شناشيل - جيشنا الجديد / عدنان حسين                       

لنعد بالذاكرة إلى 25 شباط 2011. هو يوم مشهود في تاريخنا، فعشرات الآلاف من العراقيين نزلوا إلى ساحة التحرير والساحات المماثلة في مدن رئيسة عدة، بينها الموصل (المحتلة الآن) والبصرة، احتجاجاً على تفاقم الفساد الإداري والمالي والفقر والبطالة وتردي الخدمات العامة وبخاصة الكهرباء، ومطالبةً بإصلاح النظام السياسي وإنهاء نظام المحاصصة غير الدستوري.

ذلك حدث في ذلك اليوم برغم ما قام به رئيس الحكومة آنذاك من تحريض ضدهم واتهامهم بأن عناصر القاعدة والبعثيين يقفون وراء الدعوة للتظاهر، بل إنه فرض حظراً للتجوال في العاصمة بغداد ابتداءً من منتصف الليلة السابقة. لم ينفعه التحريض ولا الحظر، فقد تحدّاه المتظاهرون بالنزول إلى الساحات لممارسة حقهم الدستوري. وبصفته القائد العام للقوات المسلحة، أعطى نوري المالكي رخصة للقوات الأمنية بإنهاء المظاهرات بالقوة الغاشمة، وهو ما حصل، وكانت من نتائجه استشهاد وجرح عدد من المتظاهرين في البصرة والموصل. وفي العاصمة لوحق عدد من الشباب النشطاء والإعلاميين الذين غطّوا مظاهرة بغداد واعتقلوا وعُذّبوا.

تلك الإجراءات القمعية لم تفتَّ في عضد المتظاهرين الذين واصلوا حركتهم الاحتجاجية لأسابيع عدة لاحقة، فيما واصل رئيس الوزراء السابق استخدام القوات الأمنية في المهمة القذرة إياها... والنتيجة أن شرخاً كبيراً حصل بين الشعب والقوات المسلحة التي تحوّلت بأمر من قائدها الأعلى من مهمة الدفاع عن الوطن واستقلاله وسيادته وأمن شعبه وكرامته إلى مهمة البطش والقمع. والنتيجة أيضاً أن المؤسسة العسكرية والأمنية قد ضربها الفساد ونخرها، وهو ما تجلّى على نحو ساطع في هزيمتها المُذّلة أمام بضعة آلاف من الإرهابيين من عناصر داعش الذين اجتاحوا ثلث مسحة البلاد واحتلوها في بضعة أيام وليال!

لنعد من الماضي إلى الحاضر .. الأسبوع المنصرم، في البصرة تحديداً، أراد أحد الجنود إطلاق النار في الهواء لتخويف المعتصمين فتقدّم إليه ضابطه ونهره ، بل انه وزّع الزهور على المعتصمين تعبيراً عن الاعتذار وإبلاغاً لرسالة باأن عهد القمع والبطش وتوجيه الجيش للقيام بمهمة مشينة كهذه قد انتهى.

لم تنته القصة بعد، فيوم الخميس الماضي استقبل وزير الدفاع خالد العبيدي عدداً من الجنود والضباط في قيادة عمليات البصرة ليتقدّم إليهم بالشكر وليكرّمهم عن حسن تعاملهم مع المتظاهرين والمعتصمين، فيما أصدر أمراً بتثبيت العقيد كريم محسن عبيد شمار آمراً لفوج حماية عمليات البصرة.. والعقيد شمار هو ناثر الزهور على المعتصمين.

الوزير العبيدي خاطب الضباط والجنود في هذه المناسبة قائلاً أن "الجيش في خدمة الوطن والمواطن، وانه من واجب المسؤولية القانونية والدستورية سيقف حامياً لحرية التعبير عن الرأي ما دامت في حدود الأطر الدستورية والقانونية وما دامت تنتهج آليات سليمة بعيدة عن العنف".

منذ 2004 حتى اليوم سمعنا ما يملأ فضاء الكرة الأرضية من الكلام عن الجيش العراقي الجديد .. الآن فقط يمكن القول أننا قد شرعنا للتو بإنشاء هذا الجيش، فالجيش الذي قمع المتظاهرين في 2011 وبعده لا يفرق في شيء عن جيش صدام حسين وسواه من الدكتاتوريين السابقين .. الجيش الذي ينثر الزهور على المتظاهرين والمعتصمين المطالبين بحقوقهم الأساسية ويضمن حرية التعبير السلمي عن الرأي، هو الجيش الجديد حقاً وفعلاً.

لو أننا منذ 2004، أو منذ 2011، قد أنشأنا جيشاً كهذا هل كانت الموصل وسواها ستسقط في أيدي داعش بسهولة سقوط الثمر التالف من أشجاره ما كنّا سنخسر ثلث مساحة بلادنا، وما كان عشرات الآلاف قد قتلوا أو جرحوا أو أسروا أو سبيوا، وما كان الملايين قد نزحوا في الداخل والخارج الى مخيمات البؤس والجوع والمهانة.