ملاك في البلوك 17/ د.غالب محسن
مطرٌ،
مطرْ،
قطرات من الشهدِ،
لآلئ فوق الشجرْ
مطرٌ،
مطرْ،
ليالٍ من الزهدِ،
وعيونٌ تعشقُ السهرْ
مطرٌ،
مطرْ،
شموعٌ ودعاءٌ وحلمٌ،
ودموعٌ تجري كالنهرْ
مطرٌ،
تحت المطرْ
وقفَ رجلٌ يرتجفُ،
خجلاً يحتضنُ القمرْ
سحب نفساً عميقاً من سيجارته وهو يحميها تحت مضلته من زخات المطر الخفيفة والتي منحته غطاءاً وربما شجاعة أضافية، ثم أطلق الدخان ببطئ وكأنه يتلذذ في حبسه لفترة أطول. كانت لذة اللقاء تفيض من حواليه.
قالت :
- هل أنت مستعد لسماع أجابتي؟
- لا، لا ربما لم أوضح مقاصدي بصورة كافية، فما قصدته فرصة للتفكير. أجاب وكأنه يرد على مخاوفه.
-لكنني لست بحاجة لمثل هذه الفرصة في أمر يخصني وقد حسمته منذ زمن بعيد. وأضافت : تعرف لقد أعجبتني فكرة أنت تريد أن تمنحني فرصة للتفكير. قالت جملتها الأخيرة بشئ من السخرية.
قبل بضع دقائق قال :
-الأمر المهم الذي أردت التحدث به معك هو شخصي تماماً لذلك حرصت على اللقاء بك هنا، رغم المطر.
بعد بضع سنين، قالت :
- تعرف، بالفعل لم أفهم مقاصدك الحقيقية عندما عبّرت لي عن مشاعرك تجاهي في لقاءنا الأول تحت المطر. ألا تتذكر !
خَلف الزجاج
تلمعُ حباتُ المطر
والريحُ عَصوفٌ
تَعبثُ بأوراقِ الشَجر
والسماءُ ملبدةٌ بالغيوم
تحجبُ وجه القمر
لا يهم يا حبيبتي
فأنتِ شمسي والقدر
- أقصد كُنتَ ذكياً جداً. كنت تعرف جوابي لكنك رفضت أن تسمعه. ثم غمرتني بعد ذلك بكل الأهتمام والرعاية والحب وجعلتني أقع في حبك دون شعور. هكذا أفقت يوماً من النوم وصحت : يا ألهي أنني عاشقة !!
قال : كيف لي أنسى
.وألقى برأسه في حضنها وهو يطوق خاصرتها بكلتا يديه وأستنشق بكل قوته رائحة الأنوثة المنبعثة من جسدها والتي غمرته كلياً، فأسكرته
كانت مثل أميرة، عندما تسير، معها تسير قلوبٌ كثيرة. رقيقة مثل جناح فراشة، وهي ترقص.هل رأيت كيف يناغي الحمام الزاجل، هكذا هي عندما تتحدث. هل شعرت بحفيف الأشجار، هكذا هي عندما تمر. ضحكتها لم تكن سوى أمواج من البهجة تفيض على من حولها مثل رنينٍ حنين. هل جربّت أن تُحلق في السماء، يوم لمست يدك يدها كيف أشتعل جسدك، يوم أحتضنتها، وهل تمنيت الموت، يوم قبلتها ؟ لا عشقت الحياة
الله كم أنت جميلة
قولي لي يا فتاة
هل جئتنا من عالمٍ آخر
فمثل هذا الجمال لم أر من قبل
ولو ظننت أنك لم تعرف الحب حتى الآن، و بحثت حولك ستجد الكثير منه. الحب يمكن أن تراه أمراً مألوفاً، وربما مملاً. يزورك يومياً، مثل نحلة تتنقل بين الزهور. أصفر، أحمر، أبيض، جوري، ياسمين، قرنفل. هل رأيت كيف تنحني في كل مرة تعانق فيها زهرةً ؟ كيف تدس رأسها في حضنها وبين أضلعها؟ حبٌ ليس له بداية أو نهاية، في كل مرّة طعمٌ مختلف وأحساس وتجربة جديدة.
حبٌ مثل هذا لا يدوم !
أو الحب يسقط مثل المطر في الصحراء، فجأة ، لكن ليس كل يوم. عندما تكون الأرض جافة وقاسية، تتهئ أولاً لأستقبال رائحته في الهواء، مثل عروس، ثم تتململ الأرض لتفتح شقوقاً في جسدها المتعطش، كما كانت الحقول السومرية تستقبل الأله إنكي قبل أن يضع الخصب في حرثها فتكون لكل قطرة طعماً جديداً. متعة الأنتظار ودهشته، و فيه لوعة وشوق اللقاء.
حبٌ مثل هذا لا يتكرر !
من كتاب " تراجيديا النشيد الأخير" تحت الطبع