
انتخابات العراق: تحالفات وصراعات .. / كاظم الموسوي
حدد يوم الثلاثين من شهر نيسان/ ابريل موعدا لإجراء دورة انتخابات نيابية/ تشريعية في العراق لتكون المرة الخامسة. حيث جرت انتخابات واقتراعات حول الدستور والمجلس النيابي اربع مرات بعد غزو العراق من قبل الادارة الامريكية وحلفائها عام 2003. بدأت الاولى في عام 2005 وتلتها في العام نفسه حول الدستور والثالثة ايضا. كلف السيد نوري المالكي، زعيم حزب الدعوة الإسلامي برئاسة السلطة التنفيذية مرتين فيها، الأولى في ايار/ مايو 2006، واستمر في الثانية في تشرين الثاني/ نوفمبر2010. أي انه حكم العراق دورتين مستمرتين، ويسعى لدورة ثالثة، في احرج ظروف العراق السياسية. وكان مجلس النواب العراقي قد صوّت، في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، بحضور 222 نائبا (من 325 نائبا) على قانون الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعد أسابيع من الجدل والخلافات بشأنه، بهدف "اجراء انتخابات حرة ونزيهة وتجري بشفافية عالية ولتمثيل ارادة الناخب تمثيلا حقيقيا وفسح المجال للمنافسة المشروعة وبعيدا عن التأثيرات الخارجية وللارتقاء بالعملية الديمقراطية". وقدم السيد اسامة النجيفي، رئيس مجلس النواب (البرلمان)، شكره للسيدات والسادة النواب لما بذلوه من جهد للتصويت على قانون الانتخابات، في إجراء قوبل بترحاب دولي ومن قادة الكتل السياسية العراقية. من ابرزها ترحيب نائب الرئيس الامريكي جو بايدن، المكلف بملف العراق في الادارة الامريكية، الذي اصدر مكتبه بيانا نشره موقعه والسفارة الامريكية في بغداد، باللغتين العربية والانجليزية، مؤرخ في اليوم نفسه، ورد فيه:
"ترحب الولايات المتحدة بإقرار مجلس النواب لقانون تنظيم الانتخابات البرلمانية العراقية هذا اليوم. وقد تقرر إجراء هذه الانتخابات في 30 نيسان/أبريل 2014، وكان القانون الذي صدر اليوم ثمرة عدة أسابيع من المفاوضات والحلول الوسط بين جميع الكتل السياسية الرئيسية في العراق. إنني أشيد بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي، ورئيس إقليم كردستان العراق بارزاني، ورئيس مجلس النواب النجيفي لتحقيقهم هذه النتيجة.
إن الانتخابات المقبلة سوف تمنح الشعب العراقي الفرصة لاختيار توجهات بلاده، والحلول التوافقية التي تمّ التوصل إليها اليوم تظهر قوة المؤسسات الديمقراطية في العراق، حتى في مواجهة الإرهاب الذي يسعى إلى تصعيد حدة التوتر الطائفي وإثارة نزاعات أوسع نطاقا.(....)".
وضعت هذه الرسالة/ البيان مدى او مسارات النفوذ الامريكي في العراق. فهي كما وردت في فقراتها اعلان صريح وتوضيح موقف وتقرير عن توجهات الادارة الامريكية في رسم خطط السياسة عبر الانتخابات ودور القوى الفاعلة فيها، والتي يمكن القول انها تمثل المكونات الاساسية التي على ضوئها طرح بايدن نفسه قبل تسلمه منصبه الحالي مشروعه لتقسيم العراق. وهنا لابد من قراءتها من هذا المنطلق او المحدد السياسي ومعرفة الاسماء الواردة فيها كقيادات سياسية لمكونات العراق برأي الادارة الامريكية. والتأكيد فيها على التزامات هذه القوى، او ممثليها في الحلول التوافقية وأمام الادارة الامريكية. ومنها يمكن معرفة السبب في تدخل السفارة الامريكية في بغداد، الاكبر في العالم، في اغلب الشؤون السياسية الداخلية والخارجية.
