العراقيون يحيون ذكرى رحيل الفنان خليل شوقي/ محمد المنصور

تنادى طيف واسع من الفنانين والأدباء ومن عموم المثقفين العراقيين والعرب والسويديين، إلى ضاحية (فيلنكبي) شمال مدينة ستوكهولم السويدية، تلبية لدعوة الجمعية المندائية في ستوكهولم، وبالتنسيق مع الفنان فاروق داود ومشاركة فنانين ومثقفين عراقيين آخرين، لإستذكار الفنان العراقي الراحل، الذي أفنى حياته بحب الوطن والمسرح والحياة، والذي جمع بين التأليف والإخراج والتمثيل، وإستطاع أن يجسد الشخصية العراقية، بكل صدق ووضوح في أغلب أعماله الفنية، بكل ما تمتلكه من قوة وعنفوان وقيم، وضعف وتهميش وإنكسار، في صراعها مع الظلم والجور والقهر، ومعاناتها من متاعب ومصاعب الحياة، الفنان الكبير والشامل القدير وأحد رواد المسرح في العراق، الذي غطى نشاطه الفني مجالات المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون، الفنان الراحل خليل شوقي.

أدار الأمسية الانسة سهاد غياض والأستاذ صلاح جبار، وقدما كلمة تعريفية بهذه الإستذكارية، إتسمت بالألم والحزن البالغين، وهما يستعرضان أهم الأعمال الفنية التي قدمها الفنان خليل شوقي، ويتوقفان عند أهم المحطات من حياته الثرية، ليعلنا بعدها عن عرض فيلم قصير من إعداد عدي حزام عيال عن حياة الفنان شوقي، لتعطى الكلمة للوزير المفوض في سفارة جمهورية العراق في ستوكهولم الدكتور حكمت داود جبو، الذي إعتذر بداية عن عدم حضور السفير العراقي وألقى كلمته نيابة، تحدث بعدها الدكتور حكمت جبو عن علاقته المتميزة بالفنان خليل شوقي، وكانت لأبن الطائفة المندائبة وممثلها في البرلمان العراقي الأستاذ حارث السنيد, كلمة مؤثرة في إستذكار الراحل شوقي، وكلمة عرفان بالجميل من الفنان المسرحي طارق الخزاعي، الذي إعتبر أن كل ما هو فيه الآن يعود بالفضل إلى أستاذه الفنان خليل شوقي.

بكلمة قصير أشاد وزير العلوم والتكنولوجيا الدكتور فارس يوسف ججو, بفقيد المسرح العراقي، فقيد الفن، فقيد العراق، الراحل خليل شوقي، وبكلمات موجزة ومعبرة تحدث رئيس المركز الثقافي العراقي في السويد الدكتور أسعد راشد، مشيراً إلى أن الفنان خليل شوقي، هو رمز من الرموز الثقافية الكبيرة في العراق، وتعد خسارته خسارة للثقافة العراقية، وكان آخر المتحدثين الفنان فاروق داود الذي إستهل حديثه بمفردات من قصيدة للشاعر مظفر النواب: (مو حزن! .. مو حزن .. لكن حزين)، وتوقف عند أبرز المحطات التي جمعته بالفنان خليل شوقي, والعلاقة الوثيقة التي كانت تربطهما لعقود من السنوات، وتحدث عن فلمه الوثائقي الذي ينوي إنتجه لاحقاً، الفلم الذي أختتمت فيه أمسية الإستذكار، والذي تحدث فيه الفنان خليل شوقي عن حبيبته بغداد.

ولد الفنان العراقي الكبير خليل شوقي عام (1924) في بغداد، أحب الفن وعشق المسرح، وسعى مع مجموعة من أقرانه الشباب، لتأسيس فرقة مسرحية في عام (1947)، كان أسمها (الفرقة الشعبية للتمثيل)، ولم تستطع هذه الفرقة أن تقدم سوى مسرحية واحدة فقط، شارك فيها الفنان خليل شوقي ممثلاً، وكانت المسرحية بعنوان (شهداء الوطنية)، أخرجها الفنان الراحل إبراهيم جلال، درس الفنان خليل شوقي فن التمثيل، في معهد الفنون الجميلة في بغداد في قسم التمثيل، وحصل على شهادة (دبلوم في فن التمثيل) عام (1954)، توظف بعدها في دائرة السكك الحديد، وأشرف على وحدة الأفلام فيها، وأخرج لها العديد من الأفلام الوثائقية والإخبارية، عرضت في تلفزيون بغداد بين عامي (1959 - 1964).

