الصدامية الخامسة../ صادق الازرقي

صادق الازرقي / في الوقت الذي برم الناس من الوثائق الاربع "الجنسية وشهادة الجنسية والبطاقة التموينية وبطاقة السكن"؛ التي نغصت عليهم حياتهم، وافترست ما تبقى في جيوب الفقراء الخاوية، واذلتهم ايما اذلال واصبحت مرتعا لاهانة كرامة الشعب و بابا لتفشي الرشى والفساد في الدوائر المسؤولة عن متابعتها واستخراجها.

 وفي الوقت الذي اثقلت الحكومة رؤوس الناس بالحديث عن البطاقة الالكترونية الموحدة؛ التي تقول انها ستنقذهم من كومة الوثائق والاوراق التي يقضي بوساطتها العراقي ردحا كبيرا من حياته متنقلا بين الدوائر صغيرها وكبيرها،  متحملا اهانات كثيرٍ من الموظفين الذين ماتت ضمائرهم، وانعدمت روح المحبة والانسانية في نفوسهم التي جبلت على الحاق الاذى بالآخرين.

في هذه الايام الكالحة من التاريخ العراقي، المثقل بالطائفية والمحاصصة والمعبأ بالتخلف، وانعدام آفاق التقدم، وانهيار البنى التحتية، وغياب التصنيع والزراعة وتراكم الانقاض والقمامة؛ برز من المسؤولين والسياسيين من يحاول استغلال العملية الانتخابية لفرض مواقفه و آرائه على الناس في ابشع صيغة؛  فتفتقت اذهانهم عن صدامية خامسة يجبرون فيها العراقي على ان يضيفها الى وثائق العناء الاربع "الجنسية وشهادة الجنسية والبطاقة التموينية وبطاقة السكن".

ها هم يشهرون الآن سيف البطاقة الانتخابية الالكترونية بوجه الناس؛ فذهبت وعودهم بالغاء البطاقة التموينية كوثيقة رابعة في اثناء المراجعات الى دوائر الدولة أدراج الرياح.

لن نشير في هذه المقالة الموجزة الى الاسماء؛  فهذا الداء المتفشي الذي غدا يفترس الناس كالسرطان لن نحيط به بذكر الاسماء، وسنكتفي بنماذج تداولتها بعض وسائل الاعلام مؤخرا، اذ نقلت عن مدير مكتب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في النجف قوله، ان "الحكومة المحلية في النجف اصدرت قرارا يلزم دوائر الدولة في المحافظة باعتماد بطاقة الناخب الالكترونية التي أصدرتها مفوضية الانتخابات مؤخرا كوثيقة خامسة تضاف الى المستمسكات الاربعة المطلوبة من المواطنين أثناء مراجعتهم للدوائر الحكومية لترويج معاملاتهم"، كما  اقترح نائب عن الائتلاف الحاكم اعتماد البطاقة الالكترونية للناخبين، كـ"وثيقة رسمية"، من اجل إنجاح العملية الانتخابية، بحسب قوله.

وأعلن رئيس مجلس محافظة ميسان "احتساب البطاقة الالكترونية الانتخابية المستمسك الرسمي الخامس للمواطن خلال مراجعته لدوائر الدولة والمؤسسات الاخرى"، في حين قال محافظ نينوى ان "البطاقة الالكترونية الانتخابية صالحة للاعتماد بدل البطاقة التموينية وبطاقة السكن لدى دوائر الدولة".

ان ما يفعله هؤلاء الذين ائتمنهم الشعب ـ بحسب تصورهم ـ على مصالحه يرتكبون خرقا فاضحا للدستور و مبادئ الديمقراطية التي يقولون انهم يؤمنون بها؛ التي تمنح الناس حقهم في اي موقف او رأي يتخذونه،  لا يسيء الى الآخرين، فعندما يريد فرد ما ان لا يتسلم بطاقته الانتخابية فهذا حق يكفله الدستور وان اجباره على تسلم البطاقة يمثل قمة الاستبداد والدكتاتورية والاستهانة بالكرامة؛ بل ان اعتى الدكتاتوريات لم تلجأ الى مثل هذا الاجراء البوليسي.