كان الجدل داخل مجلس النواب حادا حول كثير من القضايا التي تعكس طبيعة الصراعات السياسية، لاسيما قبل فترة الانتخابات وما يتعلق بها. ومن بينها ما حصل حول عدد المقاعد النيابية وتوزيعها، وتطبيق الاحصاء العام دستوريا في قواعد النسب المقررة عليها. فإحصائية وزارة التخطيط تقول ان عدد نفوس العراق الآن هو (35,095,000) نسمة، وهذا يعني ان يكون مجلس النواب مكونا من (351) مقعدا، وكان هناك طلب من التحالف الكردستاني بزيادة مقاعد إقليم كردستان وكذلك من بعض المحافظات الاخرى. وفي النهاية جرى الاتفاق على ان يكون العدد 328 مقعدا. ولعل الوصول الى هذا التحديد مؤشر على طبيعة الصراعات ومحاولات التأثير فيها. كما انها تعطي صورة لمآل سيرها والتوافقات التي ادارتها.
حسب ناطق رسمي باسم المفوضية العليا للانتخابات في العراق، صرح لوسائل اعلام عراقية إن "المفوضية تعمل بشكل يومي لتنفيذ برامجها وخططها لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 30 نيسان/ ابريل المقبل". وان "عدد الناخبين في الانتخابات البرلمانية المقبلة سيتجاوز 21 مليون ناخب عراقي لانتخاب 328 شخصا لمقاعد البرلمان، فيما بلغ عدد المرشحين اكثر من 9 ألاف مرشحا في عموم مدن العراق، وتم تهيئة 52 الف محطة انتخابية لاستقبال الناخبين وسيكون التصويت وفق بطاقة الكترونية يجرى الان توزيعها على الناخبين".
من جهة اخرى نشرت وكالات الانباء اخبارا تقول بان المرجعية الشيعية العليا في العراق تحرص على اجراء انتخابات البرلمان في موعدها، وتحث العراقيين على المشاركة الواسعة فيها من اجل النهوض بالعملية السياسية في البلاد والعمل على اختيار الأصلح والأفضل. كما تتسابق وسائل الاعلام في نشر بيانات وتصريحات من رجال دين او هيئات تحمل صفة دينية تشجب او ترفض المشاركة في الانتخابات والعملية بمجملها، او تحث وتوجب على المشاركة فيها. وهذه اشارة اخرى تكشف تداخلات الاوضاع وحوافزها واستغلال تأثيراتها او تداعياتها في مستقبل العملية السياسية واستثمار المؤثرات المعنوية فيها.
كما ان لغة الخطاب السياسي السائدة في هذه الفترة تعكس من جهتها طبيعة التوترات والتصعيد بين القوى السياسية والسلطات الحاكمة ايضا. فالملاحظ ان ازمة العلاقات البينية بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان حول قضايا جوهرية تهم المصالح الوطنية، كقضية استخراج وتصدير النفط والميزانية العامة وتطبيق بنود الدستور قائمة بحدة. وتعكسها تحركات عسكرية وتهديدات من الطرفين، وليس اخرها تهديد من رئيس اقليم كردستان السيد مسعود البرزاني باتخاذ خطوات تفاجئ الجميع اذا استمرت الضغوط عليه من الحكومة المركزية. ومثلها تتصاعد الازمة في العلاقات داخل المكونات السياسية وقواها المشاركة في العملية السياسية، مثل الخطابات المتشنجة بين رئيس الحكومة الاتحادية، زعيم حزب الدعوة، ورئيس التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، او بين رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، او بين ممثلي القوى السياسية داخل البرلمان ايضا.
ابرز مظهر او سمة في المقارنة بين الانتخابات القادمة والسابقة، انتخابات مجلس النواب لعام 2010، هي تزايد عدد الائتلافات وتقلص عدد الكيانات المشاركة، وتوزع التحالفات الكبيرة لمصلحة ائتلافات صغيرة، وإن بقيت ضمن الاصطفاف الطائفي والاثني والمناطقي. فقد بلغ عدد الكيانات المسجلة للمشاركة في الانتخابات القادمة 277 كيانا، انتظم اكثرها في 39 ائتلافا كبيرا، بينما الكيانات التي تم تسجيلها عام 2010 بلغت 297 كيانا، انضم اغلبها في 12 ائتلافا. كما يلاحظ تزايد اعداد المرشحين عن الكيانات، ففي انتخابات 2010 تنافس ما يقارب 7 آلاف مرشح بينما في الانتخابات القادمة يتنافس اكثر من 9 آلاف مرشح. ويمكن القول ان الانشقاقات والكيانات الصغيرة تشجعت او تماشت مع طريقة سانت ليغو المعدلة في احتساب الاصوات وتوزيع المقاعد، التي تعطي فرصة اكبر للقوائم الصغيرة والمتوسطة على حساب القوائم الكبيرة، مما دفع الاخيرة الى النزول بتحالفات اصغر لضمان عدم خسارة اصواتها. ويلاحظ بقاء الكتل السياسية الكبيرة في مواقعها التسلسلية في العملية السياسية، مع انقسامات ليست كبيرة فيها، بحيث لا تغير في الخارطة العامة لها. اذا قرأت المشاركات في الانتخابات السابقة، مع بعض التغييرات الاضافية.
