بغلة المالكي الأصغر!/ عدنان حسين

وأخيراً نزل رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، من إحدى بغلاته، هي أصغر هذه البغلات في الواقع، فتغيير بعض القيادات الأمنية ليس سوى تنازل محدود من رئيس حكومتنا المعاند والمكابر والمتكبر، الذي لا يريد أن يدرك ان الطريقة التي يدير بها الدولة، بما في ذلك اختيار القيادات الأمنية، ليست صحيحة ولا بد له أن يتخذ لنفسه ولحكومته مساراً جديداً يتوافق مع أحكام الدستور الذي تولّى منصبه استناداً له.

هذه الخطوة ليست كافية، فالعقوبة، اذا كان التغيير عقوبة، لابد أن تسبقها المحاسبة. وفي النظام الديمقراطي فان محاسبة قادة الاجهزة الأمنية الكبار لابد من أن يكون للبرلمان دور فيها، وبخاصة ان حصل ذلك على خلفية انهيارات أمنية متكررة ومتصاعدة كالتي شهدناها في الأسابيع الأخيرة. وفي النظام الديمقراطي لابد أيضاً من اعلان نتائج المحاسبة على الملأ، فمن الحقوق الأساسية لمواطني الدول الديمقراطية أن يعرفوا. والحق في المعرفة وفي التدفق الحر للمعلومات لا يؤمّنه اجراء المحاسبة في غرف مظلمة أو توقيع العقوبة من دون إعلان التفاصيل. 

لا شيء عند البشر يتقدم على احتياجات الأمن. والأمن في بلادنا مهدور، والحكومة القائمة لم تستطع أن تفي بتعهداتها في جلب الأمن وترسيخه، وكان لا بد من مساءلة هذه الحكومة عن فشلها هذا، بيد ان رئيس هذه الحكومة يتصرف بوصف حكومته فوق البرلمان وأعلى من أحكام الدستور، والحجة ان البرلمان مزدحم بالارهابيين من البعثيين وانصار القاعدة (هؤلاء إن كانوا موجودين فهم ممن منحوا السيد نوري المالكي الثقة ليكون رئيساً للحكومة ومن دونهم ما كان سيتولى هذا المنصب على الأرجح، وهو كان قبل ذلك قد استثناهم من اجراءات قانون المساءلة والعدالة – اجتثاث البعث سابقاً - ليمكّنهم من دخول البرلمان والحكومة!). 

بعد تغيير بعض القيادات الأمنية ليس من المرجح أن تتحسن الأحوال، فالمشكلة لا تقتصر أسبابها على عدم كفاءة البعض من المسؤولين الأمنيين وفساد بعض آخر وضعف وطنية بعض ثالث .. المشكلة جذرها سياسي يتعلق بطبيعة النظام السياسي المعتمد في دولتنا والقائم على أساس المحاصصات والتوافقات الحزبية والشخصية. هذا النظام لا يحظى بالاحترام من الناس، والدولة التي تستمد شرعيتها من هذا النظام لا تتمتع من جانبها بالهيبة والتقدير، وهذا مما يسمح بالتمرد عليها وخرق قوانينها التي لا يحترمها ولا يتمسك بها كبار مسؤولي الدولة، بمن فيهم رئيس الحكومة، وأكبر دليل على هذا استهانة رئيس الحكومة بالبرلمان وسعيه الواضح لتعطيل دوره إن في الرقابة أو في التشريع.

تغيير بعض القيادات الأمنية بالطريقة التي تم بها لا يضمن تغييراً ايجابياً في الوضع الأمني، فما من ضمانة بان يكون القادة الجدد أفضل من المصروفين. هل من يضمن؟

"المدى" – 25/5/2013