مجادلة حول  مهرجان المربد .. / جاسم المطير

شاهدتُ  يوم 30 – 4 – 2013  برنامجاً صباحياً على قناة السومرية الفضائية.  تناول البرنامج  بعض مظاهر فعاليات مهرجان المربد العاشر ،عبر لقاء مباشر  مع الصحفي العراقي المعروف مفيد الجزائري، رئيس الجمعية العراقية لدعم الثقافة، المعروفة بنشاطها اليومي الدؤوب ،  ولقاء آخر مع كريم جخيور رئيس اتحاد ادباء البصرة.  تطرق فيه الأثنان لبعض ما تعلـّق بنتائج نشاطات المهرجان واختياراته بعد  تغيير عنوانه، هذا العام، من عنوان (مهرجان شعري) إلى عنوان (مهرجان ثقافي) .

تـُرى هل حقق هذا (التغيير الشكلي) غنىً حقيقياً في (المضمون الفعلي) الذي يمكن أن يؤثرعلى تجارب ومعايير (مهرجان المربد) خلال السنوات الماضية،   بما يحوّله من مجرد مجلس سنوي لـ(سماع) القصائد الى مجلس دائم  لـ(جدل) القصائد  في مرحلة تطورها الجديد تحت راية ومواعيد الديمقراطية في الحياة الاجتماعية العراقية  لما بعد نيسان 2003 وفي ظروف التحرك الجماعي العربي في ظل  نموذج الربيع العربي، أيضاً .

تحدث للبرنامج أدباء آخرون كان منهم ابراهيم الخياط وألفريد سمعان وغيرهما، تناولوا بعض التأثيرات الإجمالية ذات الطبيعة الإيجابية للمهرجان.  كان بعض المتحدثين ناقداً مجاهراً بينما البعض الآخر كان مجاملاً.  كما قال أديبان آخران آراء مماحكة أو مناكدة لجوهر المهرجان وعدم جدواه.

المهم في تلك الاراء كان حديث مفيد الجزائري قد كسر باب  بعض الاخطاء التنظيمية في (مهرجان المربد) وهي أخطاء تؤثر ،حتماً، على شكل فعالياته ومضامينها  وعلى أهدافه، أيضاً، بما يجعله، لو تمّ التخلص منها ،  في المستقبل،  أكثر كفاءة بما يحقق جوهر تحوّله من مهرجان ٍ لتمجيد الحزب الحاكم الواحد وتعظيم القائد الواحد قبل عام 2003 إلى مهرجان ذي مغزى حقيقي للعقل الثقافي العراقي الحر بعد سقوط النظام السابق. اختلاف الآراء بشأن فعاليات المربد شيء طبيعي كما قال الاخ الجزائري، لكنني أود الدخول بمناقشة الفرق في صناعة أهداف المهرجان بعهده الجديد، أي الفرق بين مساطب العناوين المربدية ومساطب مضامينها ، خاصة إذا  ما عرفنا إتصاف المهرجان بدوراته العشر الماضية بالفقر الثقافي الجبري المفروض عليه من قبل السلطات الحكومية الثقافية ، خاصة وزارة الثقافة التي راج البخل في تمويلها هذا العام الى حد كبير ولولا سفتجة الدعم المادي من حكومة البصرة المحلية، التي أشار إليها الشاعر إبراهيم الخياط لما استطاع  المهرجان أن يدفع نفسه نحو الظهور بمستوى منافعه السنوية المحدودة .

صحيح ما لخـّصه مفيد الجزائري بالقول حول ضرورة الإستفادة من أخطاء المرابد العشرة الماضية لضمان عدم تكرارها في المستقبل . لكن دعوني أقول : إن أمور اللغة العربية وأن أصول الشعر العراقي ، قديمه وحديثه، لم نجد لهما صدىً واسعاً في المهرجانت العشرة الماضية رغم أن القرون العشرة الماضية أرّخت أن أحسن ما في دنيا الشعر العربي كان قد أقبل من البصرة العتيقة ، من أشعار الفرزدق وجرير، التي كانت أحلى من تمرها.

