصادقة والآماني المرجوة من وراء التغيير , فأدخلوا بلدانهم في مطبات ومتاهات , وازمات على كافة المستويات السياسية  واﻹقتصادية و اﻹجتماعية , صاحيها إنهيارات أمنية متواصلة , وفساد إداري ومالي , صَعَد من مستويات الفقر في تلك البلدان , وأدى الى تشظي المجتمع وإنشطاره الى شريحة فاحشة الغناء , وشرائح مدقعة الفقر , وخاصة في الريف , ضمن أجواء ديمقراطية سياسية ورقية , حجبت منها الديمقراطية اﻹجتماعية , فإنتشرت عبرها أفكار تدين غريبة , شوهت و خرقت  التعاليم الدينية الجقيقية

  فمنذ الوهلة اﻷولى للمرحلة اﻷنتقالية لهذه البلدان جرى تشييع مفاهيم خاطئة عن مفهوم العدالة اﻹجتماعية , بحجة اﻷستحقاق اﻹنتخابي والشرعية اﻷنتخابية , التي حصلوا عليها بغفلة الشعوب , فاالفرحة باﻹنتصار أغشت العيون , ولم تفطن الشعوب لنوايا العامل الخارجي من دول قريبة وبعيدة وادواتها في الداخل , و لمخاوف  اﻹستفادة من التجربة الرائدة لجنوب أفريقيا  في مسيرة تحولها من نظام التمييز العنصري الى الدولة المدنية , القائمة على أساس تطبيق العدالة اﻹنتقالية , بمساهمة كافة المناضلين ضد سياسة التمييز العنصري . فإلتزم الجميع  بتطبيق العدالة القانونية, نابذين روح اﻹنتقام , ومعتمدين الوطنية في التشريع وإصدار التعليمات . ولم يُسمح لتدخل اي عامل من الخارج بأي حجة كانت , في عملية تطبيق العدالة اﻹنتقالية في النظام الديمقراطي الجديد , فجنبوا بلادهم من الوقوع في دوامة الفوضى السياسية , وشاعت العدالة اﻹجتماعية بين الناس , بعد إعتذاز من أساء اليهم لينضموا للصفوف الوطنية في نطاق الواقع والقبول  

 أما تجربة أوربا الشرقية في إنتقالها من النظام اﻷشتراكي الى إقتصاد  السوق , فلم تقتدي بها شعوب التغيير في الشرق اﻷوسط , وشمال  أفريقيا , ﻹختلاف الظروف الذاتية والموضوعية للمرحلة اﻹنتقالية , وﻷن العامل الخارجي أراد لها أن تكون متقوقعة ضمن مقاييس سياسية إقتصادية , إقليمية  (أوروبية)  حددت مفاهيم  وطرق تطبيق العدالة اﻹنتقالية سياسيا , و بنفس الوقت أستنبطت مجسات تطويق الحراك الوطني والطبقي , تاركة العنان لوسائل إعلامها بكيل التهم واﻷفتراءات على النظام أﻹشتراكي و إبراز أخطاء تطبيقه للديمقراطية السياسية , بينما غمطت مزاياه اﻷقتصادية واﻷجتماعية , وعدالة توزيع  الثروة الوطنية بين الناس , فاﻷسلوب الرأسمالي الجديد لم يتقبله المواطنون الذين فقدوا بحبوحة معيشتهم في النظام اﻹشتراكي , واﻷجواء اﻷمنية المستقرة التي وفرتهما اﻷشتراكية , كما أن  الخلق والعلاقات اﻹجتماعية اﻹنسانية التي تربت عليها أجيال , لم يكن من السهل إنتزاعها من الناس وإجبارهم على نبذها , فكانت وراء ليونة تطبيق العدالة اﻹنتقالية والقانونية , وعدم التشدد في تطبيقهما . باﻹضافة لإلتهاء المنابر التي سيطرت على النظام الجديد , بالتنافس مع العامل الخارجي  بكيفية السيطرة على اﻷسواق , وأﻷيدي العاملة  الماهرة , وعلى التكنيك والتطور العلمي . لقد لعبت  الرجعية  ومزدوجي الجنسية  والدول الراسمالية  دورا رياديا , في بيع القطاع العام , والشركات العملاقة , التي بناها النظام اﻷشتراكي ,  الى اﻷحتكارات العالمية .وبالتالي تم القضاء على الملكية أﻹجتماعية , لصالح الرأسمالية    

مؤخرا إستفاقت شعوب أوروبا الشرقية بفعل  زيف المزاعم والنوايا التي أثيرت قبل وبعد التغيير بالعيش الرغيد للشعوب في ظل إقتصاد السوق , لكن أستفاقتها أتت متأخرة بعد أن رُبط أقتصادها باﻷحتكارات العالمية وبتبعات قروض البنك الدولي التي أثقلت كاهل المواطن وأوقفت التطور اللأحق لمستوى معيشته , وبالتالي تكونت حالة اللاتوازن في تلك المجتمعات إقتصاديا وإجتماعيا , عكستها  اﻹختناقات اﻷقتصادية و السخط الشعبي عبر المظاهرات الجماهيرية , وتزايد الثقة بقوى اليسار وخصوصا لممثلي الطبقة العاملة , كما يحصل في تشيكيا والمجر 

_  يتبع  _