* التحالف الوطني انشطر الى عدة ائتلافات، توزعت بين:
- ائتلاف دولة القانون، برئاسة رئيس الوزراء المالكي وشمل 12 كيانا، ابرزها طبعا حزبا الدعوة الاسلامي وتنظيم العراق وكتلة المستقلين وكيانات سياسية اخرى ذات طابع اثني (تركمان، شبك) وعلماني، والأبرز فيه سحب حليف تاريخي للمجلس الاسلامي الاعلى، هو منظمة بدر، والذي اصبح جزءا من ائتلاف دولة القانون منذ انتخابات مجالس المحافظات العام الماضي).
- ائتلاف المواطن ضم 20 كيانا، الابرز فيه المجلس الاسلامي الاعلى برئاسة السيد عمار الحكيم والمنظمات القريبة منه او المحسوبة له كحركة الجهاد والبناء ومؤسسة شهيد المحراب وتجمع الأمل اضافة الى المؤتمر الوطني العراقي برئاسة السيد احمد الجلبي، وبعض الحركات والكيانات الصغيرة التي تشكلت مؤخرا.
- تحالف الاصلاح الوطني برئاسة السيد ابراهيم الجعفري وضم 7 كيانات.
- ائتلاف الاحرار وضم 3 كيانات، ابرزها ما يمثل التيار الصدري رسميا وأنصاره، مع توزعه ايضا في قوائم ثانية باسمه او بأسماء اخرى.
* القائمة العراقية انشطرت الى ائتلافات رئيسية هي:
- متحدون للإصلاح وضم 13 كيانا برئاسة رئيس البرلمان اسامة النجيفي بالإضافة الى مسميات وواجهات سياسية جديدة تشكلت مؤخرا اغلبها تابعة للحزب الاسلامي العراقي، فرع جماعة الاخوان المسلمين في العراق، اعتبره بعض المراقبين "بالتحالف الاقرب الى الاسلام السياسي منه الى العباءة العلمانية التي ارتدتها هذه الكيانات تحت لواء القائمة العراقية خلال الفترة الماضية".
- ائتلاف العربية وضم 9 كيانات برئاسة نائب رئيس الوزراء السيد صالح المطلك.
- ائتلاف الوطنية وضم 15 كيانا برئاسة السيد اياد علاوي، رئيس القائمة العراقية السابق.
* دخلت الانتخابات القادمة قوائم وائتلافات جديدة، مثل ائتلاف العراق وهو تجمع ضم 28 كيانا اغلبها من كتل وتجمعات ليبرالية وعشائرية ثرية، وقائمة التحالف المدني الديمقراطي، التي تضم الحزب الشيوعي العراقي والتيار الديمقراطي وحزب الشعب وآخرين. اضافة الى كيانات وتحالفات يترأسها وزراء او نواب سابقون.
* اما التحالف الكردستاني فقد شمله الانشطار ايضا ونزل الى الانتخابات بائتلافات متعددة، بأسماء كالائتلاف الكردي الموحد او السلام الكردستاني او الوطني الكردستاني. وكما فعلت الكتل الاخرى قسم قواه الاخرى بين الانضمام الى قوائم محلية او متعددة بأسماء اخرى. فضلا عن الانشطار الذي حصل في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، برئاسة السيد جلال الطالباني، رئيس الجمهورية الغائب بسبب المرض، واتخذ اسم حركة التغيير وقاده نائبه مصطفى نوشروان وفاز بأصوات مهمة في الانتخابات السابقة في الاقليم والمحافظات.
في كل الاحوال ان القوائم المشتركة في التنافس الانتخابي تحمل بصمات التجربة الماضية وتحاول ان تعيها رغم انعكاساتها المخيبة في اغلب المجالات. وتتكهن جهات متابعة او راصدة بتوقعات واستبيانات تشير الى حظوظ كبيرة للقوائم الرئيسية ومشاركات محدودة للأخرى. حيث تشير تلك التوقعات الى ان الشارع العراقي مازال واقعا تحت تأثيرات الخطابين الديني/ الطائفي والقوماني، وربما بحث منها وتفاعل اقل في الخوض في عمليات تغيير جذري، رغم تذمره وتشكيه المستمرين وتحمله لمشاق وصعوبات الحياة اليومية وتعقيدات الامن والاستقرار.
