
التغيير المطلوب في الهيئات "المستقلة"/ عدنان حسين
أنبأنا النائب عن دولة القانون جاسم محمد جعفر بأن رئيس الوزراء مقبل على إجراء تغييرات في الهيئات "المستقلة"، واضعاً إياها في إطار "خطة أوسع للإصلاح". بل ذكر أن "العبادي حدّد شهر آذار المقبل لحسم مسألة التغيير بالهيئات المستقلة" (المدى برس).
النائب الموصوف بأنه من الثلة المقربة من رئيس الوزراء داخل دولة القانون وحزب الدعوة، لم يُفدنا بما إذا كانت هذه التغييرات تتعلق ببنية هذه الهيئات غير المستقلة في الواقع لجعلها مستقلة أو شبه مستقلة في الأقل، أم أن حدودها (التغييرات) لن تتجاوز الإدارات العليا، وبخاصة رؤساء الهيئات ومفوضيها الذين يشغل معظمهم مناصبه بالوكالة ومن دون مصادقة مجلس النواب منذ أمد طويل. لكن الكلمات اللاحقة للنائب في تصريحه لا تترك مجالاً للشك في أن التغييرات الموعودة لن تمسّ الجوهر، كما هي الحال مع التغييرات أو الاصلاحات التي أعلنتها الحكومة ومجلس النواب في الصيف الماضي، ولم يشرق لها شعاع بعد. جعفر قال "العبادي كلما تشاور مع الكتل السياسية بشـأن التغيير، تنسحب بعضها لأن الأمر يصطدم بمصالحها، ما يعرقل عملية الإصلاح". وبالطبع فإن الكتل السياسية لديها الإرادة والقدرة على التعطيل، فيما رئيس الوزراء لا قدرة له، وربما لا إرادة أيضاً، على التغيير.
عملياً لم ينتفع الشعب العراقي من وجود هذه الهيئات بما يوازي ما أُنفق عليها من أموال كان من الأجدى صرفها في ترميم المدارس والمستشفيات والطرق وشبكات الصرف الصحي المتهالكة، وسوى ذلك من الخدمات العامة البائسة أحوالها بأقصى الدرجات. بل في حقيقة الأمر ان هذه الهيئات كانت، في معظمها، شهوداً زوراً على إنحراف العملية السياسية وفساد الطبقة المتنفذة في السلطة.
مفوضية الانتخابات، على سبيل المثال، لم تضمن في أي مرة انتخابات حرة ونزيهة، بل لم تفلح حتى في الحدّ من عمليات التزوير. هيئة النزاهة شغلت نفسها بصغار الفاسدين والمفسدين، لذرّ الرماد في العيون، فيما ظلّت حيتان الفساد الكبيرة تسبح على هواها وتضحك من الأعماق علينا وعلى الهيئة ذاتها. هيئة الإعلام والإتصالات ماذا تفعل غير تأمين مصالح مسؤوليها وموظفيها في المقام الأول؟ .. أتمنى على أي شخص أن يفيدني بخلاف هذا. أما شبكة الإعلام العراقي فهي مؤسسة دعاية حكومية بائسة ولا علاقة لها بالإعلام إلا في أدنى الحدود. وهيئة المساءلة والعدالة خلقت من المشاكل أكثر مما حلّت، وهل حلّت أي مشكلة؟.. للتذكير فقط فان العديد ممن كانوا مشمولين بإجراءاتها شملهم رئيس الوزراء السابق بعطفه وحنانه فاستثناهم لينضموا إلى شبكة كبار سراق المال العام ومثيري نزعات الكراهية والتطرف، ولم تستطع الهيئة أن تقول لأحد: على عينك حاجب!
العلّة في أمر هذه الهيئات أن تشكيلها، من قمتها حتى قاعدتها، يجري على وفق المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية. وما لم يُنهَ هذا النظام فلا نفع ولا فائدة البتة من وجود هذه الهيئات وانفاق مليارات الدولارات عليها .. القرار الصحيح بشأنها سيكون بحلّها، فهذه الهيئات ببنيتها وهيكليتها الحالية لا تلزمنا. ما نحتاج إليه هيئات مستقلة قولاً وفعلاً لا دخل للأحزاب والطوائف والقوميات في تشكيلها لضمان أن يتولّاها الأكفاء والنزيهون من الوطنيين .. بخلاف ما هو حاصل الآن.
