
دفنت ... صديقتي والدتي/ عبد الرضا حمد جاسم
في تمام الرابعة من بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق 12.08.2014 كان نفسها الاخير قد دخل صدرها بصعوبة كبيرة لم تتمكن من زفره...
كنتُ عند رأسها أتأمل تلك اللحظات الرهيبات بأيمان كبير بأن "للعمر حق"...قلت لمن كان قربنا انه الموت الذي حل في جسدها النحيل...
لأول مرة اجد وجهه صديقتي والدتي بهذا الصفاء م الاطمئنان الممزوج بخوف الام على ما تركت و خوف الصديقة الصادقة الصدوقة على صداقتها التي نسجتها مع كل محيطها خلال اكثر من ثمانية عقود...صداقتها لأولادها و بناتها و انسابها و نسيباتها و اقاربها و جيرنها اينما حلت و احبابها التي كرست حياتها لهم.
كانت كلماتها الاخيرة هي ( يمة...يمه...يمه...يمه...يمه.........) وكأنها تُذَّكرني و انا الذي لا ينسى ...بما كانت توصيني به دائما في همسها في اذني في كل الظروف...و كأنها توصيني كما كانت توصيني في تلك المظلمات المدلهمات التي مرت علينا انا و هي و الاخرين
كانت تجيد كلام العيون...و كلام الصمت...
كأنها تُذُّكرني بما نشرته عنها تحت عنوان (يمـــــــــــــــه)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=249496
[يمـــــــــــــــــــــــه
كَدامي ما جنتي تبجين
بس جنت كل لحظة بعيونج اشوفن دمع
يمــــــــــــــــــــــــــــه
كَدامي ما جنتي تتحسرين
تطلع انفاسج جمر يذوب صخر ع البعد ينسمع
يمــــــــــــــــــــــه
انتِ حرة
و أحنه منسولين من كَبل سابع ظهر
سبع عن سبع عن سبع...].
ماتت ...صديقتي امي
بهدوء يتناسب مع هدوئها
ماتت المعلمة كما يسميها كل من عرفها
ماتت بهدوء يتناسب مع هدوئها العجيب في كل المحن التي مرت بها و في القمة من تلك المحن فقدها لثلاثة من اولادها
ماتت من كانت تصَّبرني و تُقويني و انا في ارتباك الحياة في لحظات كبيرة و كثيرة و هي تقول
(يمـــــــــــــــــه
خسران النص مو خسران)
في اشارة الى فقدها نصف عدد اولادها الذكور
كانت تضحك عندما تراني قلق...و تقول ( ها يمه تبجي عله اخوتك...ولك انه مرة و ما ابجي...و انت رجال البيت تبجي)
أقسم لها كاذباً بأني لم و لن ابكي و لا ابكي
تضحك و تجيبني (يمــــــــــه يبعد روحي ...قابل أنه ما اعرفك...).
صمتت... ماتت ...صاحبت الكلام القليل في حياتها الصاخبة الصعبة الحزينة
ماتت من لم ترفع صوتها يوما على احد او في وجه احد...أبداً ...أبداً
ماتت ...من لم ترفع يدها على احد مطلقاً
ماتت ...من لم تكره احد ابداً
ماتت ...من لا تعرف الذم او النميمة ابداً ...ابداً
ماتت...الصامتة وهي تنثر الشعر على من يحيط بها و تنشر الحكم و الاقوال
ماتت ...من اتحدى من يقول يوماً انها طلبت منه شيء لها...كانت تطلب فقط ان نحب بعض و ان يكون اولادنا احفادها احسن منا في كل شيء
ماتت...من حافظت على ذاكرتها طرية ندية حتى اللحظات الأخيرة...ماتت
ماتت...من لم تعترض على احد او على موقف بالصوت العالي انما بالهمس...وهي لم تترك اي خطأ يمر دون ان تشير اليه بتلك الصورة
لم تنصح احد...كبير كان ام صغير بسفاسف الكلام انما بالشعر و الحكمة و مختصر الكلام و بهدوء تام مصحوب بابتسامة لم تفارقها.
لم تستهلك كتلة التفكير فيها بالسفاهات لذلك كانت تتذكر الصغيرة و الكبيرة من امور حياتها حياتنا خلال التسعة عقود من عمرها و اكثر
ما فكرت يوماً بصوت عالي...كان صديقها الصمت و لغة العيون
لم يستطيع منا احد او من زوارنا او اقاربنا او جيراننا او معارفنا ان يمسكها متلبسة بجريمة العصبية و الانفعال الحاد...ابداً
ماتت من كانت تضحك بابتسامة جميلة...و ان تجاوزتها اهتز بدنها من صدق ضحكتها و فرحها
لم اشاهد و انا صديقها القريب و رفيقها و ابنها يوما دمعه في عينيها ...في احلكها و اصعبها و ادقها
لم يرتسم الحزن على مُحَّياها...أمام احد ...رغم سنوات الحزن و القلق الكثيرة جداً التي عاشتها
قالت لي مرة...و انا الذي ابكي بصمت دائماً...عندما طفرت دمعه من عيني امامها
(يمـــــــــــــه
هاي اخر دمعه اليوم
عيونك حمر اشكَد بجيت...انت ابني و اعرف دماراتك...شكَد باجي اليوم...هاي مو اول دمعه هاي وشالة بجي)
بكت بحرقة و الم عندما زارت قبر احد ابنائها بعد ما يقارب من ثلاثة عقود على استشهاده غريباً
و قالت لي :
[يمـــــــــــــــــــه
هاي مو خوش دنية
لازم انتم تزورون قبري مو انه ازور قبور اخوتك]
ماتت امي صديقتي رفيقتي زميلتي حبيبتي...أم فاضل...بدرية ياسين يوسف ...أم الشهداء....أم الحزب كما اطلق عليها احد الرفاق قبل اكثر من 40 عام.
[ يمـــــــــــــــــه
تتذكرين
كَتلج اشتتمنين
بكل بساطة او طيبة جاوبتي
طفل تريع شبع
لو من صدر امه رضع
وشاب ينجح
و بنجاحه علم للهمه رفع
و عامل فرح
لو بالعركَ مال نكَع
و أم تفتخر
بأفعال ابنها
لو للبشر بأفعاله نفع].
شكــــــــــــــــــــــــراً صديقتي أم فاضل على ما قدمتيه لنا و للعراق و للحياة ...تعرفين ان الكثيرين لن ينسوكِ ابداً لأنك في كل واحد منهم تركتِ شيء جميل و مفيد
شكــــــــــــــــــــــــــراً ايتها المعلمة كما يحلوا للكثيرين ان يطلقوا عليكِ
شكــــــــــــــــــــــراً...لسماحتك و ابتسامتك و هدوئك و صبرك و كل شيء فيكِ
لقد ختمتيها بحكمه كبيرة عندما عرفنا انكِ قد اشتريتِ منذ سنين كفنكِ و جمعتِ مصروفات مجلس عزائك حتى لا تسمحي لأي شخص ان يتفضل عليكِ بها بعد موتك
و كل ما او صيتي به وصل او سيصل الى مستحقيه....الى اللقاء يا صديقتي
نامي قريرة العين
لقد دفنتك بيدي كما كنت تطلبين مني بيني و بينك...وشاهدتك و انت في تلك التربة...و اخبرك و اعذريني بأني حملت من تربتك بعضها .