شناشيل - ثم حذارِ .... للمرة الأخيرة / عدنان حسين

في الخامس من أيلول من العام الماضي، أي بعد مرور خمسة أسابيع فقط على اندلاع حركة الاحتجاجات المتواصلة حتى اليوم، كتبتُ هنا، في هذا العمود، محذّراً من عدم استيعاب ما يجري في البلاد، وعدم الإدراك التام للأسباب الكامنة وراء تفجّر هذه الحركة ولعواقب عدم الاستجابة لمطالبها المشروعة.

كتبتُ يومها: "إنها (الحركة الاحتجاجية) الصرخة المدوّية الأخيرة لشعب أُنتهِكت حقوقه وكرامته على نحو مروّع، في وجه طبقة سياسية لا ذمة ولا ضمير لثمانين بالمئة منها في الأقل. هذه الصرخة إذا ما تبدّدت وهذه الحركة إذا ما أُجهِضت هذه المرة، فلا يتعيّن على الطبقة السياسية (المتنفذة) أن تراهن على عدم تجدّدها إلا بعد سنوات.. هذا تفكير واهم وعقيم، فثمة ملامح لانفجار رهيب يُغرق المركب بمن فيه جميعاً.. عدم تحقيق مطالب الحركة الاحتجاجية وعدم تنفيذ البرنامج الاصلاحي سيؤديان إلى كفر الناس بكل شيء.. هذا الكفر يمكن أن يعبّر عن نفسه في صيغة عنف وجماعات عنفية لها أول وليس لها آخر... فحذارِ ثمّ حذارِ".

الأسابيع الأخيرة شهدت ظهور ملامح تُنذر بأننا قد نكون قاب قوسين أو أدنى من وقوع المحذور المُحذّر منه، فزخم التظاهرات قد اشتدّ الآن ونطاقها قد إتسع، والمظاهر المسلحة قد أطلّت برأسها (مسلحون ينزلون إلى الشوارع عشية مظاهرة الجمعة الأخيرة، وزعيم إحدى الكتل النافذة والمسنودة خارجياً يحذّر من إمكانية اللجوء الى القوة لإنهاء "المهزلة"، أي الحركة الاحتجاجية)، والسجال السياسي على خلفية ذلك كله قد حميَ كثيراً، فيما تُظهر الوقائع المختلفة، وآخرها إجتماع الرئاسات الثلاث وقادة الكتل والقوى السياسية، أن الطبقة السياسية المتنفذة منقسمة انقساماً شديداً بخصوص عملية الإصلاح والتغيير التي تطالب بها الحركة الاحتجاجية، بل إن القسم الأعظم من هذه الطبقة يعارض إجراء الإصلاح والتغيير إلا في الحدود الشكلية التي لا تمسّ جوهر النظام السياسي (المحاصصاتي) الذي تكمن فيه كل الشرور التي نواجهها، من الإرهاب الى الفساد.

  طلبة الجامعات نزلوا إلى الميدان الآن تحت عنوان "ثورة القمصان البيض" .. هذا يعني أن الحركة الاحتجاجية سيكون لها من الآن فصاعداً مضمون وشكل مختلفان. وفي هذا الإطار يُمكن لسقف المطالب أن يرتفع كثيراً، وهو ما يُمكن أن يقود إلى العنف، إن من طرف الحكومة غير القادرة على تحقيق حتى السقف الأدنى للمطالب الشعبية والواقعة بين ضغط الحركة الاحتجاجية وتعنّت الطبقة السياسية المتنفذة حيال هذه المطالب، أو من طرف الحركة الاحتجاجية التي قد لا تقدر على ضبط نفسها الى الأبد.

إنها لحظة حاسمة في مبارة فاصلة انتهى وقتها الأصلي بتعهد الحكومة ومجلس النواب بتحقيق المطالب وفق برنامج إصلاحي أُعلنت تفاصيله ولم يتحقق منها شيء ذو قيمة. أما الوقت الإضافي فقد امتد أطول مما ينبغي .. فحذارِ ثم حذارِ ثم حذارِ، للمرة الأخيرة، من المماطلة والتسويف، ومن المراهنة على عامل الوقت.