شناشيل- برسم وزير الثقافة الجديد / عدنان حسين         

يوم الجمعة الماضي اقترحتُ على أحد معارفي من الناشرين في شارع المتنبي أن ينشر مجموعة قصصية كتبها أحد الاصدقاء وأتوقع أن تحقق إقبالاً، فأجابني متسائلاً: على حسابه؟ قلت:لا، على حسابك، فاستنكر الأمر قائلاً: لا إقبال على القصص، والكتب عموماً. وإذ أشرتُ الى رواج روايتي "فرانكشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي، و"طشّاري" لإنعام كجه جي، أفاد بان الإقبال عليهما كان بسبب ترشحهما لنيل جائزة "بوكر" العربية... ولكن ما كان للروايتين العراقيتين أن تترشحا الى "بوكر" وأن تنال احداهما(رواية سعداوي) الجائزة لو لم تكونا مطبوعتين.

ناشر آخر أبلغني بان القاعدة الراسخة الآن في السوق الطباعي – النشري – الكتبي هي ان المؤلف العراقي إذا ما أراد أن يُخرج الى النور نتاجه عليه أن يدفع ما لايقل عن 500 دولار الى أحد الناشرين لطباعة مؤلفه وتوزيعه. وبالطبع فان 90 بالمئة من الكتاب والأدباء والعلماء والاجتماعيين والاقتصاديين لا يتوفر لديه فائض مالي بهذا المبلغ على قلته، وهذا ما أدى الى أن تبقى المئات من المؤلفات ذات القيمة الثقافية والعلمية العالية حبيسة البيوت.

منذ يومين علمتُ بان الجهاز البيروقراطي في وزارة الثقافة قد أعدّ العدة لاستقبال الوزير الجديد الاستاذ فرياد راوندوزي، فاشترى أثاثاً جديداً خاصاً بحفل التسلّم والتسليم الذي سيجري هذا اليوم بقيمة خمسة ملايين دينار، وأنفق ما يزيد عن خمسة ملايين أخرى على سجادة  ومستلزمات الضيافة من مأكولات ومشروبات .. للتيقّن سألت أحد المسؤولين في الوزارة عن صحة معلوماتي، فأكد انها "مضبوطة".

حسبتُ مع نفسي ما يُمكن أن تفعله الملايين العشرة على صعيد المؤلفات القيّمة التي لا فائض نقدياً بقيمة 500 دولار لدى مؤلفيها فوجدتُ ان هذا المبلغ يمكن أن يزيل الغبار المتراكم على 16 مؤلفاً، أي 16 حقلاً معرفياً، تتنوع بين ديوان شعر ورواية ومسرحية وبحث جاد، مفعمة بالافكار النيّرة والرؤى الساحرة والصور المبهجة والمشاهد الخلابة، وكانت ستغتني بها روحياً آلاف الأنفس.

أفترض ان الوزير راوندوزي لا علم له بأمر الحفل الباذخ، فالرجل ستطأ قدماه أرض الوزارة اليوم، وأفترض انه لو كان قد سُئل لرفض، ولطلب أن يتم التسلم والتسليم في مراسم لا تتجاوز كلفتها مئة ألف دينار.

بالنسبة لي ولكثيرين غيري، لا يمثل مبلغ الملايين العشرة سوى نقطة في بحر الأموال الضائعة والمضيعة بين أروقة وزارة الثقافة .. ويكفي مثلاً مشروع (بغداد عاصمة الثقافة العربية للعام 2013) الذي أُنقفت( أو بالأحرى أهدرت) فيه 600 مليار دينار من دون أن نجد انها قد أثمرت مكتبة عامة، مثلاً، أو قاعة للموسيقى أو صالة للعروض التشكيلية، بل لم يُنفق منها شيء حتى في ترميم واحد من المسارح المغلقة أو واحدة من دور العرض السينمائي التي حُوّلت الى مخازن تجارية.

في وزارة الثقافة ستطفو اليوم نقطة أخرى في بحر فساد كبير مطلوب من الوزير راوندوزي البدء بردمه، والا لن تكون ثمة قيمة حقيقية لتولّيه هذه الوزارة المهمة.

"المدى" – 17/9/2014