شناشيل. وكان الله يُحبّ المؤتمرين!/ عدنان حسين

لستُ عضواً في اللجنة التحضيرية المكلّفة بالإعداد لمؤتمر المصالحة في الأنبار، ولا معرفة لي بأيِّ من أعضاء اللجنة المُفترض أن تكون قد بدأت عملها يوم الخميس بحسب ما أعلن عنه رئيس الحكومة في كلمته الأسبوعية الأربعاء الماضي.. كما لستُ منجّماً أو متنبّئاً، فأنا مؤمن بان المنجمين كلهم والمتنبئين (غير الجوّيين) وقرّاء الكفّ والسحرة كذّابون وضاحكون على ذقون الجهلة.

مع ذلك يُمكنني أن أرسم صورة واضحة المعالم لما سيحدث في مؤتمر المصالحة العتيد من مبتداه الى منتهاه، بما في ذلك القرارات النظرية والنتائج العملية.

ستُحجز قاعة كبيرة في فندق خمس نجوم بكلفة تبلغ كذا مليون دينار، وستُجهز بديكورات الفخفخة المبتذلة وبينها سلال الورد الطبيعي والاصطناعي. وهذا سيكلّف هو الآخر كذا مليون دينار. سيُطلب من الفندق إعداد مأدبة غداء دسمة للغاية، ستكلف مئات ملايين الدنانير، فالمدعوون بالمئات، وهم وزراء وموظفون كبار آخرون من المدنيين والعسكريين، وشيوخ عشائر حقيقيون ومزيفون، واكاديميون وإعلاميون، وستُحجز لبعضهم غرف إيجار سعر الواحدة منها بين 200 و300 الف دينار في الليلة، وتُلحق بمأدبة الغداء مأدبة عشاء للبائتين. وتتضاعف النفقات اذا ما امتدت أعمال المؤتمر لأكثر من يوم.

يُفتتح المؤتمر بآيٍ من الذكر الحكيم، أولها " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا فتذهب ريحكم"، ثم بالنشيد الوطني. بعدها سيتعاقب الخطباء على المنبر: رئيس الحكومة، مستشار المصالحة الوطنية، مسؤولان كبيران آخران أو أكثر، بينهم وكيل وزارة وقائد أمني، وزعماء أحزاب ورؤساء منظمات لا تسمع بها إلا في مناسبات كهذه، وأكاديميون وإعلاميون من النوع "برسم الطلب".. الكلام المرسل من على المنبر الى المايكروفونات وعدسات التلفزيون سيأتي فخماً وقوي اللهجة، ومثقلاً بالأخطاء اللغوية.. سيكون بالطبع مشحوناً بالمعاني المفعمة بالوطنية والبطولة والشجاعة والإيثار واسترخاص الأرواح والدماء.. وكل كلمة ستقال ستُعادل بأكثر من وزنها تصفيقاً وهتافاً.

البيان الختامي للمؤتمر بيان ثوري من الطراز الرفيع (يجب كيت وينبغي كذا ولابدّ من ذا ولا مناص من هكذا)، لكن الموافقين عليه، وهم كل الحاضرين، لن يمهروه بالدم هذه المرة لأنه صار تقليداً "ماصخاً".

يُختتم المؤتمر بالمآدب الموصى بإعدادها سلفاً. بعدها تنطلق مواكب المسؤولين الى حيث أتت، مخلّفة عاصفة من الانزعاج في الشوارع المارة بها .. الانزعاج من الإجراءات الأمنية المشددة في الشوارع ومن أصوات الزمامير المثيرة للقرف.

سيُسهب الإعلام في نقل تفاصيل المؤتمر المبارك،  ويواصل نشر التعليقات لأيام وأسابيع عن "المرحلة التاريخية الجديدة" التي دشنها المؤتمر، والأهمية الفائقة والحاجة الملحة والضرورة الوطنية له .. وبعد شهر سيصبح كل شيء نسياً منسياً.. الى أن يطرح أحدهم من جديد فكرة عقد مؤتمر آخر (هو العاشر أو العشرون) للمصالحة الوطنية ....

أليست بهذه الصورة كانت مؤتمرات المصالحة الوطنية العشرة أو العشرين السابقة؟

.... وكان الله يُحبّ المؤتمرين!

"المدى" – 7/6/2014