السماوي .  وعيون المها بين الرصافة والجسر / جمعة عبدالله 

من اسلوبية المتميزة في ابداعها الجمالي لعالم الشعرللسماوي  ,وسماته المتميزة في الواقع الشعر العربي عموماً ,  هي قدرته الكبيرة , في التجديد والخلق الابداعي ,  من داخل  التناص الديني والادبي , برؤية واقعية معاصرة , تتميز بسحر الخلق الجديد , الذي يعطي معنى ومغزى جديد يختلف عن الاصل , بل يتعارض مع رؤية الاصل , ان يعطي صفة الخلق والتكوين والصياغة الجديدة , من داخل النص , لتعطيه الوجهة والصفة والرؤية المعاصرة  , التي تحمل نكهة تجديدية  , تتلائم مع متطلبات وموجودات وثيمات الواقع الفعلي , ليعبر عنها ,  عن حاضرنا المسلوب والمستلب والممسوخ  , واقعنا المحطم بالخراب . ان هذا التناص الذي يأتي في  تقنياته التعبيرية  الجديدة  , لا يمكن ان يطوعه  احداً , إلا من امتلك ثقافة ومعرفة عميقة في دقائق النص الديني والادبي , وهذه الامكانية موجودة لدى  السماوي , بأنه  يملك ثقافة ومعرفة واسعة وعميقة في النص الديني والادبي , لذلك فانه قادر على تكوين الروح الجديدة , التي  تتعارض مع  اصلية رؤية النص الديني والادبي في نسختها الاولى  ,  والسماوي بهذه الاسلوبية المنهجية الفائقة من الصنعة  الاحترافية  , يضعنا في حالة الابهار والاندهاش في الحياة الجديدة للنص   ,التي تؤدي دور في التأثير المؤثر للواقع  , بفعلها  الدال والمدلول في امتياز تعبيري بليغ  التعبير  . عن حالة ثيمة  الواقع العراقي  الجديد , وفي نفس الوقت , فأنها تعبر عن تجليات  حالة الغربة والاغتراب عن الوطن . ولكنه يشعر بالالم والحزن ,  بأن غربته ومحنته ستضاعف اكثر من السابق من الواقع الممسوخ   , الواقع المنحرف في كل المجالات  . في وطن تنهشه الذئاب بشراهة انيابها الوحشية , تنهشه بالخراب والفساد واللصوصية , من هؤلاء القادة السياسيين ( الطراطير ) الجدد , والسعالي في عباءاتهم الدينية , وهم حولوا العراق الى خراب للمواطن  , حولوا العراق اليهم (  مغارة علي بابا ) ينهبون الذهب والياقوت والدولار , بالسحت الحرام , وللشعب التراب والسخام الاسود والموت المجاني . وهم يتصارعون ينهشون  لحم احدهم الاخر , من اجل الكرسي والمنصب والنفوذ , واطلاق اليد بالسرقة واللصوصية . لذا فأن السماوي يترصد ويعري ويكشف هذه الثيمات , التي تدفع  الواقع لينزلق الى الخراب والحطام , ويسلط عليهم الضوء الكاشف ليكشف عوراتهم  , من منطلق خلق  الفعل الواعي , الذي يستجيب لهذه المتطلبات , وليشعل النار في ثوب الظلم والقهر والحرمان , الذي يعاني منه المواطن , ليكون الخلق الجديد للنص , سلم للعبور نحو فعل المجابهة الفعالة  , ومن امثلة من التناص الادبي الكثيرة , نختار منها مثال قصيدة  الشاعر ( علي بن الجهم ) في قصيدته المشهورة ( عيون المها بين الر صافة والجسر / جلبن الهوى حيث أدري ولا ادري ) . هذه اللوحة الرومانسية المعبرة والشفافة , في عيون ( المها ) الجميلة الساحرة , التي سحرت بفتنتها الساحرة , الشاعر كومضة برق اشتعلت في قلبه ووجدانه , بسحرها الفتان , انه يركب صياغة اللوحة جديدة  برؤيتها المعاصرة وشكلها الجديد , لتعبير عن خراب الواقع الجديد  , ليدلل على الحالة المزر ية والكئيبة التي تعيشها بغداد وعموم العراق , في مضاجع  المظلمة والسوداوية , في لوحات تصويرية متعددة ومتنوعة الرؤى والرؤيا ,  . ونذكر منها ,  بعض هذه اللوحات التصويرية , في طيات  البيت الشعري المذكور .

