
مساهمة في كتابة تاريخ الحركة العمالية.. / سامي سلطان
المؤلف نصير سعيد الكاظمي-عزيز سباهي
مركز الابحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي
الطبعة الاولى 1991
وفاءاً لذكرى الشخصية الوطنية البارزة والمفكر العراقي المرموق الذي قارع الأنظمة المستبدة ابتدءا من النظام الملكي مروراً بالأنظمة الدكتاتورية الغاشمة التي مارست كل اشكال القهر والاضطهاد ، هذه الشخصية التي اغنت المكتبة العربية بمؤلفات قيمة وضع فيها عصارات فكره ليس من موقع الباحث المجرد إنما كان واحداً من بين صناعها او مشاركا فيها خصوصا تلك التي تناولت تاريخ الحزب الشيوعي العراقي بالتحديد، الذي ارتبط بتاريخ العراق الحديث وقد صح ما قيل ، بان الحزب الشيوعي العراقي يعد النهر الثالث في العراق إذ لايمكن الحديث عن تاريخ العراق دون المرور بالحزب الشيوعي العراقي ، هذا الذي جاء انبثاقه استجابة لحاجة القوى الخيرة في المجتمع العراقي وبالأخص الطبقة العاملة العراقية وطلائعها الوطنية التي انخرطت في صفوفه ، وها نحن الان نستعرض واحداً من تلك المؤلفات القيمة التي لم تحظى بحظ وافر في تسليط الضوء عليه رغم اهميته وحاجة الطبقة العاملة العراقية اليه وكذلك الشباب الذين غيب عنهم التاريخ الحقيقي للقوى الوطنية والتقدمية العراقية ، وكان القصد من وراء هذا كله هو تزييف الحقائق ومصادرة الفكر ولكن وكما قيل )ان للأفكار اجنحة(.
ان لجوء الكاتب الى اختيار اسم )نصير سعيد الكاظمي( وهو غير اسمه يأتي تعبراً عن طبيعة الملاحقات البوليسية التي مارسها النظام المقبور ومؤازريه من القوى الرجعية ضد الشيوعيين بوجه خاص ، ولكن مع كل هذا يبقى اسم المناضل الباسل عزيز سباهي علماً بارزا في مسيرة الكفاح في سبيل تحقيق طموحات شعبنا العراقي من اجل تحقيق دولة العدالة الاجتماعية وتامين الحياة الحرة الكريمة للجميع.
ان كتاب ساهمة في كتابة تاريخ الحركة العمالية في العراق حتى عام 1958، الذي يتألف من 331 صفحة احتوت مقدمة وعشرة فصول وملحق ومراجع، وكما أشار المؤلف إلى انه ( يسكن في هذا الكتاب تاريخين : تاريخ العراق وتأريخ الطبقة العاملة العراقية ، وإذا كان حظ الأول كبيرا من حيث الاهتمام ،فإن هذا المؤلف يحاول أن يعوض الشحه في دراسة تاريخ الطبقة العاملة العراقية،) ويضيف الكاتب أن ( الكتاب يتتبع تاريخ بدايات التشكل الطبقي في سياق التطور التاريخي العام للدولة والمجتمع العراقيين دون إغفال الجانب السياسي في نشاط حزب الطبقة العاملة والتجربة الهامة التي أكتنزتها الحركة الوطنية والعمالية العراقية خلال تطورها التاريخي(.
لقد أشار المؤلف في إهدائه قائلا ( إلى العامل الشيوعي الشهيد الذي جاء الدنيا بصمت شأن كل ابن كادح وودعها بصمت وهو يدفن حيا في مفازة من مفازات العراق دون أن يملك سوى أما نته لحزبه وطبقته العاملة صانها في سره شأن كل عامل وفي(
وحرصا على أمانة النقل أورد نصوصا كاملة لهذا الكتاب القيم الذي يشكل ركنا مهما من أركان التعرف على تاريخ العراق السياسي والجذور التاريخية لظهور الحركة النقابية ، إذ هذا
يشكل عنصرا مهما في النظر إلى المستقبل وكما يقول المثل الشائع ،من ليس له ماض ،ليس له حاضر ولا مستقبل، وبما أن طبقنا العاملة العراقية لها ماض مشرف في تاريخ شعبنا العراقي حيث أسهمت بشكل فعال في مقاومة الأنظمة الرجعية والدكتاتورية التي تعاقبت على حكم العراقي ،وها هي اليوم تواصل نضالها في سبيل إقامة دولة العدالة الاجتماعية التي لا مكان فيها للظلم والقهر ،وتواصل كفاحها من أجل التخلص من آثار الاحتلال وتركت النظام الصدامي المقبور ،وتقوم ببسالة مظاهر الفساد بكل أشكاله ، .
