
شناشيل - والآن.. ماذا يقول القضاء؟ / عدنان حسين
لاجديد.. لا جديد.. لاجديد.
 نعم بالثلاثة نقولها: لا جديد فيما تحدّث عنه أخيراً كلٌّ من عضو مجلس النواب هيثم الجبوري وزميله السابق عزة الشابندر.
 لا جديد، فلم يعد خافياً عن العراقيين أن للفساد الإداري والمالي، المقترن دائماً بفساد سياسي وأخلاقي، في بلادنا مافيات تحدّث عنها النائب الجبوري، يتّصل العديد منها برؤوس كبيرة في الدولة بسلطاتها المختلفة.. كل العراقيين تقريباً يعرفون هذا لأنهم يقرأون ويسمعون ويشاهدون، والحقائق عن الفساد ومافياته درجت على نشرها الصحف ومحطات الاذاعة والتلفزيون المحلية والخارجية.
 ولا جديد أيضاً، فلم يكن مستتراً على العراقيين فساد العملية الانتخابية الذي تحدّث عنه النائب السابق الشابندر، ووقفت وراءه وأدارته ونظّمته دائماً رؤوس كبيرة أيضاً في الدولة بسلطاتها المختلفة. العراقيون جميعاً تقريباً يعرفون هذا، فبعضهم شهده بأم عينيه، ومن لم يشهده قرأ عنه في الصحف وسمع من الاذاعات والتلفزيونات.
 نعم لا جديد، فما قاله الجبوري والشابندر تعرفه كل المعرفة، مثلما يعرفه هذان الرجلان، الرؤوس الكبيرة التي تقف وراء الفساد الاداري والمالي والانتخابي والسياسي والأخلاقي وتديره وتنظمه.
 الدور الآن على السلطة القضائية، فما جاء في كلام النائب الحالي والنائب السابق يمكن أن يُفهم على أنه ينطوي على اتهامات ضمنية أو مباشرة للسلطة القضائية، أو جزء منها، ليس فقط بوصفها تتخذ من قضايا الفساد موقف المتفرج أو المتستر وإنما أيضاً باعتبارها متواطئة مع رؤوس الفساد.. وهذا بالذات ما يُستفاد منه عبر تصريحات النائب هيثم الجبوري الذي ألقى بكرة كبيرة في مرمى مجلس القضاء الأعلى الذي يقود السلطة القضائية.
 القضاء العراقي مُطالب الآن ليس فقط بالدفاع عن نفسه، بل أيضاً بتقديم وقائع وحقائق مقابلة لما قدّمه النائب هيثم الجبوري، وكذلك النائب السابق عزة الشابندر، من وقائع ومعطيات.. يتعيّن على السلطة القضائية أن تدفع عن نفسها كل شبهة بالفساد، والا يكون فيها "جزء سرطاني" بحسب تعبير النائب الجبوري، فمن المفترض أن الناس تثق بالقضاء ثقة مطلقة، وهذه الثقة لها ما يبررها بوصف القضاء السلطة التي تتحقق بها العدالة والانصاف.. وإذا فسدت السلطة القضائية لا يبقى شيء غير فاسد.. فساد القضاء معناه فساد السلطة التنفيذية، ومعناه فساد السلطة التشريعية، بل فساد المجتمع برمّته.
 يهمنا كثيراً أن تكون صفحة القضاء ناصعة البياض.. لدينا ما يكفي وزيادة من الفساد من كل نوع ولون وصنف.. ولدينا ما يكفي وزيادة من المؤسسات والدوائر الفاسدة، ولدينا ما يكفي وزيادة من الفاسدين والمفسدين، ونحتاج إلى أن يبقى القضاء بعيداً عن كل شبهة فساد لأنه ملاذنا الأخير أمام ضواري الفساد والظلم والجور المسعورة.
شناشيل
مُقصّرون مع تركيا
 عدنان حسين
في مرات عدة نفى كبار المسؤولين الأتراك، بمن فيهم الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو، الاتهامات الموجهة الى أنقرة بأنها تتواطأ مع داعش وتقدّم لعناصره التسهيلات اللوجستية، ومنها غضّ الطرف عن عمليات عبور هذه العناصر من تركيا إلى سوريا والعراق.
