
أردوغان ذو الأظافر والأنياب/ عدنان حسين
الآن يقف أصحاب الاسلام السياسي أمامنا عراة كما ولدتهم أمهاتهم، بكامل عوراتهم وعيوبهم، فلم يعد للاحزاب الاسلامية الأمثولة أو القدوة التي تتقدم بها الى الناس لاقناعهم بامكانية اقامة نظام ديمقراطي وحياة مدنية في ظل الاسلام السياسي.
في بث حيّ ومباشر عرض واحد من أكبر وأهم الأحزاب الاسلامية ما ينقض اطروحة الاسلام السياسي الديمقراطي، ويؤكد في المقابل ان هذا الاسلام السياسي، بمختلف صوره واشكاله ومذاهبه وطوائفه، ليس سوى حركة شمولية لا تحبل الا بالدكتاتوريات ولا تلد غير الدكتاتوريين .
العرض الاسلاموسياسي المبثوث على الهواء مباشرة بالألوان امتدت رقعته من ساحة تقسيم وحديقة غازي في اسطنبول الى متنزه كوجولو في أنقرة الى ساحات وحدائق عدة في مدن تركية أخرى، بل حتى الى العاصمة تونس التي لم يتورع رئيس الوزراء التركي زعيم حزب العدالة الاسلامي رجب طيب أردوغان من الخروج فيها على الأعراف المرعية والتقاليد المتبعة في العلاقات الدولية، باستخدامه هذه العاصمة ومؤسساتها الرسمية ساحة لارسال خطابات التهديد والوعيد الى المتظاهرين السلميين في حدائق مدن بلده وساحاتها، في انعكاس لحال الانفلات العصبي وروح الطغيان المتمكنة منه.
في الشكل وفي المضمون تعامل رجب طيب أردوغان، ومن ورائه حزبه، مع المتظاهرين السلميين بالضبط كما تعامل حسني مبارك والقذافي وبشار الاسد.. ولماذا نقارن حاكماً إسلاميا بحكام علمانيين؟ فقبل اردوغان كان نظام الجمهورية الاسلامية في ايران والنظام الاسلامي في السودان قد لجئا الى العنف المفرط ذاته الذي استخدمه أردوغان عن سابق تصميم في محاولته قمع حركة الحدائق والساحات السلمية. ولن نستثني حكومتنا الاسلامية هي الاخرى، فرئيس وزرائنا الذي يتزعم حزباً اسلامياً عريقاً نطق قبل سنتين بالكلمات نفسها (ارهابيون، مؤامرة خارجية ...) التي رددها اردوغان ضد المحتجين على سياساته. بل ان حاكمنا تجاوز نظيره التركي باستخدام طائرات الهليكوبتر والبلطجية حملة "التواثي" لترويع متظاهري ساحة التحرير وتفريق صفوفهم، إضافة الى تزوير الوثائق والوقائع للحطّ من سمعتهم.
حزب اردوغان الاسلامي ولد وترعرع تحت شمس النظام الاتاتوركي، ولم يضطر للعيش في الأقبية والسراديب السرية، كما الاخوان المسلمين في مصر وسواها وكما الحزب الاسلامي وحزب الدعوة الاسلامية وسواهما من أحزاب الاسلام السياسي عندنا. ومع ذلك تكشف حزب العدالة التركي، وهو اخواني، عن حزب بروح شمولية، في أول اختبار حقيقي لمدى التزامه بالديمقراطية التي حملته الى السلطة، فلديمقراطيته أظافر طويلة وأنياب حادة. وما تراها أن تقدم من ديمقراطية أحزاب الاسلام السياسي المولودة في الظلام تحت أجنحة الانظمة الدكتاتورية، إن في ايران أو مصر أو تونس أو العراق؟
عندما أدرك شيوعيو أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينات واوائل التسعينات من القرن الماضي ان تجربة الحكم السوفييتي قد فشلت، أذعنوا لحكم الحياة وسلّموا مقاليد حكمهم الى المعارضة من دون غازات مسيلة للدموع أو رصاص حي أو مطاطي أو هراوات، وتحولوا الى أحزاب ديمقراطية. والاسلام السياسي لن يفعل شيئاً كهذا كما تؤكد الآن تجربة تركيا ومعها مصر وقبلهما ايران .. ونحن معهم بالطبع.
"المدى" – 16/6/2013