وفي العودة إلى الكتاب ، الذي أمامنا نطالع في مقدمته التي تُعد مدخلًا لصلب موضوع البحث ، وهنا تحدث الكاتب من انه ، (كثرت في السنوات الأخيرة المؤلفات التي عالجت هذا الجانب او ذاك من تاريخ العراق الحديث وهو يعكس بصورة من الصور تنامي الوعي السياسي في المجتمع وحاجة الطبقات الاجتماعية والجماعات السياسية إلى إجلاء مواقفها السياسية والفكرية.
وقد تزايدت بوجه خاص الإطروحات العلمية التي تناولت بالبحث فترات معينة من تاريخ البلاد الحديث استنادا إلى الوثائق المحفوظة في العراق وخارجه .
لقد سمحت هذه المؤلفات ، على تفاوت دقت ما ورد فيها ،بالتعرف على الأوضاع في تلك الفترات بتفصيل أكبر، كذلك فإن تزايد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية جعل من الممكن الاقتراب من فهم التغيرات البنيوية التي طرأت على المجتمع ورسم اللوحة الطبقية لكل فترة من فترات تاريخ العراق الحديث ، كما أن تباين الزوايا التي عولجت فيها القضايا المطروحة يٍسر الاقتراب الموضوعي من تلك القضايا وفهم الدوافع التي كانت تحركها.
ويجذب الانتباه بوجه خاص تزايد الاهتمام بدراسة نشوء وتطور الطبقة العاملة وتاريخ حركتها الاقتصادية ، ويعكس ذلك تعاظم وزن الطبقة العاملة في المجتمع وتنامي دورها الاجتماعي والسياسي بحكم نموها الكبير كطبقه والأثر الكبير الذي أحدثته نضالاتها الاقتصادية والسياسية في مسيرة المجتمع عامة وارتفاع قيمة العمل في المجتمع ارتباطا بتزايد الإحساس بضرورات التنمية المستقلة ،كما يعكس أخيرا ازدياد هيبة الفكر الاشتراكي وتأثيره العميق في المجتمع ،من الجانب المقابل فإن هذا التركيز في النشر يكشف الرغبة في التأثير على وعي الطبقة العاملة من جانب الفئات الأخرى ومحاولة تلوين هذا الوعي بألوان أخرى غير لونها هي.
ولكن مع كثرة ما وضع سواءاُ دراسات خاصة أو في إطار دراسات تناولت حركة المجتمع عامة ، فإن أغلب المؤلفات الموضوعة جاء من خارج الحركة السياسية للطبقة العاملة ،بل صدر بعضها من جهات معادية لهذه الحركة ، من عملاء السلطات المعادية أو من مرتدين عن حركتها ، لذلك كانت بعيدة كل البعد عن أن تكون دراستها (محايدة ) وإنما استهدفت إعطاء (تفسيرات ) للواقع والمواقف تنفع للنيل من هذه الحركة وتشويه دور ومواقف حزب الطبقة العاملة السياسي ، الحزب الشيوعي العراقي ،لاسيما في أعين الشبيبة التي لم تعاصر الأحداث.
ومع أن هذا المؤلف الذي نضعه بين أيدي القراء بعيد هو الآخر عن )الحياد) بل هو مشبع بحب الطبقة وحركتها، ومتحزب لها إلا أنه يحرص على أن يضع كل قضية في إطارها التاريخي، يضعها، كما كانت فعلا دون تزويق ضمن سياق الحركة العامة ، التاريخية في الموضع الذي شغلته بقدر ما تسعف المصادر المتيسرة، ونحن نقر أنها مصادر غير وافية ، أملتها الظروف التي تعيشها الحركة لأن ظروف المؤلف ذاته التي أجبرته على التغرب عن الوطن ، ولن تضار الطبقة العاملة من قولة الحق فإما تدعمها إن كانت على حق أو تساعد في تعديل مسارها إن كانت على خطأ.
