
 كيف حصل "الفرهود" الجديد؟ / عدنان حسين     
"تتركون الأمور الكبيرة وتتمسكون بالصغير منها." .. هذا ما كان يقوله الراحل أحمد الجلبي في اللقاءات معه والتي غالباً ما كان الكلام والنقاش يتطرقان الى، ثم يتمحوران حول، رواتب أعضاء مجلس النواب وسائر الموظفين الكبار في هيئات الدولة ودوائرها العليا.
الأمور الكبيرة بالنسبة للجلبي هي مئات مليارات الدولارات من أموال الدولة العراقية التي اختفى كل أثر لها منذ العام 2003.. كان الجلبي يؤكد أن عشرات المليارات قد جرى السطو عليها من صندوق تنمية العراق أثناء فترة الاحتلال الأميركي، فيما مئات المليارات سُرقت بعد ذلك تحت سمع وبصر الحكومات العراقية وبتسهيلات منها، ومئات المليارات هذه توزعت الى أموال مهربة ومغسولة ومبتاعة من مزاد العملة الذي ينظمه البنك المركزي يومياً، فضلاً عن أموال استحوذ عليها مقاولون وأصحاب شركات حقيقية أو وهمية غشاشون تعاقدوا على مشاريع وقبضوا على ما يزيد عن نصف كلفتها التخمينية فيما لم ينجزوا منها حتى 20 بالمئة، وبعضهم لم ينجز شيئاً على الاطلاق .. تُضاف الى هذا أموال "الكوميشن" التي قبضها وزراء ووكلات وزارات ورؤساء مؤسسات ومدراء عامون وأعضاء مجالس هيئات "مستقلة" وقضاة، عن تلزيم مقاولات واستيراد سلع أو التوسط لدى نافذين كبار في الدولة أو التستر على غش، وسوى ذلك من معاملات سرية غير قانونية.
الراحل الجلبي كان يقول، مثلاً، أنه مهما جرى تقليص رواتب أعضاء مجلس النواب والرئاسات والدوائر التابعة لها فان ذلك لن يوفّر لخزينة الدولة أكثر من بضعة عشرات من ملايين الدولات، فيما مئات المليارات لا أحد يهتم بها ولا يقتفي آثارها، ولا يسأل الحكومات المتعاقبة عما فعلته بعائدات النفط ( الحكومات لم تكن تقدّم حسابات ختامية للموازنة السابقة مع كل موازنة جديدة بحسب ما تقضي أحكام الدستور).
"ملفات الجلبي" التي نشرتها "المدى" في الأيام الثلاثة الماضية، وهي الخاصة بالفساد الاداري والمالي، وبخاصة عمليات تهريب العملة الاجنبية المأخوذة من البنك المركزي، لا تمثّل إلا قمة جبل الجليد، فـ "ملفات الجلبي" الكاملة تتضمن معلومات صاعقة عن حجم النهب المريع الذي تعرّض له المال العام على مدى ما يزيد عن عشر سنوات، ويتواصل حتى اليوم.
