The Quiet Euphrates الفرات ألهادىء/ د. قحطان مندوي

أنتهيت تواً من قراءة رواية ألفرات ألهادىء، ب900 صفحة، للشاعر وألروائي العالمي د. قحطان محبوب مندوي، ألصادرة باللغة ألأنكليزية عن داري الفرابي ببيروت وإنك وتر برس، بورتلند، الولايات المتحدة 2014، والتي غيبته عن شعره لمدة أثنتي عشرة سنة من الكتابة وألبحث المرهقين. تُجسد الرواية بأسلوبٍ سلسٍ جذاب وعمقٍ شاعري فريد ورائع ألأحداث ألمأساوية والمصاعب الجمة التي عاشها العراق خلال نصف قرن من تاريخه الحديث، وألأعوام 1920-1970. تدور حوادث الرواية بين بغداد وألفرات ألأوسط في قرية ألشيخ جساس حمد ألفزاع، بجانب الفرات، قرب مدينة الناصرية. وتعالج مواضيع شتى عبر شخوصها الكثرين المتفاوتين بإنسانيتهم وثقافتهم وطرق عيشهم، فبينهم ألشجاع النبيل كحميد ألعثار ونجلة رمضان، ومريم، والمجرم ألسادي مجبل الشيخ جساس الفزاع، الذي شغل منصب رئيس ألحرس القومي عام 63، منظمة القمع والقتل ألمرعبة، حيث عاث فسادا، وقتل ألأبرياء، وإغتصب ألنساء، تحت ألتعذيب، بوحشية لم يرَ ألعراق مثيلها. وهذا "خيال" ألبدوي المأجور فهو يقتل دون ألسؤال عن ألسبب أو القتيل لأن ألجريمه مهنته، ولا يهمه ألأمر. أما شخصية ألرواية ألرئيسية ريمة ألشيخ حمد الفزاع فتجمع بين الخير وألشر، الجمال والعهر، العنف وألرقة، وهي ألجلاد وألضحية بنفس الوقت، وأفراز أو نتاج ضروفها ألنفسية القبلية-ألأجتماعية-الدينية-والتاريخية. وما حصل لها هو بالظبط ما حل بالعراق، وإنحدارهما وضياعهما متشابهان في كل ألمعايير.

تدون رواية الفرات ألهادىء، بتسلسل زمني، الحقبة ألأقطاعية المظلمة وحكومات نوري السعيد، ثم ثورة تموز، وتغيير موازين ألقوى لصالح ألفلاحين والعمال وألفقراء جميعا، وكيف أُخْتطفتْ إنجازت ثورة تموز بألإنقلاب الفاشي عام 63. وهنا ياتي دور مجبل الشيخ حمد الفزاع ألذي خسر وتضرر من ثورة تموز لينتقم من ألأبرياء، فيجول ويصول ويعبث بالمقدرات وألمبادىء ألحميدة للمجتمع العراقي، وتسيطر ألأفكار ألشوفينية والعنف القبلي والموت والخراب على مجتمع كان في طريقه للتطور، أو بالفعل كان  متطورا من نواحي كثيرة، علمية وأدبية وثقافية وإجتماعية. فتحايلت ألقوى ألرجعية وألشوفينية وأزلام ألشوارع البلطجية على مقدارات الوطن، ودمرت كل ما هو حضاري وإنساني، سواء بالنسبة للمثقفين وألقوى الوطنيه، الحرية والهدوء النسبي الذي عاشه العراق خلال حكم الزعيم قاسم، أو بتدمير البنية التحتية وألثروة النفطية والزراعية، وألأرث الحضاري والثقافي المتمثل بشعراء العراق وعلمائه و فنانيه.

خلال قراءتي للرواية، شعرت وكأني تارة مساهما بثورة حميد العثار ضد ألأقطاعي ألشيخ جساس الشيخ حمد الفزاع وحوشيته وسراكيله، وثانية كأني أقاتل معه ورفاقه ألأبرار والقوى الوطنية برد الأنقلاب الغاشم ومحاربة ألمتمردين بشوارع بغداد. وتارة أحس بوجودي في غرفة التعذيب وكأني سلوى أو أميرة، فأعيش من جديد إحداث ألثامن من شباط ألأليمة التي عاصرتُها طفلا. أما مريم الفزاع، ألأفريقية البريئة ألتي لم تسلم من الحيف والعنف، رغم عيشها في قصر الفزاع، والتي لم تنل حريتها وإنعتاقها بعد مرور سبعين عاما على مجيئها لقصر الفزاع، فتدمي قصتها ألفؤاد، ولا يتمالك القارىء أعصابة غير ان يهل دمعة حزن صادقة لهذه ألأم ألطيبة التي لا تملك غير إنسانيتها ورقة مشاعرها ودموعها على زمن مر بها دون ان تدركه، وحوداث جسام تدور في بيتها وحولها دون ان تفهمها أو تدريها، ككل العراقين المغيبين، المهمشين، ألبسطاء.

ألرواية كتبت بأسلوب سلس، شيق، وشاعري آخاذ، وألأدب ألعالمي ألذي يدرسه القاص د. قحطان مندوي بلأنكليزية، منذ ثلاثين عاما، هو أختصاصه ومجال دراسته. ألرواية مفيدة جدا لطلاب أللغة ألأنكليزية لمفرداتها وللغتها السليمة، ألفريدة، وطلاب ألأدب وتاريخ ألعراق الحديث ألذي كُتب بمصداقية ودقة تامة خالية من ألتشوية أو المبالغة أو ألتزوير.

أخيرا تظل رواية ألفرات ألهادىء تسلط ألضوء على ألحقب ألمظلمة ألجائرة التي مر بها العراق لغاية عام 1970، وألأوليات وألمسببات الكارثية التي آلت للوضع المأساوي العقيم الحالي وألظروف القاهرة التي يعيشها وطننا الحبيب، والتي لم ير العراق مثيلها منذ غزو ألمغول له عام 1258، ألتاريخ ألأول للعراق ألذي دونه ألقاص باول سطر من حوادث روايته ألقيمة. ألفرات ألهادىء صرخة ضد الشر والعنف والقتل وألأجرام، وقصيدة حب لجمال العراق والنخيل وألفرات وألريف، وقبلة للإنسان وألإنسانية جمعاء. لم أقرا قصة أخرى مضاهية لها بأسلوبها اوعمقها ألأدبي وألنفسي. أهدى الشاعر روايته لضحيتين من نساء مدينته ألعمارة، معلمته ألأولى نجوى و مصورته الباسلة سميرة. لم أكتب عن ألفرات ألهادىء لأن أخي ألفها، فلا توجد مجاملات عندما يتعلق ألأمر بالنقد ألأدبي، لكنها نظرة صادقة لرواية تأريخية فريدة تستحق القراءة والتقدير.

 

مشكن 8-4-2015