استند المؤلف إلى ثلاثة أنماط من المصادر :
الأول :ما تيسر من مطبوعات الحزب الشيوعي العراقي في المراحل المدروسة ،وهي ليست بالوفرة المطلوبة، ودون ودون أن تغطي بشكل منتظم أيا من الفترات المدروسة إن البحث في قضايا الطبقة العاملة وحركتها ، بشكلها السياسي والاقتصادي في بلد كالعراق ،توارثه عهود الإرهاب والاضطهاد من كل لون هو بحث يندرج في جوهره في إطار النضال ضد الاستعمار والطبقات الاستغلالية والسلطات التي اضطهدت حركتها إنه بحد ذاته لون من ألوان الصراع الطبقي في الميدان الفكري ، لقد ظلت الدوائر الرجعية الحاكمة تحتجز في دوائر بوليسها أهم الوثائق الصادرة عن الحزب الشيوعي العراقي والمنظمات العمالية التي كانت تظهر بها كغنائم من غاراتها على البيوت الحزبية وبيوت المناضلين ومن مقرات المنظمات والنقابات ،وتحجبها عن الحزب وكتابه ، وتتصرف بها على النحو الذي يحلو لها ويساعدها في عمليات التشويه التي ما فافتئت تلجأ إليها بين الفينة والأخرى سعيا للتقليل من تأثيره على الطبقة العاملة والجماهير ، الأمر ،أن هذه السياسة كانت تمارس حتى في الأوقات التي سادت فيها العلاقات التحالفية بين الحزب الشيوعي والأحزاب الحاكمة ، أن الحكومات
التي ناصبت الحزب الشيوعي العداء تدرك ماله من رصيد ضخم بين الجماهير وتدرك الدور الكبير الذي ظل وما يزال يلعبه على الصعيدين الوطني -القومي والطبقي في العراق ،لذلك سعت هذه الحكومات وتسعى إلى التأثير على ذاكرة الشعب للتقليل من أمجاده وتسطو على ما شادت من تاريخه وتنتحل لنفسها بعضا من أدواره .
وقد اعتمد المؤلف أيضا بعضا من ذكريات المناضلين القدامى، وهي قليلة بحكم الظروف الصعبة التي نمر بها البلاد ، وفي رأينا أن هذا المصدر الحيوي والغني من مصادر تاريخ الطبقة العاملة وحزبها السياسي قد تعرض إلى إهمال غير مبرر ولا يعكس الموقف منه سوى الافتقار إلى روح التقصي الموضوعي العميق والصبور التي لاتزال تطبع بعض الأعمال وكلما مضت السنون عظمت الخسارة .
أما المصدر الثالث :فكان ما وضع من مؤلفات ودراسات من باحثين توفرت لديهم فرص التعرف على أرشيفات البوليس وغيرها وفي مقدمتها مؤلف حنا بطاطو الكبير ( الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق(.
إن الشيوعيين العراقيين مع تقديرهم للجهد الذي بذله هولاء الباحثون لايسعهم إلا أن يقفوا موقفا نقديا تجاه الكثير من التفسيرات التي تناولت تاريخ حزيهم وبوجه خاص لايمكن أن
يتعاملوا مع الشهادات التي أدليت فيه إلا بانتباه وتدقيق ، فكثير من هذه الشهادات أدليت لتبييض صفحات أصحابها وتبرير مواقفهم، كما لا يسعهم أن يأخذوا دون تمحيص كاف ،ما ورد في تقارير البوليس (وهو جهاز يفتقر إلى المعرفة ويستند إلى قاعدة واسعة من عناصر شبه اميه ومشحونة باستمرار بوعي معاد (للشيوعية( .
بقى أن نقف قليلا عند المنهجية المعتمدة في وضع المؤلف، أن محاولة التعرف على الطبقة العاملة وتتبع نموها ، ووعيها لذاتها وتطور نضالها الاقتصادي والسياسي لايمكن أن تتم دون دراسة تأريخية التحولات ألاقتصادية الاجتماعية التي حتمت انبثاقها وتطورها ، وكما هو الشأن في تطور البلدان التابعة الأخرى فإن التطور الرأسمالي وشبه الرأسمالي قد فرض من الخارج ،من جانب رأس المال الأجنبي .
