شناشيل..أين إختفت هذه المليارات؟ / عدنان حسين               

قانون الموازنة العامة الإتحادية للسنة المالية الحالية الذي شرّعه مجلس النواب منذ أيام

لم ترد فيه أية إشارة الى ما يُفترض انه مصدر مالي مهم لسد العجز في هذه الموازنة، ولم يبيّن المجلس ولا لجنته المختصة (المالية) أي سبب لتغييب مثل هذه الإشارة.

جاء في القانون ان إجمالي العجز المخطط لهذه الموازنة بلغ خمسة وعشرين ألفاً وأربعمائة وواحد مليار ومئتين وخمسة وثلاثين مليون وسبعمائة وثلاثة وثمانين ألف دينار(حوالي 21 مليار دولار أميركي)، وانه سيُغطى "من االإقتراض الداخلي والخارجي ومن المبالغ النقدية المدوّرة في حساب وزارة المالية الإتحادية ونسبة من الوفر المتوقع من زيادة أسعار بيع النفط الخام المصدّر أو زيادة صادرات النفط الخام". وأوضح الجدول المرفق ان الأرصدة المدورة من العام الماضي (2014) تبلغ ثلاثة تريليونات دينار، أي حوالي مليارين ونصف المليار دولار أميركي.

قبل التوقف عند هذه النقطة لابدّ من الاشارة الى ان مجلس النواب بتشريعه قانون الموازنة إنما قام بعمل فاقد الشرعية لأن الإجراءات الخاصة بإعداد الموازنة وتقديمها الى البرلمان كانت غير دستورية.. كيف؟

المادة 62 (أولاً) من الدستور تنص على أن "يُقدّم مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة العامة والحساب الختامي الى مجلس النواب لإقراره".. الحكومة الحالية قدّمت الى مجلس النواب مشروع قانون الموازنة من دون الحساب الختامي للسنة الماضية، وهذه ليست المرة الأولى التي يحصل فيها هذا الخرق الدستوري.. الحكومات السابقة جعلت منه تقليداً راسخاً وقاعدة صلدة .. كل موازنات السنين الماضية قُدّمت من دون حسابات ختامية. هذا الإجراء الذي سكتت عنه مجالس النواب السابقة بل تواطأت فيه مع الحكومات، كان دافعاً وسبباً لتفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري على نحو رهيب ومخيف في الدولة، فالمال السائب يعلّم السرقة دائماً وأبداً.

في كل سنة من السنين الماضية كانت تُنشر معلومات تفيج بان الأغلبية من المحافظات والوزارات والمؤسسات لم تستطع، لأسباب مختلفة، إنفاق كامل موازناتها الإستثمارية. وبالطبع فان الأموال غير المُنفقة يتعيّن أن تُدوّر وتُعاد الى الخزينة العامة، وهذا ما لا يمكن معرفة تفاصيله الا من خلال الحسابات الختامية.

المُفترض ان عشرات مليارات الدولارات ظلّت تُدوّر من سنة الى أخرى .. لكن السؤال: أين هذه الأموال؟ ما مصيرها؟ اين ذهبت؟ من تصرّف بها؟ وكيف تصرّف بها؟.. لا جواب أبداً على أي من هذه الاسئلة.

لماذا لم تُنجز الحسابات الختامية للسنوات الماضية؟ .. السبب لا يرجع الى نقص أو ضعف أو قصور في جهاز الدولة البيروقراطي المترهل .. انه يكمن في ان الفاسدين والمُفسدين في الحكومات المتعاقبة لم يرغبوا في إنجاز هذه الحسابات، لأن ذلك بكل بساطة يكشف سرقاتهم المهولة من مالنا العام الذي تُرِك لهم سائباً من دون حسيب أو رقيب.

واحد من الإختبارات الرئيسة المطلوب من الحكومة الحالية إجتيازها بنجاح، الكشف عن مصير عشرات المليارات تلك... انها قادرة على حل الأزمة المالية الحالية وعلى تحقيق خطة تنمية كبرى ما لم تطالها من جديد أيدي الحرامية.