
غسيل دماغ ... شامل/ عدنان حسين
أشك في ان أي قناة تلفزيونية أو صحيفة يومية في البلاد العربية أو الاسلامية قد اهتمت بخبر الوليد الصيني الذي أنجبته أمه الصبية في مرحاض وانحشر في ماسورة مجرى التصريف وأنقذ في اللحظة الأخيرة في إحدى بلدات الشرق الصيني... أشك في اهتمام اعلامنا بهذا الخبر الى درجة وضعه في صدر النشرات الاخبارية التلفزيونية أو الصفحات الأولى للصحف.
اذا كانت بعض محطاتنا التفزيونية أو صحفنا قد اكترثت للخبر، فالأرجح انها أوردته ضمن أخبار الغرائب والطرائف بوصفه مادة للتسلية والتسري عن الأنفس المثقلة بالهموم في بلداننا.
في لندن التي وصلتها منذ بضعة أيام كان الخبر الطاغي في الاعلام يخص تداعيات الجريمة الشنيعة التي ارتكبها اثنان من الاسلاميين بذبحهما جندياً بريطانياً شاباً بالسواطير والسكاكين والتمثيل بجثته وسحلها بعد صدمه بسيارتهما في عرض الشارع وفي وضح النهار وأمام أعين االمارة من نساء ورجال وأطفال وكاميرات تلفوناتهم المحمولة!.. وهذا الجندي قتل بهذه الطريقة الهمجية ليس لأنه تعدى على قاتليه مثلاً او تجاوز على حقوق لهما، وانما لأن بلاده شارك في تحرير العراق من دكتاتورية صدام حسين وافغانستان من ظلامية طالبان والقاعدة .
وبرغم طغيان خبر الجريمة المروعة هذه على اهتمامات الرأي العام البريطاني، وجد خبر الوليد الصيني سعيد الحظ مكاناً له على الصفحات الاولى للصحف الوطنية والمحلية وفي مطالع نشرات الاخبار التلفزيونية. والخبر عُرض باسلوب ولغة مشحونين بالعاطفة والنزعة الانسانية، فعملية الانقاذ قُدّمت الى الرأي العام بوصفها عملاً مجيداً ومأثرة كبيرة.
بهذه الطريقة يساهم الاعلام في البلدان المتحضرة في تنمية الحس الانساني والذوق الرفيع والحضّ على الفعل الايجابي في الحياة، وهي طريقة تخالف تماماً ما يتبعه اعلامنا وسائر هيئاتنا الاجتماعية، بما فيها الدينية والرسمية. نحن نركز على الاحداث السيئة .. اعلامنا يمجد، مباشرة أو مداورة، أعمال العنف والقوة والاستبداد والطغيان وانتهاك الحقوق والحريات، أو يلتزم الصمت حيالها في أحسن الأحوال .. وهو بذلك يساهم في بناء شخصية سلبية، فردية أو جمعية، لا يصدمها فعل القتل حتى لو كان جماعياً، ولا يسعدها انقاذ انسان أو حيوان من خطر داهم.
عائلة أحد قاتلي الجندي البريطاني اعلنت في بيان ان ابنها البالغ من العمر 28 سنة ، وجرى اقناعه بتحويل ديانته الى الاسلام منذ عشر سنوات، "تعرض لعملية غسيل دماغ" جعلته يخرج عن التقاليد المسالمة لعائلته المسيحية ويتحول الى وحش كاسر. والواقع اننا جميعاً نتعرض الى عمليات غسيل دماغ، يتعاون فيها الاعلام مع الهيئات الدينية والحكومية. وهذا ما يفسر ليس فقط عدم اهتمامنا بخبر مثل انقاذ الوليد الصيني، وعدم الشعور بالصدمة حيال عملية ذبح انسان علناً في أحد شوارع لندن، وانما أيضاً في هذا القبول الجمعي في بلداننا باعمال الارهاب تأييدها وتمجيدها والانخراط فيها.
"المدى" – 30/5/2013