
وشما كبر بيك العمر تكبر محبتنا * / د. علي الخادي
في أيام الربيع تتعطر الحياة , بأريج النوار , وتلبس الطبيعة ثوبها اﻷخضر , وتتسارع الطيور الى بناء بيوتاتها , الكل في الطبيعة يبداء بالعطاء السخي بما فيه اﻹنسان ﻷخية الإنسان , الذي حذق في اﻹفادة من خيراتها , فإستلهم من قوانين حركتها صيرورة فكر أسس عملية تطوره اﻹجتماعي , و وعيا هو نتاج الممارسة الحياتية لحركتها , و بالعمل الجمعي إستطاع , أن يخرج بنظرية مادية متكاملة اﻷبعاد لتطوره ضمن أطرها , ففي مملكة أكد وبالذات في منطقة أور بنى الآرميون , أول حضارة مجتمعية في الزراعة والصناعة البدائية , كما تشير اللوحات الطينية التي أكتشفت مؤخرا , فنمت وتطورت اﻷيدي العاملة عبر آلاف السنين , وإطلعت شعوب العالم على حضارة وادي الرافدين , وعلى قوانين مجتمعه الوضعية , التي سطرها حمورابي في مسلته , فصاغ الرواد اﻷوائل , ماركس وأنجلز , في القرن التاسع عشر من هذا التراث , قوانين التطور اﻷجتماعي واﻷقتصادي لمسيرة البشرية نحو الحياة السعيدة , الخالية من إستغلال اﻷنسان ﻷخية اﻷنسان . وسرعان ما تلقف أفكارهم أحفاد ورثة قيم أور الحضارية , قبل ثمانين عاما , الذين وجدوا أن تطبيق هذه النظرية على الواقع العراقي ستخلصهم من اﻹستغلال , وتوصلهم الى الحرية والعدالة اﻹجتماعية وتُمتن السلم اﻹجتماعي , وكل مايعزز القيم الحياتية للإنسان, فتفاعل أبناء مدينة الناصرية , وشرعوا بتكوين خلية بناء أول سفينة , تبحر بالفقراء والكادحين , عباب اﻷستغلال الطبقي , تتحدى وتصارع أمواجه وعواصفه , التي عجزت عن إغراقها , رغم ما إخطفته من شراع من على متنها , فسرعان ما تُولد من رحم بيئتها , شراعأ جديد تواصل توسيع مساحة قاعدتها , وتنظم أجيال جديدة من شغيلة اليد والفكر , تُصْهر مصالحهم في بودقة مصالح عامة الناس من الفقراء والمحرمين
وكأي كائن حي , لم تسلم هذه السفينة , من هجوم العث الذي اراد تفتيت هيكلها وإغراقها وهي لا زالت تحبو في مسيرتها , كما بث الحاقدون جراثيم وفايروسات دعاياتهم المغرضة , بغية إصابتها بالشلل وإعاقتها عن خوض عباب البحر , فأقدموا على إعدام من بدء ببناءها فهد صارم حازم , ناسين إنها قد شحنت بقوة كادحي وفقراء الشعب , التي لم تقو تلك الجراثيم لوي ذراع راكبيها حتى بعد أن إختطفت سلام عادل , ورفاقه في إنقلابهم الفاشي عام 1963 , بل أكتسبت متانة ومناعة مستديمة لمواصلة الصراع الطبقي , ولم تستطع فرنمانات اﻷنظمة الرجعية والدكتاتورية والقوى الظلامية من منع صعود الناس الى ظهرها , و لا حتى تقويض محبتهم لها ,فقد كانوا ينظمون الى صفوف المبحرين , الى المستقبل الزاهر , بالرغم من معرفتهم المسبقة بأن صعود هذه السفينة سيعرضهم الى الجوع والحرمان وحتى فقدان الحياة , فباعوا قواهم العضلية بجارك طحين , حتى جاكيتاتهم باعوها بعز الشته وما باعوا , إسّمْه ,
كانت عيون متطوعي اﻷبحار من على ظهرها , تراوي الرمل شاخصة تشع بضوء , يلاوي العواصف والضباب , جاعلين ايديهم رماح و راحاتهم مجاذيف , تدفع الروج جانباعنها , لتواصل (السفينة )إبحارها نحو محطة , الغد المشرق , الذي سيبنى الوطن الحر والشعب السعيد , فهذه السفينة التي شاركت هدف سفينة نوح في إنقاذ حياة اﻷحياء واﻷنسانية من دمار الطوفان , ضمت مكونات الشعب العراقي , العرب والكرد , والكلدان والسريان والآشوريين والتركمان واﻷرمن والصابئة واليزيديين , وغيرهم من الشعوب الآرامية . وفي ظل أشرعتها نمت قيمهم الحضارية وآمانيهم القومية المتربطة بعرى لا تنفصم عن وطنيتهم , التي سمت بصعودهم الى ظهرها . وبكل فخر وإعتزاز , حملوا راية الثقافة الوطنية , التي بذرها البناءون اﻷوائل في جسد هذه السفينة ضد التخلف والفكر الإستغلالي , مثل تحرير العمل , وإقامة العدالة اﻹجتماعية , والسلام واﻹشتراكية ,
رغم مرور ثمانون عاما , لا زالت السفينة تسير في اﻹتجاه الصحيح , ولم تبدي خلال تلك السنين أي تقاعس وملل تجاه صمودها أمام بربرية وحقد أعداء عملية ملاحتها , في أرض العراق , من الشمال الى الجنوب و من الشرق الى الغرب معتمدة في إبحارها على الدعم المادي والمعنوي , لسكان القرى واﻷرياف والمدن ,فبه إرتفعت بركابها الى قمم جبال كردستان للذود عن حقوق الشعب الكردي ونزلت الى أهوار الجنوب , لتقارع الدكتاتورية وتساهم بإلتحضير ﻹسقاط الصنم , وحاليا يطلق محبيها إحتفالات عيد ميلادها الثمانين , ومن مرفاء إبحارها الناصرية
بعد التغيير وسقوط أعتى دكتاتورية , بشعة إجرامية , غمرت الفرحة وجوه عبريتها مع كل الناس الطيبين , لكن إستمرارها على وجهوههم لم يدم طويلا , فقد إصطدموا ببقاء آثار الدكتاتورية , وقوانينها اﻹجتماعية واﻷقتصادية والثقافية ولم تُكنس من قبل أصحاب القرار الذي جاء بهم العامل الخارجي , ضمن أجواء إستعرت فيها قيم اللهاث وراء اﻷستغلال وجني اﻷرباح , والنهب والفساد , مصعدة وتائر الفقر في أوساطه , مما أنعش قوى اﻹرهاب والتخريب من التكفريين وبقايا النظام السابق , فإنتفت قوائم دولة القانون والمؤسسات القادرة على حماية البلد من مجيء دكتاتورية من نوع آخر , و مع تصاعد الجزر ليقضم الديمقراطية النسبية , ويغطي هدير هتاف الناطقين بلسان الشعب المطالبة بحقوقه المشروعة , والتي يحلم بها , طيلة ثمانين عاما , للشروع في البناء والتنمية , وصولا الى عراق العدالة اﻷجتماعية والسلم اﻹجتماعي , التي بهما يكبر الوطن ومعهما تكبر محبتهم به
*بيت شعر شعبي لا أتذكر قائله