لقد أشتهرت البصرة بالمربد مثلما اشتهر المربد بالبصرة ، بل لم يكن أثر المربد يقتصر على مدينة البصرة حسب، انما امتد وانتشر صيته إلى كل العالم الإسلامي . كان المربد القديم مدرسة في اللغة العربية وفي ابداع الكلام . نما فيها الشعر، وبنيت فيها قواعد اللغة العربية، وتمّ إثراء الفقه من خلاله، وخرج منها الكثير من الشعراء والأدباء والفقهاء واللغويون .  من المربد تخرّج فطاحل  الشعراء أمثال جرير والفرزدق، بشار بن برد ولاحقاً أبو النواس ، الفراهيدي وسيبويه، وغيرهم من قمم أعلام اللغة العربية  والشعر والفقه.

  لم نجد صدى تاريخ الشعر العربي  في مرابد القرنين العشرين والحادي والعشرين ،   ولم نجد بحوثا أصيلة حول مصنفاتهما مع وفرة الأدباء والشعراء العراقيين المشاركين فيها . وقد أحس بهذا النقص كثير من الشعراء والأدباء العراقيين وغير العراقيين،  الذين كانوا يأملون منذ عام 2003 وحتى اليوم  أن يرتفع كلام الشعر وفلسفته إلى مستوى العصر وخصوصياته حيث الشعر أداة الحرية وحيث الشعراء أحراراً ، على نطاق العالم ،  في معالجة المعضلات الأخلاقية والإنسانية .  استطيع القول أيضا ، أن أي صدى للمهرجان لم يكن واقعا بين المستشرقين المحدثين في العالم الغربي من متابعي ودارسي اللغة العربية والشعر العربي الممتد نفوذهما  من البصرة حتى المانيا وهولندا والنمسا وفرنسا وروسيا وجميع سواحل أوربا وصولاً إلى الهند والصين .

لم يشعر القائمون بمهرجان المربد أنهم في حاجة ماسة إلى ضرورة نشر آثار اللغة الشعرية المربدية السنوية بمدينة البصرة باعتبارها مشروعا جليلا من المشاريع القادرة على تنشيط الحركة الشعرية العربية بل الثقافية  كلها.  لكن هؤلاء المسئولين برهنوا خلال السنوات الماضية بـ(رضاهم) عن المضامين والمعاني البسيطة في كثير من نتائج فعاليات المربد، التي هي واحدة من شواخص الصعوبات الواقفة أمام تطور النهضة الأدبية والثقافية في زمان الديمقراطية وحقوق الانسان ولا غرو أن نسمع ونرى تخلـّف دور المؤسسات الحكومية ، الثقافية والمسرحية والسينمائية وغيرها،  حيث المفروض فيها أن تكون أداة من أدوات تتبع تطور آداب اللغة العربية وما طرأ على أشعارها من تغيّر وتقدم وليس جعل منصة المربد أداة مجردة لعرض تآليف عدد من الشعراء الذين لا نستطيع التمييز بين غثهم وسمينهم خلال تصنيفهم تحت اسماء أدبية جليلة .

 أحد مهرجانات المربد عقد تحت صورة واسم مظفر النواب ومهرجان آخر عقد تحت صورة واسم محمود عبد الوهاب ومهرجان هذا العام عقد تحت صورة واسم محمود البريكان . لكن القائمين على مسئولية المهرجان لم يقدموا أية بارقة عن مضامين وإبداع  هذه الاسماء الثقافية الجليلة . المفترض أن يكون المحتفى به مربدياً رمزاً  تشتق رعايته للمهرجان بطبع كافة أعماله الشعرية ودراسات عن سيرته الذاتية وعن نضاله وعلى الأقل تقديم جائزة او وثيقة باسمه لأفضل نص شعري أو لأفضل دراسة نقدية  ليكون المُكرّم نفسه  أخاً حاضراً في المهرجان وأن يكون حبيباً للشعراء الجالسين على مقاعد المهرجان.

هذا هو نوع من التكريم الحقيقي، لا التكريم الاسمي حسب.  إن أي عطاء  في التكريم ينبغي أن يكون كثيرأً وواسعاً من حيث القيمة الشعرية ، في مثل هذه الفعاليات،  وإلا فأن المهرجان في مربد البصرة لا يكون غير ريح تهب في نيسان من كل عام  لمدة ثلاثة أيام أو أربعة لا تترك في البصرة أي اعتبار حقيقي لأرضها وصلابة تاريخها غير أثر بسيط  لا يحمل في شكله  غير أثر البرق المختفي على عجل .