المعضلات والصعوبات التي تظهر على المشهد السياسي قبل الانتخابات:
منذ غزو العراق وإسقاط النظام السابق تفاعلت ديناميكية جديدة في العملية السياسية وإدارة الدولة قائمة على اساس المحاصصات الطائفية والاثنية. وأصبح الاستقطاب الديني/ الطائفي والقوماني واضحا في المشهد السياسي. ويزداد حدة في موسم الانتخابات التشريعية والمحافظات والإقليم. ويعبر عنه احيانا في وسائل عنفية او تهديدات بها علنا ودون حساب لأضرارها على العملية السياسية او الديمقراطية، وقد تتأثر بعضها بعوامل خارجية لم تعد مخفية عن الشارع السياسي في العراق. والتي تشكل معضلة فعلية ومعوقا مركبا.
كما تضع معضلة الملف الأمني طيلة الفترة السابقة اشكالية مركبة اخرى للشعب العراقي، وهي الابرز في المعضلات العراقية، حيث استمرار تفجيرات السيارات والعربات والعجلات المفخخة، والعبوات والأحزمة الناسفة، والقذائف واللاصقات، التي باتت تضرب احياء العاصمة الشعبية والمدن الاخرى كل يوم، ولم تتوقف جرائم الاغتيالات والاختطافات وصب الزيت في نيران الارهاب والعنف واهتزاز الامن والاستقرار. وهو أمر خطير ينعكس سلبا على المشهد السياسي والعملية الانتخابية ايضا.
ازدادت معضلات الفساد الاداري والسياسي والرشوة وسوء الخدمات خلال السنوات التي مرت. وتصاعدت انتهاكات حقوق الانسان و تزايدت ارتكابات خطيرة ضد المواطنين المدنيين على اسس مختلفة وذرائع متباينة ومتبادلة في اغلب الاحيان. في ضوء ذلك يرى بعض المراقبين للعملية السياسية او العاملين فيها بأن المشهد السياسي في العراق لن يشهد تغييرا كبيرا، بسبب تبعات الاستقطاب الطائفي والتشكيل الجغرافي له. كما ان تفاقم المعضلات السابقة، الامنية وتفشي الفساد وقلة الخدمات، تلون المشهد السياسي ما قبل الانتخابات بالإرباك وتقدم صورة تكشف فقدان الكتل السياسية والكيانات الانتخابية الى الكثير من قاعدتها الجماهيرية. ويرى محللون سياسيون ان الاوضاع القائمة تولد تهديدا للمستقبل السياسي لهذه الأحزاب والكيانات، ولهذا أخذ بعضها يستند بقصد على مبدأ التسقيط السياسي. هذا فضلا من أن استمرار التدهور في الملف الأمني والفساد الاداري وتلازمه مع الملف السياسي والخيارات الاخرى دفع بعضها الى خيارات اخرى. كما حصل في قضية انسحاب السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، وله اربعون نائبا في البرلمان الحالي، من العمل السياسي، هو وتياره، ومن ثم تراجعه ودعوة انصاره ومؤيديه الى المشاركة الجدية في الانتخابات. وكذلك في حدية تصريحاته ضد المالكي وتقابلها بمثلها في تصريحات للمالكي. كل هذا أعطى مؤشرا بأن مفهوم اللاعبين الأقوياء هو من يحكم المشهد السياسي القادم. وهناك رأي يقول بأن "أمراء الطوائف السياسيين هم من سيتحكمون بالمشهد السياسي المقبل وبمباركة أميركية - إيرانية نسجت خيوطها الزيارات إلى طهران وواشنطن". وهي فكرة متناقلة ومتواترة تحتاج الى نظرة موضوعية في التحليل.
كما ان الانتخابات التي تمت والقادمة اجريت دون وجود قانون للأحزاب، ينظم عملها ونشاطاتها وبرامجها. ويحدد أسلوب ومصادر تمويل الحملات الانتخابية، الأمر الذي بقي مفتوحا للاستعانة بالمال العام أو الأجنبي وتأثير النفوذ الخارجي والمال السياسي. وهذه الملاحظة تضعف من العملية الديمقراطية والانتخابات الحرة الديمقراطية بأبعاد وطنية صادقة.
