مالذي حصدته المرأة../ اعداد، حازم كوبي

لعبت المرأة دوراً مركزياًفي احداث الربيع العربي وبالاخص المرأة التونسية ، فهي التي انتفضت ضد نظام زين العابدين في مناطق سيدي بوزيد وكسرينة،خاصةً اللواتي فقدن ابنائهن او ازواجهن حيث نزلن الى الشوارع تظاهراً ضد الظلم رغم مخاطر التعرض للموت.

والآن وبعد اكثر من عامين على قيام الثورة،تثار من جديد المناقشات الحادة حول دور المرأة في العائلة والمجتمع فقد كتبت صحيفة (انترناسيونال كورير) الباريسية وبعنوان بارز (خريف النساء العربيات)ملمحةً فيها الى المخاطر التي تواجه اهداف الثورة وخاصة النساء ومحاولات ابعادهن عن مكانهن الحقيقي .

فهي التي كان لها دورا قوياً وخاصة بعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي ، حيث أُدخل التحديث في المجتمع عام 1956وجرى فصل الدولة عن الدين والغت نظام تعدد الزوجات ومنعت زواج البنت تحت سن الثامنة عشر واخذت بنظام الزواج والطلاق المدني ومساواة المرأة مع الرجل في الحقوق والواجبات ، وفي عام 1973 حصل تطور آخر يتماشى مع العلاقات الاوربية بحق المرأة في الاجهاض ،التي اعقبتها خطوة اخرى تستطيع فيها المرأة المتزوجة ان تدخل المستشفى للاجهاض مجاناً وبدون طلب موافقة الزوج  .

ووفقاً للتقاليد الاوربية المعمول بها ،صدر عام 1987 قانون حقوق عمل المرأة ،كما ان عاملاً اقتصادياً آخر لعب دوراً في تقوية موقعها ، حيث كانت دول السوق الاوربية تخطط لاستراتيجية بأن تكون دول شمال افريقيا منطقة تجارة حرة ، وافقت تونس بالتوقيع عليها عام 1995 والذي دخل حيز التنفيذ في 2008،هذه الاتفاقية التي وسعت الهوة بين الشمال الغني والجنوب الفقير ،ونتيجة البطالة الواسعة في تونس ،نزح الرجال الى المدن الكبيرة وخاصة في القطاع السياحي ،تاركين عوائلهم في الريف، تتحمل المرأة فيها تربية الاطفال وتلبية الحاجات الاقتصادية وادارتها فالرجل عاملاً يكدح في المدينة من جهة ،مقابل عمل المرأة في الريف من جهة اخرى.

لكن وضعها تبدل وخاصة عشية الانتخابات التي جرت عام 2011 بعد الثورة الشعبية التي عمت البلاد ، اسفرت على ضوئها عن فوز حزب النهضة الاسلامي ،والذي لم يكن له اصلاً أي دورفي هذه الثورة ،لكنهم شاركوا في الحكومة المؤقتة والتي بدأوا فيها بتشجيع الانقسامات في صفوف النساء .

وكما يرى المراقبون فان حزب النهضة الاسلامي اخذ يفقد شعبيته كونه يخطط لاسلمة المجتمع من خلال تطبيق الشريعة الاسلامية والتي خلقت اعتراضات مريرة سواءاً على مستوى البرلمان او المجتمع برمته.

وهنا اظهرت منظمات المجتمع المدني التونسية مدى قوتها وتعاطف المرأة في التصدي لاجراءات حزب النهضة ضد القوانين المدنية. ورغم النجاحات يبقى المجتمع وخاصة المرأة التونسية في حالة كفاح ساخنة ،فقد أعلن قبل فترة احد الائمة المصريين بوجوب ختان الصبيات التونسيات  ،كما قام شرطي تونسي بالاعتداء الجنسي ضد إمرأة و لم تٌجرِ محاكمته مبرراً ،ان المرأة كانت ترتدي ملابس مخالفة للآداب.