لقد ادخل العراق في إطار قسمة العمل الرأسمالية الدولية دون أن تحطم الهياكل التقليدية لنمط الإنتاج السابق ،بل جرى تكييفها بما يتفق والحاجة إلى نهب خيرات البلاد ،كما أن الرأسمال المحلي ظل يقصر توضيفاته ولفترة طويلة على دائرة التبادل والخدمات وتأخر دخوله إلى ميادين الإنتاج لفترة طويلة، وحتى حين دخل دائرة الإنتاج ظل في الغالب محصورا في بعض قطاعات منها لقد تعين على المؤلف أن يتابع نمو البرجوازية المحلية ويتحرك عن الموانع التي عرقلت اتساع نشاطها ،لأنه لايمكن فهم الطبقة العاملة إلا بمقابلتها مع الطبقة البرجوازية ،مثلما لايمكن فهم نمو الطبقة العاملة من دون تعيين حدود هيمنة رأس المال الأجنبي والصراع الذي دار ضد هذه الهيمنة كما لايمكن تتبع نمو الطبقة العاملة وارتفاع تضامنها من دون تتبع مقابل لما طرأ من تغيرات على المتابع التي تحدرت منها ، أي الفلاحين والحرفيين، وأخيرا يرتبط بهذا أن تفهم حركتها الاقتصادية والسياسية في إطار حركة المجتمع العامة ، وترابطاتها والعوامل المختلفة التي تدفع اليها والعناصر التي تالفت منها .
ومع تطور الحركة العمالية يأخذ النضال السياسي حيزا أكبر من اهتمام المؤلف ،لأنه النشاط الطبقي الارقى الذي يعكس أكثر نضج الطبقة واستعدادها للصراع .
إن حركة الطبقة العاملة هي أوسع بالطبع من حركتها السياسية ، إلا أن الأخيرة تعكس أفضل مزايا الطبقة ومستوى وعيها ،ولكي توضع الحركة السياسية للطبقة العاملة في موضعها كان لابد أن تعالج في إطار النشاط العام لحركة الطبقات الاجتماعية عامة والتعرف على التأثيرات المتبادلة بين هذه وتلك وبالتالي الحكم على موقف الطبقة العاملة وطليعتها السياسية ،لذلك أعطي حيز كبير للحديث عن مواقف وتسلكات الطبقات الاجتماعية الأخرى وطلائعها السياسية .
ثمة مسألة أخرى أضفت خصوصية معينة على الحركة العمالية ، إذ سبق دخول الفكر الماركسي إلى المجتمع العراقي تبلور الطبقة العاملة العراقية كطبقة ، فحتى العشرينات حين كانت الطبقة العاملة العراقية لاتزال في مهدها ،كان الفكر الماركسي قد تسرب إلى العراق من الخارج عبر قنوات مختلفة وبدأت الخلايا الشيوعية في الظهور ،وحتى قبل أن تنضج قسمات الطبقة، كان الحزب الشيوعي يشق طريقه إلى الظهور والتماسك، وكان لهذا الأمر أهمية في وقت كانت الحركة السياسية للبرحوازية الوطنية تعاني من اوضاع ذاتية خاصة، أقعدتها عن
الاحتفاظ بمواقعها الأمامية في الحركة السياسية العامة للمجتمع ،وكان لهذين الأمرين اهميتهما في أن البرجوازية لم تستطع أن تحتوي الحركة العمالية منذ أن انبثق الحزب الشيوعي ، وظلت الطبقة العاملة تسير تحت راية حزبها، لاسيما بعد أن خلت الساحة من أي منافس سياسي من بين البرجوازية الصغيرة الديمقراطية حتى نهاية المرحلة ى التي نؤرخ لها .
وهكذا امتزجت نظريا وتطبيقيا حدود الحركة السياسية للطبقة العاملة بحدود حركة حزبها السياسي ،الحزب الشيوعي العراقي .
هذا ما جاءت به مقدمة الكتاب وستاتي بقية فصوله في حلقات قادمة