قراءة في رواية (حصار العنكبوت)/ يوسف عباس يوسف
حصار العنكبوت... والحب داخل الموت
قرأت رواية حصار العنكبوت لـ(كريم كطافة) عن دار نون للنشر 2014
تتحدث الروايه عن كارثه انسانيه حدثت قبل عقدين ونصف من تاريخ طبع الرواية. (حصار العنكبوت) وهو مصطلح او خطة عسكرية لمحاصرة الثوار أو محاربي حرب العصابات. جاء التعريف على لسان أحد شخصيات الرواية (أبو طيف). أعتقد أن الراوي نجح بتسليط الضوء على مجموعة من العراقيين المناضلين من أنصار الحزب الشيوعي العراقي ومجموعة من عوائل الانصار والاكراد في كردستان العراق ايلول 1988 بعد انتهاء الحرب العراقيه الايرانية. إذ حملت الروايه أحداثاً مأساوية للانصار وعوائلهم ومجموعه من الاكراد. لقد شدتني بجانبها التوثيقي وبذكريات حميمية للكاتب في الجانب التاريخي والسياسي والانساني. قيمة النص جاءت من كشف حقائق غير معلنه وإلتزام الكاتب أخلاقيا تجاه رفاقه والعوائل الذي اختفت الى يومنا هذا. كذلك شدتني السخرية الموجودة داخل الحبكة الدرامية وكيف فرضت مشهديتها السينمائية وأعني كل مشهد ساخر هو مشهد سينمائي أو درامي متقن بحرفية عالية. وأيضا عربي يكتب عن منطقة كردية منكوبة وتحليل المواقف السياسية والاعلامية العربية والعالمية ... ثم جلد الذات بطريقة أدبية شريفة وقيمة حيث راح الكاتب بكل موضوعيه ينقد الأحزاب وبدون تعنصر الى حزبه وهذا واضح من حوارت الانصار فيما بينهم..
حمدان يقول الى ابو زهره "والله حقك والله العظيم حقك اني شايف ذوله الرفاق أغبياء كلشي ما يفتهمون يعني قابل الحزب ويعني هنا (الحزب الشيوعي العراقي) يعني بشرفكم قابل الحزب هو المسؤل طبعا لا... رفاق احنا المسؤولين..."
وأيضا لتسمية اثنين من القياديين باسم ابو (طاروق)
أحد مصادر قوة الرواية الحب في الحصار.. علاقة حسام وروزا دليل على الحب داخل الموت وأيضا سهراب وزوجته والحب من نوع اخر الرجل الذي أحب بقرته وعجلها وأيضا شمس الدين الذي كان يحب أشجاره ومزرعته والحب الاكبر هو الجود بالنفس لاعتقاد ما فيقول الكاتب "تجد ابن البصره يدافع عن قرية حتى آخر طلقه وكأنها قرية أجداده بينما ابن القرية الكردي ينسحب ويتوسل بالنصير العربي لينسحب معه.. مفارقات عجيبه أضحكتني . وأيضا من مصادر قوه الرواية تعدد الابطال. لم أجد بطلاً واحداً فهناك الفنان والرسام (فؤاد) الذي حرق لوحاته فقال له (حاتم):
- ليش حرقتني فؤاد
يرد عليه فؤاد:
- اني حرقت روحي
ثم يغادر فؤاد الى اتساع العالم بانتحاره. شيرين الحامل التي أحبت زوجها وظلت تنتظره وهو هائم على وجهه في الجبال ولا أ حد يعرف عنه شيئاً. ورزوقي العصبي لكن حكمته كبيرة. سهراب الزوج والمقاتل. وافي المبتلى بمرض. حمدان، سيدو، حاتم، دايكه عايشه، شمس الدين، روزا، حياة، أم روزا، أبو منيب امر الفوج الذي هرب. من المشاهد التي أحببت ولن تفارق مخيلتي حوار الدكتور وحمدان عن لحم الماعز الذي مرض الانصار والعوائل بسببه، إذ يجعل حمدان يصرخ بما يشبه مطلع قصيدة: أيها الدهر اللعين عشناك صعاليكأ... لكننا سنموت ملوكأ. حوار حمدان وفؤاد عن طيار الجيش الذي يحوم فوق رؤوسهم؛ فؤاد يسأل حمدان:
- تكدر تحزر نوع الجكاره اللي يدخنها هذا العتوي اظن يدخن سومر طويل
يجيبه حمدان:
- بعد ماينتهي هذا العتوي (الطيار) من ذوله الشحاذين اللي هم إحنه.. ينزل بمطار الموصل يركب سيارته الماليبو سيارة الطيارين ينتظره بالبيت غزال موصلي يدخل للحمام يغسل... الغزال يسئله أصب الغداء.. يجيبها من داخل الدوش بصوته الخشن لج ياغدا جهزيلي نفسك.. تضحك وتتغنج وهي تعرف أنه يريدها ان ترتدي قميص النوم الاسود الاتك الشفاف.. تجيبه هي بصوت ساحر نعسان يشبه تغريدة بلبل نعسان خليها بعدين.. يرد هو بصوته السخيف لا هسه.... مشهد جميل توقفت كثيرا عنده خصوصاً حين يكتشف حمدان أنه كان يصف جسد حبيبته وهي بحضن الطيار.. جعلني هذا المشهد أتامل صديقة حاتم المجرية حين تأخذه إلى مقبرة في المجر وتسأله هناك: ماذا يعني لك هذا القبر أو ذاك؟ ولما لم يرد حاتم أخذت وردة ذابلة من قبر وقدمتها له قائله: ستموت في أرض الحروب ولن تجد حتى من يضع هذه الوردة الذابله على قبرك .
ثم تأتي الاستعارات الرائعة والتي منها: كانوا ستة وسابعهم تلفاز صغير!! إحالة إلى أسطورة أهل الكهف وكيف أن الانصار الجنوبيون يقومون بلي عنق ألحان القصبجي وعبد الوهاب والسنباطي العشقيه ورومانسيات فيروز ويحولوها إلى ألحان الخشّابه البصرية.. ثم تسمية البغال على أسماء رياضين مثل ماردونا وزيكو.
أخيراً أنا أحببت الحصار والمحاصرين..أحببت الطيار والفرسان والقوات الخاصة الاغبياء الذين يريدون يعيشون ويسوون كروش ويسوون بيوت ويسوون حياة كلها تشريب وقوزي ويستمتعون بغزالاتهم الغبية وأحببت حتى الخائن وأحببت الأنصار الشرفاء والعوائل المسكينة وأحببت حب شمس الدين لمزرعته وحب (دايكه عائشه) لكمال وحب الشيخ للبقره والعجل .. يالسخريه القدر..!! أنا حزين لمصير العوائل ومصير فؤاد ومصير الاغبياء البعثية والمنافقين والهاربين ... وأنا ايضا سعيد ولدي أمل كبير بعد تعرفي على هذه النماذج الانصاريه المشرّفة، لأن الشعب الذي أوجد هكذا رجال ونساء أعتقد يستطيع أن يخلق امثالهم..