1- اللوحة التصويرية الاولى : لوحة الخراب الذي عم العراق , وحولوه الى ليل موحش , في اشباح تتجول في  السواد والحداد , وجعلوا من الجسر والنهر , مضاجع الحزن والعذاب والامتهان والاستلاب , الى بلد عبارة عن عش للافاعي المدسوسة والسامة , وهو يشير الى اصابع الجريمة والاتهام  , الى الذين  اطفأت انوار العراق , وهم  بين ( القيادة والقصر )

عيون النهى بين القيادة والقصر  /   جلبن الاسى من حيث أدري ولا أدري

2 - اللوحة التصويرية الثانية , الى صورة المصورة عن العراق ’ الذي تحول الى غابة وحشية تتسيدها الوحوش الكاسرة , التي حولت العراق الى ارض صحراوية قاحة جافة لاينبت فيها سوى الاشواك .

حلمت يوماً أنني العراق

وحينما فركت أهدابي

تخثرت على أجفانها الاهداب

وكان ما بيني وبين الله في المحراب 

" أبرهة " الجديد في في الكرخ

وفي الرصافة  " الذئاب "

×  وكذلك صورة اخرى للذئاب

 

فَـلَوْ أَنَّ النَّخِـيْلَ - الشَّعْـبَ - حُرٌّ

طَلِيـْقُ السَّعْـفِ لَمْ يَسْجُنْـهُ جُوْرُ

 

لَمَــا وَلَغَتْ بِدِجْلَتِهِ ذِئَـــابٌ

وَلا رَاعَـتْ عُيُـوْنَ مَهَا جُسُوْرُ" 

3 - اللوحة التصويرية الثالثة : الناطقة بالبلاغة البليغة في عنجهية الحكام الجدد , من قوى البغي والغدر والفساد والارهاب واللصوصية , الذين ليس لهم ذمة ولا ضمير , انهم اشبه بقطاع طرق يسلبون البشر والشجر

 

الجسر يخفوه المها ........ واذا

 

قربت تشظى وجهها فزعا

 

اذ تحول جمال ( المها ) الى قبح وحشي , ويفوح منه الرعب , يتشظى فزعاً , هذا الرعب الجديد الذي شطب الجمال والسكينة , بين الرصافة والكرح . هذا الواقع الفعلي المحزن والكئيب .

 

وكذلك ايضاً في هذه الصورة

 

 

عُــدنـا الـى حــيــثُ الــنـخــيــلُ مــآذِنٌ ..

 

فـإذا الـنـخـيـلُ عـلـى فُــراتَــيــهِ انــكـفــا

 

 

 

لا الـجـسـرُ تـقـرَبُـهُ الـمـهـاةُ .. ولا شــدا

عــنــدَ الــرصـافـةِ مُــسْــتــهــامٌ شُـــنِّــفــا

4 - اللوحة التصويرية الرابعة : الغرابة في وضع العراق الغرائبي , فقد ضاعت ( المها ) وضاع الجسر والنهر , وضاعت الرصافة والكرخ 

 

 

يـا عـلـيّ بـن الـجـهـم

 

هـا هـو الـجـسـرُ

 

وهـا هـي الـرصـافـة

 

فـأيـن عـيـونُ الـمَـهـا الـتـي جَـلَـبَـتِ الـهـوى

 

مـن حـيـثُ تـدري

 

ولا أدري ؟

5- اللوحة التصويرية الخامسة : لوحة في شغاف التفاؤل , بأن الليل في العراق سينجلي ويأتي الصباح , بعودة العشاق بعودة وجه العرق المغتصب من جديد  , وتعود ( المها ) في اشراقة وجهها المشرق وعيونها الجميلة الساحرة , وتعود المياه الى مجاريها

 

 

مُـتـفـائـلٌ أنَّ الـرصـافـة َ سـوف تُـرسـي لـلـمـهــا

 

جـسـرا ً مـن الأعـشــابِ ..

 

والـعـشـاقَ ذات غـدٍ ســيـصـطـبـحـون بـالـسـلـوى

 

ويـغـتـبـقـون مـن كـأس الـعـنـاقِ

 

ويُـطـلـقـون سِـراحَ أشـواق ٍ مُـكـبَّـلـة ٍ

 

ويـشـفـى لـيـلُ دجـلـة َ مـن سـواطـيـر الــتـحـاصـص

 

والـفـراتُ مـن الـجُـذامْ