حينما يختطف المنون فرحة ساري العبد الله / محمد رشيد
يبقى تاج العنقاء للفنان طلحت حمدي
(
مسلسل ساري العبد الله الذي جسد دور البطولة فيه الفنان القدير الخالد الذكر طلحت حمدي حقق نجاحات كبيرة ولما صدر قرار تكريم الفنان القدير حمدي توجهت إلى دمشق والتقيته أول مرة في فندق الشام يوم الاثنين 9/1/2006 وتحدثنا عن طبيعة التكريم واتفقنا معا لكتابة السيناريو له وكان فرحا واتفقنا في المرة القادمة نحقق احتفالية تليق ومنجزه الكبير وطلب أن تكون شبيهة باحتفالية الخالد الذكر سعد الله ونوس التي أقيمت يوم الاثنين 21/2/2005 في نادي غسان كنفاني/ مخيم اليرموك كون الخالد الذكر ونوس كان يحب هذا المكان. والتقينا مرة ثانية في دمشق أيضا يوم الخميس 5/7/2007 وكان برفقته شقيقه وكان يشبهه كثيرا وتحاورنا وعرفت منه أن والده ينتمي لقبيلة عراقية ومن أصل كوردي , وسألته عن الفنانة أصالة نصري وتحدث لي عنها كونه صديق والدها الروحي وفي نهاية الجلسة اخبرني ان الوضع في سوريا فيه نوع من الحساسية وكان يخشى ان يحدث شيء ما خارج التوقعات.والمرة الأخيرة التي التقيته كان لقاء حميمي أكثر من كل مرة حيث اصر ان يدعوني الى احد الأمكنة التراثية في منطقة الشام القديمة مع إسرته زوجته وولده وابنته وكان يوم الأحد 6/5/2007 واخبرني بأنه وعائلته سعداء جدا بجائزة العنقاء سيما ان هذا التكريم جاء من العراق وكان من الأجدر أن يكرمه بلده ومن خلال أحاديثنا تم الاتفاق على أن تبدل نوع الجائزة من (قلادة العنقاء) التي تمنح عادة للمبدعين اللذين هم فوق سن الأربعين إلى (تاج العنقاء) كونه من (الرواد المتميزين)والمؤثرين في مجال الفن وان تاج العنقاء يمنح للرواد المتميزين حصرا ووعدني في المرة القادمة تكون الاحتفالية بحضور نخبة من أصدقاءه في المجال الفني لكن يد المنون خطفت الفرحة اعني فرحة التكريم التي خططنا لها سوية , لكن الالتزام الثقافي والأخلاقي يدعوني أن التقي مجددا بعائلته لنحيي ذكراه وتكريم اسمه ضمن احتفالية تليق بمقامه كفنان متميز قدم للفن الشيء الكثير والمثمر .
قصة ساري العبد الله تتلخص بان الشيخ عبد الله الفاضل ينتمي لقبيلة الحسنه من المنابهة من عنزة وهو ابن الشيخ فاضل المزيد وهو أخ الشيخ مهنا الفاضل من مواليد شبه الجزيرة العربية عام 1200 هجرية وحينما ترأس والده الشيخ فاضل قبائل الحسنه والمنابهة في هجرتها إلى بادية بلاد الشام كان عبد الله الفاضل الملقب (ساري العبد الله) في مقتبل العمر فارسا لا يهاب شيء خصوصا انه ينتمي لقبيلة قوية وقيادة حكيمة وواعية لوالده وقد شهد بأم عينه قبيلته وهي تكتسح القبائل من طريقها بعد معارك دامية لصالحها دائما حتى تمكنوا من فرض سيادتهم على بادية الشام بأكملها وكان له دورا قياديا كونه فارس قبيلته وابن شيخها الشجاع لكن في لحظه ما ينقلب كل شيء فيحصل ما لم يكن في الحسبان كونه أصيب بمرض خبيث ومخيف يدعى (الجدري) كان علاجه أشبه بالمستحيل لأنه يؤدي بصاحبه إلى الموت وكانت القبائل لشدة خوفهم من هذا المرض الخطير يبنون لمن يصاب به بيتا على أطراف مضاربهم ويعتزله الناس حتى أهله خوفا من العدوى ويختارون شخصا ممن اكتسب مناعة من هذا المرض ليعتني به ويحضر له الطعام والشراب حتى يوافيه القدر المحتوم وهذا ما حصل مع ساري العبد الله