ورغم ان الحكومة المؤقتة والتي كان عليها ان تقدم استقالتها بعد عام من تشكيلها  وبالتحديد في 23أكتوبر 2012 ،الا انها نجحت وبطريقة مفتعلة بتمديد فترة حكمها بالتماطل وبتأخير عملية اجراء الانتخابات ،مستغلةًالوقت لتخويف المثقفين والفنانين والقوى الديمقراطية من خلال تشجيع المجاميع السلفية بالاعتداء عليهم .وكانت ذروة ذلك عندما اقدمت على اغتيال المعارض الديمقراطي شكري بلعيد في السادس من شباط هذا العام ،والتي أزَمت الوضع في البلاد ،ولم يصدر من الحكومة  وحتى الآن اي توضيح رغم المظاهرات الكبيرة والتي وجهت اصابع الاتهام فيها الى رئيس حزب النهضة رشيد الغنوشي ،المسؤول الاول عن عملية الاغتيال.

فالصراع يجري من اجل اثبات من سيأخذ السلطة بيديه ،بطل الاسلام الدكتاتوري المتمثل برشيد الغنوشي وحمادي الجبالي والذي قضى 17 عاما في السجن تحت حكم بورقيبة وبن علي والذي ينوي الآن ممارسة الانتقام.

وفي هذا الصراع السياسي على مستقبل البلاد ،يحاول حزب النهضة وباستراتيجيةََ ايدولوجية مكثفة، ان يمارس تأثيره وبالاخص على الناس غير المتعلمين او هم في الحدود الدنيا من التعلم وبالتركيز على الارياف ،من اجل كسبهم الى صفوفهم ،وبضمنها  رياض الاطفال والبنات ما فوق سن الثالثة ،وذلك بفصلهن عن الاولاد،وبارتداء ملابس تغطي اجسادهن بالاكراه ،اضافة الى منع اللعب وسماع او عزف الموسيقى.

فالمجاميع السلفية الرجعية المتطرفة والمدعومة من الوهابيين السعوديين يسيطرون اداريا على الكثير من القرى التونسية ومن خلال تسليح ميليشيا تابعة لهم والتي بثت الخوف حتى في صفوف العديد من الشرطة التونسية ،وحسب مايرى المراقبون فان اكثر من نصف المجتمع لايريدون دولة اسلامية ،بل دولة ديمقراطية ذات المجتمع المدني العلماني، تضم في صفوفها الليبراليين اليساريين والمؤمنين بمبادئ الثورة ،التي انطلقت من اجل حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الملحة.

ويمكن للحركة الاجتماعية (دستورنا) أن تلعب دوراً مركزياً ،فهي تمثل القاعدة الديمقراطية للبلاد المساندة للشعب وخصوصاً النساء، بدعمهن وتهيئة الارضية لدولة ديمقراطية تعتمد الاسس العلمانية تنشط فيهاعلى قاعدة جماهيرية ،حيث استطاعت مؤخراً في عام 2012وبمشاركة 650 شخصاً ،بضمنهن 200 من النساء،التي تضم في صفوفها منظمات حقوق الانسان والنقابات هدفه مجتمع يستند على الديمقراطية والحرية .

  فالطرف الذي يبحث عن مستقبل زاهر للمرأة يعلم انه لايمكن فصل ذلك الا بالنضال من اجل دولة دستورها ديمقراطي وعلماني ،وفي المقابل فأن الاسلاميين يريدون دولة تطبق فيها الشريعة الاسلامية .فالمخرج من هذا الوضع ليس سهلاً ،كون الاسلاميين يتلقون مساعدات مالية هائلة من قطر والسعودية ،والتي يُستثمر قسم منها في الحملات الدعائية المنافقة وفي الاوساط الشعبية من منطلق التأثير عليهم ،بعدم الاعتماد على الدول الاوربية كونها دول استعمارية مرفوضة ُمساعداتُها. والحقيقة،فأن دول الاتحاد الاوربي لم تعمل شيئاً ُيذكر بدعم القوى الديمقراطية في تونس ،بل العكس، فقد وقعت الحكومة التونسية مؤخراً وفي نوفمبر الماضي مع الاتحاد الاوربي عقد مشاركة مميز، ببيع تونس من خلال السماح للاستثمارات الاجنبية وفي قطاعات عديدة ومنها الاراضي والعقار.

فالاتحاد الاوربي يبدو متعاطفا بسياسته النيو الليبرالية مع الاسلاميين المحافظيين ،المتشددين ،حيث يلمس المرء عدم الجدية في دعم الاتجاه الديمقراطي،والتي تعني ان مستقبل حقوق المرأة لايبشر بالخيراذا لم يواصلن فرض ارادتهن ذات النفس الطويل.