لكي يتخلص مهرجان المربد من مشاينه الممتدة من عام 1972 حتى عام 2003 حيث أفلح فيه الرئيس صدام حسين تزيين جبهته وأفعاله القمعية وحروبه على جيرانه وعدوانه على أبناء شعبه بأشعار وقصائد أنشدها شعراء خائفون أو طامعون أو منافقون  من شعراء عراقيين وعرب يمتدحونه  طيلة 35 عاما من حكمه الدكتاتوري الفظيع.

ظل المرتجى بعد نهاية الدكتاتور أن يتخلص مهرجان المربد من كل عيوبه أو أغلبها وأن يكون مكاناً تنطلق فيه حرية الشعراء، وأن يكون قادراً على تجديد الشعر، وتشريع فصول دستوره في الحداثة،  ليكون أساسا من أساسات الثقافة العراقية  الديمقراطية الجديدة.  

المفترض أن يكون المربد والمربديون مُلتـَمساً وطنياً في رفع شأن ودور الثقافة الوطنية في عملية تغيير المجتمع العراقي وتمدينه. حسناً فعل – مفيد الجزائري- أول وزير ثقافة بعد نيسان عام 2003   حين افترض أن المهرجانات الأدبية وجدت لراحة وإبداع الأدباء وليس للحشر الدعائي السلطوي كما كان حال المربد مُسيطراً عليه في عهد صدام حسين. لقد جاهد مفيد الجزائري في سبيل تحويل أول مهرجان مربدي بعد 2003  إلى شراكة بين مبدعي ومثقفي وزارته وبين مثقفي ومبدعي  الاتحاد العام للكتاب والادباء العراقيين وغيرهم من مثقفي مدينة البصرة  لتقديم نوعية ٍ حرة ٍ من  أخلاقية جديدة مدركة فكريا لكنها لم تكن مرئية آيديولوجيا ، بل كانت اجراءاته ومساهماته قد أوجدت تشكيلة من معان ٍ  (رسمية) لكنها  (حرة)  برهنت في ذلك المهرجان أن هذا الوزير  وضع الاعتبار الأول لسلامة المهرجان نفسه من أية هيمنة حكومية سلطوية كما كان الحال في عهد الدكتاتورية السابقة . في الحقيقة كان السلوك الوزاري الأول تجاه المربد الأول في عهده الجديد نوعاً من أنواع الشراكة الثقافية الوطنية الخضراء،  الناجحة ، الراجحة، صاغها مفيد الجزائري كي يبعدها  عن أية حساسية عن علاقة السلطة مع البيئة الثقافية العامة . أتمنى أن يكون هذا النوع الديمقراطي قادراً في جميع  النشاط الثقافي المستقبلي على أحتلال  الاولوية المركزية في العلاقة الحرة بين الدولة والمثقف.

دعوني استميحكم العذر ، أيها القراء المربديون،  بالسؤال التالي: أليس من واجب المربد والمربديين جميعاً،  أن يسهموا بالبحث في القصيدة العراقية ودورها في تطوير الشعر العربي في الزمن العربي الراهن المليء بالمصاعب والمصائب لجميع أهله الذين ما عادوا مضطربين برمل الشعر ورجزه بقدر الاضطراب بكثير من رمل التخلف الثقافي والاجتماعي ورجزه،  خاصة أن هناك في هذا الزمان من يريد العودة بالشعوب العربية كلها إلى نماذج من الثقافة الظلامية لتقييد الناس بسلاسل الكهان والجن والاضاليل بقصد إخراج الشعراء والمثقفين عن مذاهب التقدم الانساني المعاصر ،  القائم على العلوم والتكنولوجيا التي تبدع وتتفنن في نقل الإنسان إلى حياة الحرية والكرامة..؟  أليس الجدير بالشعراء أن تكون قصائدهم شكلا ومضمونا محفزين على الحياة الانسانية الجديدة..؟ أليس من الضروري أن تكون ألفاظ القصيدة العراقية المعاصرة متميزة بالرقة والوعي ومتفننة في معانيها الإنسانية وهي تشق طريقها إلى الديمقراطية لتوفر لقارئها وسامعها بدائع لفظية عن الحرية وأن تتوسع أغراضها ليس في غزل المرأة حسب،  بل تتوسع في أغراضها عن حقوق المرأة واتساع خيالها عن مساواتها بأخيها الرجل..؟  أليس من تكاليف  الشعر ورياداته وصياغاته الملتزمة والملزمة  أن يدخل الشاعر العراقي إلى تنوع الحياة الإنسانية كما فعل البحتري وابن المعتز وابن الرومي والصنوبري وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ومحمد مهدي الجواهري وحسين مردان ولميعة عباس عمارة ومظفر النواب وغيرهم ..؟ أليس من الضروري أن يفعل الشعراء المحدثون في شعرهم بالمربد كما فعل أبو نواس حين كشف بعض مظاهر الحياة الارستقراطية وكما فعل أبو تمام في السياسة وأبن الرومي في وصف ثورة الزنج والمتنبي في كشف صفات الحاكمين  والجبابرة...؟