 بعد أن ألغيت عام (1963) إجازات الفرق المسرحية، (ومنها الفرقة المسرحية المشهورة "فرقة المسرح الحديث" التي كان ينتمي إليها)، أسس شوقي عام (1964) فرقة مسرحية تحت إسم (جماعة المسرح الفني)، وقد إقتصر نشاطها على الإذاعة والتلفزيون فقط، وكان أحد المؤسسيين لفرقة جديدة عام (1965)، تحت مسمى (فرقة المسرح الفني الحديث) وأنتخب سكرتيراً لهيئتها الإدارية، وعمل في الفرقة ممثلاً ومخرجاً وإدارياً، وأخرج للفرقة مسرحية (الحلم) عام (1965)، ومن أشهر أدواره التي قدمها ممثلاً، دور (البخيل) في مسرحية (بغداد الأزل بين الجد والهزل)، ودور (الراوية) في مسرحية (كان يا ما كان)، ودور (المختار) في مسرحية (خيط البريسم)، ومن أهم أدواره وأكثرها تألقاً دور (مصطفى الدلال)، في مسرحية (النخلة والجيران)مع الفنانة الراحلة زينب.

من أعماله السينمائية: فيلم (من المسؤول؟) عام (1956)، فيلم (أبو هيلة) عام (1962)، فيلم (الظامئون)، عام (1972)، فيلم (يوم آخر) عام (1979)، فيلم (شيء من القوة)، فيلم (العاشق)، فيلم (الفارس والجبل). أما في مجال الإخراج السينمائي: فقد أخرج في عام (1967) فيلم (الحارس)، الذي (كتب قصته الفنان قاسم حول، ومثل فيه: الفنانة الراحلة زينب ومكي البدري وسليمة خضير وقاسم حول ونخبة آخرون)، وقد شارك في عدد من المهرجانات السينمائية، وفاز بالجائزة الفضية في مهرجان قرطاج السينمائي عام (1968)، كما فاز بجائزتين تقديريتين في مهرجاني طاشقند وكارلو فيفاري السينمائي. وفي مجال التأليف السينمائي كتب سيناريو فيلم (البيت) الذي أخرجه عبد الهادي الراوي في عام (1988)، والذي قال عنه الفنان يوسف العاني: "إنني وأنا أشاهد الفيلم لم أتصور أحداً منا يستطيع كتابة السيناريو صدقاً وواقعاً قدر خليل شوقي".

عمل في تلفزيون بغداد ممثلاً ومخرجاً منذ تأسيسه عام (1956)، وهو يقول أنه (كتب أول تمثيلية عراقية للتلفزيون، وهي ثاني تمثيلية تقدم من تلفزيون بغداد، ولكنها أول تمثيلية تكتب خصيصاً للتلفزيون). ومن أهم مشاركاته في المسلسلات التلفزيونية: (الذئب وعيون المدينة، النسر وعيون المدينة، الأحفاد وعيون المدينة، جذور وأغصان، صابر، الكنز، بيت الحبايب، الواهمون، دائما نحب، إيمان، بيت العنكبوت، وتمثيلية المغنية والراعي). وكان للفنان خليل شوقي حضوراً لافتاً في إخراج الدراما التلفزيونية، وعرض تلفزيون بغداد عدداً من أعماله المتميزة عام (1973) منها: (طيور البنجاب، كنز السلطان، لجنة محترمة، والأفول)، إلى جانب مسلسل (من كل بيت قصة)، الذي جاء في ثمان حلقات، ومن أعماله أيضاً تمثيلية (شروق شمس تغيب، العمارة، ومسلسل الإضبارة)، ومن أعماله الإخراجية أيضاً (زقاق في العالم الثالث، السهم، وتمثيلية الهجرة إلى الداخل)، هذه التمثيلية التي (شارك في العراق، ضمن خمس وأربعين دولة عربية وأجنبية، في مهرجان براغ للأعمال التلفزيونية عام (1985)، حصلت على إستحسان واسع، ونال الفنان الراحل جعفر السعدي جائزة أحسن أداء عن دوره فيها).

ودع خليل شوقي عن بعد حبيته بغداد، تاركاً لها معيناً لا ينضب من الفن الملتزم الأصيل، وحلم بعراق أكثر إشراقاً، ولكن المنية كانت أسرع من تحقيق الحلم، وداعاً أيها المبدع المتألق، فأنت حقاً كبيراً في كل شيء، فأنت من عشق الفن وطناً وغنى للوطن فناً.

 

نشرت هذه المادة في: شبكة الكومبس الإعلامية