 

ان تشديد المسؤولين على اجبار الناس على تسلم البطاقة الانتخابية الالكترونية افلاس ما بعده افلاس، وعملية استجداء بائسة لأصوات الناخبين، فبعد ان وجه الناس الصفعة الكبرى لهم في انتخابات مجالس المحافظات الماضية، و لاسيما العاصمة بغداد التي يسكنها ربع سكان العراق التي لم يذهب فيها الى التصويت اكثر من 25 %   في احسن الاحوال ها هم المسؤولون يتسولون صوته وهذه المرة باسلوب ثعلبي آخر ليس "بالبطانيات والصوبات" هذه المرة؛ بل بحرمانه من تمشية اموره المعيشية ومراجعة دوائر الدولة الا اذا ابرز البطاقة الانتخابية الالكترونية الصدامية الخامسة.

هاهم يحاولون استغلال مجابهة الجيش العراقي لقوى الارهاب ابشع استغلال في محاولة لاغتنام الفرصة واستجداء اصوات الناس الذين أبوا ان تداس كرامتهم؛ فقرر كثير منهم ان يقيت اسرته بدلا من الانشغال بمهاترات السياسيين وبالتصويت الذي سيجلب الى قبة مجلس النواب والحكومة المقبلة لصوصا آخرين، بدلا من اللصوص الحاليين الذين سرقوا خيراته وامواله وعملوا على توسيع مساحة الفقر في بلد هو من طليعة البلدان الغنية؛ هاهم السياسيون يسعون الى قطع رزق الناس بحجة البطاقة الانتخابية الالكترونية،

 

كانت  مديرية الجنسية العامة، قد اعلنت في وقت سابق، انها بصدد اصدار أول بطاقة وطنية، واشار مدير الجنسية في مؤتمر صحفي الى  أن البطاقة ستختزل المستمسكات "الصدامية الأربعة"، مبينا انها ستتضمن رقما مدنيا خاصا لكل مواطن من يوم ولادته إلى بعد وفاته؛ ففرح الناس بذلك معتقدين ان المدة بين ولادتهم وموتهم ستقتصر على وثيقة واحدة تنقذهم من معاناة عمرهم المريرة بسبب الوثائق، وتجعل مراجعاتهم لدوائر الدولة سهلة وسلسة. 

غير ان البطاقة الموحدة سرعان ما اهملت، وسارعت الحكومة الى اصدار البطاقة الانتخابية الالكترونية في سرعة قياسية يحسدون عليها! وبدأت مآسي العراقي من جديد بصدامية خامسة لن تسير حياته الاعتيادية الا بابرازها.

ان الزام العراقي بتسلم البطاقة الانتخابية وابرازها عند مراجعة الدوائر الحكومية، يضيف توترا آخر الى اوضاع المجتمع المتوترة اصلا، ويفاقم حالة الاحتقان، وربما يكون الاصرار على هذا الاجراء مصدرا لتولد ردود الفعل المعاكسة وحتى مظاهر عنف نحن في غنى عنها.

كان الاولى بالمسؤولين والسياسيين، ان يقضوا على البطالة ويوفروا الاعانات للعاطلين وينشئوا المصانع والمجمعات السكنية ويعالجوا الفقر ويعيدوا احياء الزراعة ، ويؤسسوا لحركة خدمية عصرية نتخلص فيها من الانقاض والقمامة وسوء الخدمات؛ التي صنفت بغداد بموجبها كأسوأ عاصمة للعيش.

 اذا لبى المسؤولون لنا ذلك وغيره، وحققوا حكومة مدنية عصرية، عندها سيذهب المواطن طوعا وبكامل حريته الى صناديق الاقتراع؛ وعندئذ لن تكون بنا حاجة الى صدامية جديدة.