تـُرى هل يأتي العام القادم بالجديد في مهرجان المربد بصيغته (الثقافية) كما أعلن عنها هذا العام بتحويل المهرجان إلى منبر حوار واستكشاف وسائل المشاركة العقلية  لضمان تسرب سعة الافق و تفوق اخلاقية التسامح مع الناس والوطن  بعد تجارب مرحلتين سياسييتين رئيسيتين متعارضتين،  مرحلة ما قبل نيسان 2003 حيث السلطة الفاشية الحاكمة فرضت نفسها على المربديين ليكونوا تابعين لها بعد اعتقال العقول الثقافية العراقية بعدة صيغ  وبعدة اشكال . أما  مرحلة ما بعد 2003 فأننا  نجد  (السلطة) في زمان الديمقراطية قد أهملت وما زالت تهمل إشراك المثقف العراقي في صنع القرارين السياسي والثقافي. إنه الاهمال المؤدي إلى إبعاد حتى نخب التكنوقراط عن مواقع قيادية في الدولة  بما في ذلك مواقع قيادة المهرجانات الشعرية والأدبية والفنية.

 الإهمال والإبعاد يجعل غالب ساحات الواقع الثقافي العراقي  جامداً في حدود انتاجية معينة ما زالت تبحث عن دعم واسناد يمكنها تعديل وتوسيع جميع منطلقات الثقافة العراقية بمعايير متجددة تجعلها أكثر تطوراً وأكثر انتشاراً في أرجاء خارجية وعالمية  إذا ما غدا  الأداء الثقافي لمؤسسات الدولة  أكثر  من المتوقع .

نعم .. من الممكن أن يكون جهد الدولة، خاصة الجهد المالي، عنصراً من عناصر الاوصاف التفصيلية الأولية لتنمية المواهب الثقافية والشعرية العراقية،  الفردية والجماعية . من  الممكن حتما    أن تؤدي منظمات المجتمع المدني الثقافية ( اتحادات الادباء ونقابات الفنانين ) خدمات واسعة ذات قيمة جمالية . هذه المنظمات أضطرت إلى  استبدال صالات العروض والقاعات والصالات الثقافية ،  المهدمة أو غير المتهيئة، بتقديم خدماتها الثقافية في حدائق شارع أبي نواس وعلى أرصفة شارع المتنبي مما ينبئنا – مع الأسف - باستمرار المشاكل المتعلقة بنقص البنية التحتية القادرة على تعزيز البيئة الثقافية وتطوير الستراتيجية الثقافية، المادية والتنظيمية.

من الضروري التأكيد، هنا، أن خطط  رفع مستوى الفعاليات الثقافية  الجديدة على أساس معايير جديدة يحتكم إليها في تقييم وصياغة الفعاليات الثقافية ومنها التعرف على القيمة الثقافية لمهرجان المربد ومدى دعمها للحياة وللمواطنين في زمان ومكان التغيير الإجتماعي الراهن في بلادنا،  خاصة في ما يتعلق بتطبيق مباديء الديمقراطية في المجتمع والدولة والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية، التي ما زال بعضها يخضع  بشكل او باخر الى جهود ٍ ترمي الى إبعاد المثقفين العراقيين عن دورهم في هذا الزمان.

لا بد من القول ، هنا، أنه لا مخرج لمشاكل المربد وغيره من المهرجانات الأدبية والفنية غير تطبيق الديمقراطية الثقافية وجعل المثقفين العراقيين مسئولين  مباشرة وكلية عن تحقيق هذا التطبيق.

