
شناشيل-دولة الحواسم/عدنان حسين
ماذا يعني أن تُقدِم الحكومة وأمانة بغداد وسواهما من مؤسسات الدولة على تمليك المتجاوزين على الأملاك العامة من أراضي وعقارات احتلّوها واتخذ منها مساكن لهم ودكاكين؟
مسؤولون في الحكومة والأمانة وغيرهما وضعوا هذا العمل في اطار "وطني" بالقول ان الهدف منه مساعدة الفقراء والمحتاجين بتوفير السكن لهم. ولم يتردد البعض بعن تشبيه هذا المشروع بما فعله الزعيم عبد الكريم قاسم في مطلع الستينات.
هل الأمر كذلك فعلاً؟
الزعيم قاسم ابتنى "مدينة الثورة" لسكان الصرائف والاكواخ في بغداد، ممن نزحوا من الجنوب بسبب تدهور الاقتصاد الزراعي أو هرباً من جور الاقطاعيين. ولم يكن أي من سكان الاكواخ والصرائف قد تجاوز على ملكية عامة، ولم يكن أحد منهم يملك عقاراً في أي مكان في العراق. والحال ليست كذلك، بل مختلفة تماماً، مع "الحواسم" الذين قررت الآن الحكومة وأمانة بغداد وسواهما تمليكهم ما "حوسموه".. هؤلاء تجاوزا على أملاك عامة وشيدوا عليها المباني، وعدد غير قليل منهم ليس في خانة الفقراء والمحتاجين الذين تريد الحكومة والامانة وغيرهما ان ترأف بحالهم. وهناك حالات عديدة باع فيها الحواسم عقارات واملاك لهم ووضعوا عوائدها في بيوبهم بعد ان انفقوا بعضها في بناء دور جديدة لهم على الاراضي المحوسمة.
تمليك "الحواسم" الأملاك "المحوسمة" يشبه العفو عن مزوري الشهادات بذريعة ان هؤلاء كانوا مضطرين لفعل ذلك من أجل الحصول على وظائف، لكنّ أحداً في الحكومة والبرلمان لم يرغب في أن يرى الى الأمر من زاوية ان مزور الشهادة قد ارتكب جرماً تعاقب عليه القوانين، ولا من زاوية ان مزور الشهادة قد "حوسم" وظيفة هي حق لغيره من حملة الشهادات الحقيقية غير المزورة الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على وظائف بشهاداتهم، وواحد من الاسباب القوية لهذا هو " حوسمة" المزورين لوظائفهم.
الملاحظ ان أكثر أعضاء الحكومة والبرلمان حماسة للعفو عن مزوري الشهادات هم المحسوبون على الأحزاب والجماعات الاسلامية، ذلك ان أكثر من مارس عملية تزوير الشهادات هم عناصر هذه الاحزاب والجماعات التي استغلت نفوذها في الدولة لتسهيل حصول عناصرها المزورين على وظائف هي في الواقع حق لغيرهم من حملة الشهادات الحقيقية.
الشيء نفسه ينطبق على مسألة الأملاك المحوسمة، فالمسؤولون الاكثر حماسة لتمليك هذه الاملاك الى الحواسم هم أيضاً المحسوبون على الاحزاب والجماعات الاسلامية المتنفذة في الدولة، والهدف كسب اصوات هؤلاء الحواسم في الانتخابات.
الملاحظ ايضاً ان كبار المسؤولين، من وزراء ونواب، المتحمسين للعفو عن الحواسم ومزوري الشهادات، هم الذين مارسوا الحوسمة في حق الاملاك العامة التي خلّفها أقطاب النظام السابق من قصور وفيلل في أفضل مناطق بغداد.
ليست في هذا مفارقة، فالدولة، دولتنا، دولة حواسم من قمة الرأس حتى أخمص القدمين. ولو لم تكن كذلك لوضع القيّمون عليها برنامجاً شاملاً لحل مشلكة السكن ومشكلة البطالة ومشكلة الفقر ومشكلة الخدمات ومشكلة الأمن، فمال دولتنا وفير، لكن مشكلته الوحيدة انه محوسم من كبار الحواسم في الحكومة والبرلمان.
"المدى" – 25/9/2013