النفي التركي كان يأتي دائماً في صيغة الغضب الذي يجري التعبير عنه بلغة عصبية، لكن ذلك في الواقع لا يتعدى كونه "تمثيل في تمثيل"، والرئيس أردوغان بالذات يجيد التمثيل ويتقن التعبير بلغة الجسد، ويحيط نفسه بفريق دعاية وحرب نفسية يُحسن خلق الأجواء المؤثّرة في المستمعين والمشاهدين لخطب أردوغان، على طريقة ما كانت تفعله وزارة الدعاية الألمانية في عهد هتلر.
لو لم تكن تركيا متواطئة مع داعش ومتورطة في تقديم التسهيلات له ما كانت الولايات المتحدة ستضطر لإرسال وفد إلى إنقرة لبحث هذا الأمر على نحو خاص. الولايات المتحدة، مثل أية قوة عظمى أخرى في العالم، تعرف تماماً ما تريد، وتعرف ما تفعل لتحقيق ما تريد، وتعرف ما تقول للتعبير عما تريد وعما تفعل. وقد إرسلت إدارة الرئيس أوباما منذ أيام الجنرال المتقاعد جون ألين المكلّف بناء تحالف مناهض لـداعش، الى أنقرة على رأس وفد للطلب من الحكومة التركية العمل لمنع عبور "الجهاديين" حدودها مع سوريا.
لابدّ ان الجنرال الأمريكي ومرافقوه قد حملوا معهم وثائق قاطعة على عدم صحة ما درجت أنقرة على نفيه بشأن الاتهامات الموجهة لها بتقديم التسهيلات اللوجستية الى عناصر داعش المارين بمطاراتها وأراضيها والعابرين حدودها باتجاه سوريا والعراق.
المصادر الأمريكية أعلنت أن الجنرال ألين ومرافقيه أجروا مع المسؤولين الأتراك مباحثات "بشأن الجهود المشتركة لقتال المتشددين".. هذه بالطبع لغة دبلوماسية تخفي وراءها معنى آخر هو أن واشنطن قد وصلت إلى مرحلة التبرّم حيال الدور التركي السلبي في الحرب الدولية ضد الإرهاب عامة، وداعش خاصة.
ما لا يريد أردوغان ومساعدوه الاعتراف به أنهم إذ يتغاضون عن نشاط داعش وسواه من المنظمات الإرهابية الناشطة في سوريا والعراق إنما لكفّ شر هذه المنظمات عن تركيا، وقبل هذا وهو الأهم، استخدام داعش والمنظمات الأخرى لمنع قيام إدارة ذاتية كردية عند الحدود مع تركيا، فأنقرة ترى في هذه الإدارة خطراً عليها على المدى البعيد، يشجّع نزعة التحرر والاستقلال لدى كرد تركيا نفسها. وقد عبّرت أنقرة عملياً بوضوح عن هذا الموقف على هامش نجاح القوات الكردية في تحرير مدينتي كوباني وتل أبيض من سيطرة داعش، فلم يتردد أردوغان ومساعدوه عن الإفصاح عن مشاعر القلق لديهم حيال ذلك.
من الصعب إقناع الإدارة التركية الحالية بأن عليها البحث عن حلول لمشكلتها الكردية داخل حدودها، لكن يمكن الضغط على أنقرة لحملها على الكفّ عن فتح حدودها ومطاراتها وتوفير مراكز الاتصال والتجمع والارتباط لعناصر داعش .. هذا الضغط لا يتعيّن أن يقتصر على الولايات المتحدة .. نحن أيضاً، في العراق، يمكننا فعل ذلك دبلوماسياً واقتصادياً، فثمة الكثير من نفطنا يذهب إلى تركيا ويمرّ عبرها، وثمة الكثير جداً من السلع التركية نستوردها، وثمة الكثير من الاستثمارات التركية موجودة لدينا... ودفاعاً عن النفس حتى القتل مبرر.. ونحن مقصّرون في هذا... لنعترف.