تصاعدت في الفترة الاخيرة الخلافات بين المالكي، كرئيس لحزب الدعوة الاسلامي وائتلاف دولة القانون ورئيس للوزراء، وحلفائه من التحالف الوطني من جهة وكذلك بينه وبين رئاسة اقليم كردستان، وليس اخرها العمليات العسكرية في محافظة الانبار وتفكيك مخيمات الاعتصام فيها وفي المدن الغربية من العراق. اضافة الى الخطابات والاتهامات لدول معينة بدعم الارهاب في العراق وتشجيع منظماته المنتشرة في المنطقة الغربية من العراق خصوصا، وعمليات التفجير اليومية على امتداد ارض العراق. وتداخلها مع الوضع المتأزم في سوريا. ومع هذه الجبهات المفتوحة توسعت رقع الاختلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حول الميزانية العامة. والتمترس بين السلطتين في التأثير على معيشة المواطن وتأخير تنفيذ المشاريع والخدمات المقررة او الموعودة. وفي كلا الحالين فالتصريحات العلنية بين رئيسي السلطتين التنفيذية والتشريعية تكشف عن وعي الطرفين ومستوى ادائهما لدوريهما في السلطة والبلاد عموما وروحية التنازع والتنافر بينهما وتسابقهما في صناعة الازمات. حيث اعلن رئيس الوزراء امكانية الصرف من الميزانية الاتحادية، حتى في حال استمرار عدم تصويت مجلس النواب على اقرارها للعام الحالي، خدمة للمصالح الشعبية والموظفين والعاملين في الدولة والمشاريع المؤجلة بانتظارها، دون الالتفات الى المخالفة الدستورية التي تتبع هذا الفعل، من جانب. واتهامه لرئيس مجلس النواب، النجيفي، واحزاب اخرى، بصورة مباشرة بالعمل على إفشال الحكومة الحالية من خلال تعطيل الموازنة والسعي لانهيار العملية السياسية في العراق، من جهة اخرى. ومن جهة تالية رد النجيفي على هذه التصريحات بمثلها واتهام من يقوم بذلك بالاختلاس وغير ذلك من الاتهامات الاخرى. هذا فضلا عن تبادل الاتهامات الظاهرة والمبطنة حول ما يجري في محافظة الانبار والفلوجة خصوصا من عمليات عسكرية والصمت او غض النظر عن تمكن جماعات متطرفة من العبث بالأمن والاستقرار في المنطقة وتشكيل مسميات مختلفة من بينها الدولة الاسلامية في العراق والشام/ داعش وغيرها واحتلالها لمدن وتحكمها بشؤون سكانها. وتضخيم اخبار وأرقام تصب في خدمة طرف ضد طرف اخر او هكذا يتخيل لمن يتصدى لذلك وتصبح بالتالي معزوفة تردد وتستخدم في تشويه العلاقات وحفر خنادق كراهية وتأزم سياسي واجتماعي بين المكونات والفئات الاجتماعية والمناطقية. ولا يشك احد في ان هذه التنازعات لا تمثل السلطتين بقدر من يترأسها، والدوافع السلبية التي تقودهما في الدعاية الانتخابية او الفوز في سباق الانتخابات او ارسال رسائل لعناوين يعتمدان عليها، لا تعبر عن المصالح الوطنية في كل الاحوال.
كما ان علاقات الحكومة العراقية ورئيسها مع دول الجوار العربي والاسلامي تعاني في كثير من وجوهها. لاسيما في قضايا الارهاب ومصادر دعمه وتوفير امكانات لانتشاره وتصاعده.
كانت هذه النقاط المتعددة في التصعيد السياسي قبل فترة الانتخابات تشكل جزءا من طبيعة تلك الفترة وقد تضع الامور فيها امام تعقيدات وردود افعال متضاربة، قد لا تكون في صالح التيارات والتحالفات الانتخابية التي تمارس مثل هذه القضايا وتتفاعل داخل الازمات. او قد تستخدمها وبقوة لإثبات قدراتها على التأثير على الاوضاع والانتخابات منها. كما قد تعبر عنها بأساليبها هذه لفرض اجنداتها فيما بعد الانتخابات وتهدد بها، وتصبح في كل الاحوال معضلات صعبة امام التغيير او التجديد في المشهد السياسي. كما تعمل على محاولات لتاليه القيادات، من جهة، وشخصنة الاختلافات وتشويه اصحابها بما يتعارض مع روح او خطوات المشاركة في العملية السياسية، من جهة اخرى.