لماذا العراقيون ضد انفسهم؟ /  عدنان حسين

منذ أيام دعت الجمعية الوطنية لحقوق الانسان ونشطاء آخرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي الى وقفة في شارع المتنبي لإعلان التضامن مع أهالي الانبار وضاحية أبو غريب البغدادية، في مواجهة الارهاب والفيضان والتصرفات غير المنضبطة للقوات الأمنية.

كنت هناك في الوقت المحدد صباح أمس.. لم أجد أكثر من عشرة اشخاص ارتفع عددهم الى نحو عشرين عندما بدأت احدى الناشطات بالقاء بيان اجتمع ليستمع اليه نحو عشرين آخرين فقط، فيما العشرات كانوا يمرون على مدار الدقيقة ويكتفون بالقاء نظرة غير مكترثة في الغالب. تصورتُ ان عدداً كبر من هذا بكثير سيكون حاضراً،  فوحده موضوع الفيضان وعواقبه في بعض الضواحي الغربية للعاصمة كان ينبغي أن يثير اهتمام المئات في الأقل.

هذا ليس حادثاً فريداً من نوعه ، ففي مناسبات أخرى عديدة وقع الشيء نفسه وتكرر المشهد عينه.

لِمَ لا يهتم الناس بقضاياهم وبشؤون تخصّهم وتمس حياتهم على نحو مباشر وحقوق ثابتة لهم منتهكة أو مهضومة؟ ولماذا يترددون في التمتّع بحقوقهم الدستورية وبينها الحق في التعبير عن الرأي باشكال واساليب مختلفة، منها الاجتماع ومنها التظاهر فضلاً عن القول الكتابة عبر وسائل الاعلام؟

ما من تفسير لهذه الظاهرة سوى ان هؤلاء الناس يجهلون حقوقهم .. نعم اننا نعيش بين ناس يعصف بهم الجهل .. هذ أمر صادم ومحزن، لكنه حقيقة. والدليل ان معظم الناس لم يقرأو الدستور الذي صوتوا عليه قبل ثماني سنوات، ومعظمهم لم يتعرفوا الى المترشحين للانتخابات الذين انتخبوهم ليكونوا نوابهم وممثليهم في أعلى سلطة في البلاد .. انهم صوتوا لهم في الأعم الأغلب بدوافع طائفية وعشائرية ومناطقية، وليس استناداً الى معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية أو الى البرامج المطروحة. ولهذا عندما تظهر النتائج سنجد ان الكثير من النواب والمسؤولين الفاسدين والفاشلين قد أُعيد انتخابهم هذه المرة أيضاً.

من الملوم؟ .. لا لوم على الناس أنفسهم فهم ضحايا الانظمة السياسية التي تعاقبت على حكمهم والتعسف في حقهم.. اللوم كله يقع على عاتق القوى السياسية. القوى السياسية الاسلامية، الشيعية والسنية، غير ملومة، فهي لا تخفي سعيها الى تجهيل الناس .. بالجهل وحده ينقاد الناس الى شعارات الاحزاب الاسلامية الزائفة.

الحق كل الحق على القوى السياسية الوطنية، الديمقراطية، الليبرالية، العلمانية، ومعها المنظمات المدنية .. انها في قطيعة مع الناس .. القوى الاسلامية المتنفذة تستخدم الدين والمال لشراء ضمائر الجهلة، لكن ما بال القوى السياسية غير الاسلامية والمنظمات المدنية تترك طواعية هذا الملعب الفسيح؟

قبل الانتخابات الأخيرة بشهرين أو ثلاثة تحرّك التحالف المدني الديمقراطي باستحياء واضح وبعدم ثقة جليّة بالنفس والناس .. مع ذلك كان صدى هذا التحرك طيباً في ما أظن .. متأخراً جداً جاء التحرك.. كان ينبغي البدء به منذ سنتين وتصعيد وتيرته على مدى السنة المنصرمة.

مع ذلك لم يفت الوقت تماماً، فهذه الانتخابات ليست أخيرة ولا هي نهاية المطاف.

"المدى" – 10/5/2014