تأملات // أسطورة الإسلام السياسي / د. غالب محسن             

بمبادرة من البيت الثقافي العراقي وجمعية المرأة العراقية في مدينة يتبوري السويدية أقيمت ليلة الجمعة 5 ديسمبر ندوة على شكل طاولة مستديرة للحوار وتبادل وجهات النظر حول ما يعرف بدولة الإسلام في العراق وبلاد الشام (داعش) وتداعيات الوضع السياسي العراقي والأقليمي – العالمي المرتبط بظهور هذه الحركة. رغم تواضع المبادرة من حيث الإعداد والتحشيد من جهة وغلبة تكرار الأفكار ذات الطابع الأخباري للكثير من المساهمين ( دون التشكيك بحسن نواياهم وحماسهم بالطبع) إلا أنها بشكل عام تبقى محاولة إيجابية لتنشيط الحوار الفكري – السياسي وتقوية العلاقات بين أفراد الجالية العراقية . أستطيع القول أنه جهد يسعى نوعاً ما لكسر حالة اللامبالاة الفكرية التي يمكن تلمس ملامحها على الأقل في تحول خيبات الأمل المتلاحقة الى حالة يأس دائم بل صارت حالة عامة لدى الكثير من المغتربين.

ما زالت نظرية المؤامرة تحتل مكانة متميزة في تحليل الأحداث السياسية لدى الكثير من الناشطين. هكذا أنعكست في العديد من المساهمات، مرة بشكل غير مباشر وخجول وأخرى ساطعة وبنوع من الزهو. هي ليست فقط من بقايا نفايات الحرب الباردة بل أيضاً لسهولة تقبلها لدى الجمهور العام وربما عجر فكري لدى قوى اليسار عموماً. فالمصالح الدولية مثلاً قضية واضحة لا تخفيها أية دولة ديمقراطية متحضرة ولا أدري ما العجب في ذلك كما لو أن أمريكا وحدها تسعى لمصالحها. ربما خاطرت وأنا أكتب هذه التأملات بتلقي تهمة الدعوة للتدخل في الشؤون الداخلية والدفاع عن مصالح الدول الغنية الأستعمارية ومصادرة حق الشعوب والدول في تقرير مصيرها وغيرها كثير لكن ما فائدة فكرة لا تثير جدلاً  

شئنا أم أبينا لم يعد الشأن الداخلي والمحلي شأناً وطنياً خاصاً بعد أن تشابكت مصالح الدول رغم أنه أخذ أشكالاً أكثر فضاضة اليوم في عالم القطب الواحد. هذا ليس شيئاً جديداً أزعمه بل واقعاً نلمسه كل يوم ومن لا يرى ذلك لا يلوم سوى نفسه. بالطبع هناك منظور آخر يجب أن لا يغيب عن البال وهو كلما تطورت وتقدمت الدول كلما تشابكت مصالحها أكثر وبالتالي أزدادت " حاجتها " للمساومة الدولية في معظم الحالات، و التصادم في حالات أخرى. هذه تستدعي ألتزاماً أخلاقياً ومسؤولية أكبر بالتأكيد لكن لللأسف تفتقر معظم هذه الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة وأغلب حلفاءها لهذه المصداقية مما يمنح اليوم نوعاً من " المشروعية " لبقاء نظرية المؤامرة وتفرعاتها الفكرية وربما في المستقبل أيضاً. المسألة الأهم من وجهة نظري هي كيف التعامل مع هذا الواقع.

أجتهد بعض المساهمين في الحوار بتحديد بدايات داعش أو أسباب نشأتها الى أنتصار الثورة الإيرانية 1979 وآخرين الى الحادي عشر من سبتمبر 2001 أو تواريخ أخرى لكن كاتب هذه السطور ذهب الى أبعد من ذلك بكثير أي الى بدايات أنتصار وتأسيس أول دولة إسلامية على يد صاحب الدعوة منذ أكثر من 1400 سنة. فالحديث عن داعش لا بد أن يقود للحديث عن الإسلام والدعوة ورسالة النبي محمد وسيرته وأصحابه وليس نظرية المؤامرة فقط. فالعنف في الإسلام ليس وليد التطورات السياسية المعاصرة رغم أنها قد تسارع فيها أو تحد منها.

ليست في نيتي أعادة ما كتبته في مقالات سابقة * عن  تحول لغة الوحي في القرآن من الدفاع الى الهجوم منذ أنتقال مركز الدعوة من مكة الى يثرب. وتذهب معظم مراجع التفسير العريقة بغض النظر عن مدارسهم ومذاهبهم الى أن الكثير من الآيات المدنية " الجهادية " قد نَسخت الكثير من سابقاتها المكية " التسامحية " وخصوصاً آخر آيات الوحي في سورة التوبة. لا يمكن تجزئة كلام الله وهو يصلح لكل زمان ومكان بل أي محاولة لتفسيره هي حرام ظن كتب أبن كثير " تفسير القرآن بمجرد الرأي حرام " **. ورغم أن أبا الوليد أبن رشد حاول رد الأعتبار لعقل المسلم إلا أن فكرة من تمنطق فقد تزندق أنتصرت في النهاية ***. هذه هي القاعدة الفكرية الإيمانية لكل نشاط أرهابي عنفي يقوم به المسلم . كتب عبد الرحمن الراشد عندما كان رئيساً لتحرير صحيفة  الشرق الأوسط " ليس كل المسلمين أرهابيين، لكن كل الأرهابيين مسلمين".  الإيمان حق لكل إنسان وهو ليس موضوعاً للنقاش عندي، فالإيمان لا يحتاج الى برهان. لكن لم يعد يكفي تفسير تطوع المئات من الشباب المسلم السويدي في صفوف داعش فقط بكونه " مؤامرة أمريكية ". ما هو الدافع لهذا المسلم الشاب في رفضه حياة " الأمان " في هذا البلد الهادئ والمسالم حتى يطلب الشهادة  على بعد 3500 كم ؟ ثم يأتي الجواب الساحر : أنه الإسلام السياسي يا عزيزي. هي تصرفات أشخاص ومجموعات متطرفة تستغل الدين في السياسة (أضافة لنظرية المؤامرة بالطبع). هكذا وببساطة مُذهلة . أنتهت مشاكلنا.

لنبحث في التأريخ الإسلامي منذ أنتصار الدعوة قبل أكثر من أربعة عشر قرناً وحتى اليوم ولنطرح السؤال الذي يلوح في الفضاء مثل سيفٍ يبحث عن رؤوسٍ أينعت وحان وقت قطافها:

متى كان الإسلام ليس سياسياً ؟ 

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

* أنظر كتابي " تأملات وطن مهاجر ". ** عبارة القرآن حمّال أوجه إتما كانت أستشعاراً عبقرياً من الإمام علي للمأزق الذي سيتعرض له الكتاب في المستقبل. ***في كتابه " تهافت الفلاسفة " أنتقد الغزالي بشدة فلاسفة العقل من بينهم الرازي وأبن سينا وقد رد عليه أبن رشد في كتابه " تهافت التهافت " محاولاً أعادة الأعتبار للعقل .