 إن المبالغة بدعوة الشعراء إلى المربد من دون قواعد وأسس مدروسة جعلت كثيراً من الشعراء المدعوين  ليس لهم هم غير إلقاء قصيدة لا تحمل من الشعر غير حد الكفاف . وإذا ما أضطررتُ  الإشارة إلى النصف الآخر من المشاركين، أعني الشاعرات، فأنني شاهدتُ تراجعاً مؤسفاً حيث كان هناك في القاعة شاعرات متخفيات  وراء الحجاب والكسل والنمط البورجوازي في ارتداء الأزياء الملوّنة الزاهية من دون ان يقحمن مثل هذا الاهتمام بقصائدهن لجعلها بمستوى رخاء وزهاء مكياجهن وازياءهن. أغلب الشعراء من  النصفين تخفوا وراء حداثة الهندام لإحياء عهد الفلسفات والافكار القديمة وبعثها من اجداثها وفرضها على الشعر في عراق القرن الحادي والعشرين .

 لا بد من القول أن مهرجان المربد ينبغي أن يكون وسيلة استطلاع تطور الشعر العراقي والعربي والعالمي وتعزيز دور المربديين في البحث الدائب والدراسة المنهجية لمعرفة المفاهيم الاصطلاحية الشعرية الجديدة وعلاقتها في الكينونة الإجتماعية ، في الحرية والضرورة ، في حركة الزمان، والقلق، والشك، والوجود، والحداثة، وما بعد الحداثة.

ينبغي لمهرجان المربد أن يعزز دور ومكانة الشعراء والمثقفين العراقيين التقدميين الذين يحترمون (الرأي الآخر) مرحبين بكل انماط الفكر و تيارات المذاهب الماركسية المتجددة، والاطلاع على الوجودية المتجددة ، والليبرالية، والبراجماتية، والوضعية ، وغيرها من المدارس الفكرية المنطلقة ضد أي محاولة لهيمنة بعض المجموعات الاجتماعية المتنفذة في مرحلة ما من مراحل تطور الدولة العراقية . الشيء الوحيد القادر على تطوير ثقافتنا هو برمجة نشاط مؤسسات الدولة على برامج منظمات المجتمع المدني المتكونة من المثقفين المهتمين بالثقافة الشعبية، والفولكلور، والأدب الحديث.

يظل المثقف الحقيقي الواسع البحث والدراسة هو الأداة القادرة على تغيير العقل العراقي وتطويره برفض سيطرة  الأفكار المسبقة.  كما أن منظمات المجتمع المدني الأدبية والثقافية هي وحدها القادرة على تحرير الثقافة من أي شكل من أشكال (هيمنة السلطة) ونشر الأيديولوجيات المزيفة والتزيفية بحجج مختلفة .

كان في ظني ولا يزال أنه ليس من الصحيح أن يظل مهرجان المربد ميّالا إلى أن يكون مجرد سلعة ترفيهية سنوية لنخبة من الشعراء، بل على جميع المثقفين العراقيين أن يجعلوه قادراً على تحريك النخبة العراقية، كلها، لكي يتحول (المربد) الى فصل سنوي ربيعي معنيّ بمواجهة بعض أشكال الثقافة المتجهة نحو إخضاع ثقافتنا الجديدة  للتقاليد السلفية وغاباتها العتيقة المظلمة والإنطلاق نحو تشييد صروح حضارية جديدة  .

في ظني ،أيضاً، أن بإمكان الشعراء والمثقفين العراقيين أن يجعلوا من (مهرجان البصرة الشعري) منتجاً من منتجات الإبداع العراقي وقيمه الحقيقة، منتج شعري باهر وقيمة شعرية باهرة ، بل أنا واثق ، كل الثقة ،  أن التجديد في بناء وبرامج وأهداف وروح هذا المهرجان يمكن أن يكون أساسا لكل تجديد اجتماعي لأن الثقافة ، بطبيعتها،  تزود الانسان وتطور عقله بأفضل خلفيات العلوم بما في ذلك  علم الاخلاق.

قال شكسبير في السونيتة 80 عن  كل شاعر :

ما دامت منزلتك شاسعة كالمحيط

تحمل الشراع المتواضع كما تحمل أشد الأشرعة اختيالاً

فأن زورقي الرقيق الأقل قدراً من مركبه

سيظهر رغم كل شيء على بحرك العريض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بصرة لاهاي في 30 – 4 – 2013