فبنى له اهله بيت على مسافة من ديرته واعتزله أهله وبقية القبائل فراح يصارع المرض والوحدة والألم, ويأس الكل من شفاءه وبعدها اضطرت القبائل إلى الرحيل بحثا عن الماء والعشب وكان ساري في غيبوبه التي لا تسمح له بالانتقال معهم مما اقترح البعض عليهم بإبقاء خادم له يعينه على مصيبته وكلبه الوفي (شير)الذي كان يرافقه في رحلات الصيد ولكن الخادم لم يطق البقاء بجانبه وحيدا في وسط الصحراء وسرعان ما لحق قبيلته واخبرهم بأن ساري مات . وهكذا مضت الليالي عليه وحيدا كلما أفاق من غيبوبته تذكر نكران أهله وتركهم إياه فيزداد أنينه فينفجر الشعر على لسانه ومما ينسب إليه مخاطبته كلبه الوفي شير قائلا (هلي شالوعلى مكحول ياشير...وخلو لك عظام الحيل ياشير...يلتبكي وتهل الدمع ياشير...هليماعاد لي منهم رجا). وفي ليلة ظلماء هجمت عليهم الذئاب وأرادت أن تفترسه الا أن كلبه الوفي شير ضحى بحياته من اجل سيده ساري وجاءه مضرج بالدماء وجراحه البليغة التي انتهت بموته في حضن سيده مما ازداد اساه بموت رفيقه الوفي وراح وحيدا في الصحراء يتصارع مع مرضه الخبيث وآلامه التي تزداد يوما بعد يوم وغربته فانشد قائلا (هلي بالدار خلوني وشالوا...وخلوني جعود بطن شالو...على حدب الظهور اليوم شالو...وحايل دونهم كور وسراب) ومرة ينشد (هلي بالدار خلوني رميماي...مثل حيد معقل برميماي...يا محي العظام وهي رميماي...توصلني على حيالأحباب)
وبينما هو يصارع الموت والوحدة أرسل الله له رجل عابر سبيل له خبره بعلاج الإعشاب فعالجه وبدأت حالته تتحسن شيئا فشيئا حتى شفي من مرضه ولكن الجدري ترك أثره على وجهه مما تغيرت ملامحه بالكامل وقرر أن يعطي بيته والمؤن للرجل الذي عالجه وحمل ربابته وانطلق عاقدا العزم على عدم العودة إلى أهله أبدا واخذ يتجول بين القبائل على انه شاعر ساعده على ذلك تغير ملامح وجهه من اثر الجدري فلم يتعرف عليه احد وكان ممن وفد عليهم شيخ يدعى تمر باش فأقام ساري عنده فتره من الزمن متخفيا على انه شاعر يعزف على الربابة ولكن اعتزازه بنفسه وأهله كان قد اخذ منه كل مأخذ فانفجر الشعر على لسانه في إحدى الليالي بعد أن سمع كلاما لا يروق له ومما ينسب إليه من العتابا قوله مخاطبا الشيخ تمر باش ومفاخرا بأهله(هلي المالبسو خادم سملهم...وبجبود العدا بايت سم لهم...ان كان اهلك نجم اهلي سما لهم... جثير من النجم علاوغاب).هنالك مقولة دائما ارددها (أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد) لقد التقينا وخططنا ورسمنا أشياء جميلة خلال لقاءات ثلاث اعتبرها تاريخية ومثمرة وأتمنى أن تتم احتفاليته وسط أهله ومحبيه لأنني اشعر بـ(دين) أثقل كاهلي مؤكد سوف ينزاح عني بعدما اسلم جائزته لعائلته كونه التزام أخلاقي وثقافي علينا أن نفي به بحق فنان أكثر من مبدع وإنسان ملتزم لديه سلوك راقي ومتحضر ذكرني الفنان حمدي بلقاءات سابقة لي مع الروائي التركي يشار كمال والروائي الإيراني محمود دولت آبادي والفنان يوسف العاني والموسيقار غانم حداد والموسيقار فرات كزلتو والدكتور شيرزاد النجار والقاص جليل القيسي والكاتب جاسم المطير والقاص محمد خضير والقاص فرج ياسين واللبناني حبيب صادق , هؤلاء المثمرون حينما تلتقيهم تشعر انك في حضرة قديسين وعندما يتحدثون تمطر السماء زهورا وعنادل وفراشات.