بين الحراك المصري .... /عزيز العراقي

تظاهرات الشعب المصري يوم 30 حزيران الغير مسبوقة في التاريخ في حجمها وسلميتها , والاهم في وضوح شعاراتها التي توحدت في كلمة " ارحل " للرئيس المصري مرسي وجماعة الاخوان المسلمين اذهلت العالم , وأربكت مواقف الكثير من الدول التي تبنت دعم الاخوان المسلمين , بل وساهمت في التغاضي على تجاوزاتهم , وأساليبهم غير المشروعة في الفوز بالانتخابات الرئاسية , وإصدار الاعلان الدستوري الذي احكم قبضة مرسي على السلطة . وكان في مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الامريكية , ومن جنوب افريقيا اعلن الرئيس الامريكي اوباما في اول رد فعل امريكي تجاه المظاهرات الجبارة في القاهرة وباقي المدن المصرية الاخرى , بان الامريكان طلبوا من الرئيس مرسي ان يستمع الى المعارضة ويستجيب للمطالب التي يتم التوافق عليها .

بعد ثلاثة ايام ادركوا ان المطالبة برحيل الاخوان مطلب الشعب المصري بكل تياراته , بما فيها قطاعات واسعة من القوى الاسلامية المصرية , وليست المسالة متعلقة بالمطالب السياسية للمعارضة والتي تبلورت بسعي الاخوان المسلمين لاختطاف الدولة بكل مؤسساتها وسوقها حسب اهوائهم وبين العلمانيين الذين رفضوا ذلك . الشعب المصري كان يريد اكثر , يريد الخبز , والعيش بحرية وكرامة , ولا يريد ان يكون احدا وصيا عليه , يدافع عن آدميته وتاريخه وحضاراته وتحضره , وتمردوا على السجن الذي اراد الاخوان ان يضعوهم فيه ويمنعهم من التواصل الحضاري الحي مع كل شعوب الارض . وأمام كل هذه المطالب المشروعة والتي عرفها العالم اجمع لحظة بلحظة تراجعت الادارة الامريكية قليلا ايضا , ولم تستطع ان تطلق على تدخل الجيش بعزل مرسي لصالح الشعب ومنع المجزرة التي كادت ان تحدث لو ترك الحبل لصالح الاخوان بالانقلاب العسكري . ولكنها كثفت اتصالاتها بالقيادة العسكرية في محاولة لتثبيت القيادة العسكرية كونها الطرف الاساس المناوئ ( لشرعية ) مرسي , الا ان القيادة العسكرية خلال يومين سلمت السلطة الى قيادة مدنية وسحبت البساط من تحت محاولات جرهم للاستحواذ على السلطة , وتثبيت الادعاء الغربي بان الشعوب العربية والإسلامية غير قادرة على مجارات الديمقراطية وأساليب التحضر والتعايش المشترك بين مكونات شعوبهم .

الموقف الامريكي من الحراك المصري طيلة الاسبوع المنصرم يراوح في مكانه , وفي اليومين الاخيرين اخذت تسرب تقارير على ان المخزون المصري من الحنطة لا يكفي لشهرين في مسعى لإرهاب الشعب المصري , والتهديد بإيقاف المساعدات الامريكية التي اقرت كرشوة للسادات في توقيع اتفاقية كامب دفيد , وتصعيد الضغوط بالمطالبة المباشرة من الامريكان , ورئيس هيئة الامم المتحدة بان كيمون , وبعض دول الاتحاد الاوربي على القيادة المصرية الجديدة , بالكف عن الاعتقالات , وإطلاق سراح القيادات الاخوانية رغم حملهم للسلاح وارتكاب الجرائم بحق العسكريين والناس المسالمين . وهذا يذكرنا بمراوحة الموقف الامريكي من الثورة السورية لأكثر من سنتين بحجة الخوف من سقوط المساعدات للثوار بأيدي ارهابيين , والجميع يعرف ان هذه المراوحة هي التي اجلت انتصار الثورة السورية وأوجدت للمتطرفين الاسلاميين المساحة في عمل الثورة , وأطالت عمر النظام ودفعته لاستخدام جميع الاسلحة التي يمتلكها بما فيها الاسلحة المحرمة دوليا . في سوريا الخوف من الاسلاميين الارهابيين , وفي مصر دعم الارهابيين الاسلاميين , والإخوان هم الام الشرعية لجميع المنظمات الاسلامية المتطرفة .

الحراك المصري كشف التوجهات الامريكية بشكل اوضح من السابق , وبعكس ما ادعت اميركا بأنها تريد نشر الديمقراطية في جميع انحاء العالم , وان الديمقراطية هي الضمان الاكثر جدوى في استتباب امنها وامن باقي الشعوب . الامريكان يركضون وراء مصالحهم , ومصلحتهم تتطلب الوقوف بوجه جميع المحاولات التي تريد ان توجد انظمة وحكومات تستطيع ان تنهض بقدرات وإمكانيات هذه الشعوب , والحقيقة التاريخية تؤكد : ان فلسفة الانظمة الرأسمالية لا يمكنها ان تسمح لهذه الشعوب , ولا حتى لقطاعات واسعة في مجتمعاتها ان تأخذ حقوقها كاملة من دورة الانتاج . فكيف تساعد او تسمح لتطلعات الشعوب وبالذات العربية والإسلامية لامتلاك وحدة مصالحها الوطنية وعدم السماح بنهب ثرواتها . ومثلما حدث في العراق من حل الجيش وإنهاء آخر مؤسسة وطنية تجمع العراقيين رغم كل الملاحظات عليه , ليكون الضربة الاخيرة في انهاء الدولة العراقية والإبقاء على كيان حكومي سياسي هزيل , يضمن استمرار بقاء العراق تحت سطوتهم رغم امتدادات النظام الايراني التي تخدم السياسة الامريكية في اشغال هذه الشعوب بالمسالة الطائفية . الامريكان يسعون لإنهاء هذه الدول , ومثلما نجحوا في العراق يحاولون تكرار هذا النجاح في سوريا رغم استمرار الحرب والخسائر الجسيمة , وفات الامريكان ان مصر تختلف , ومرتكزات الشعب والدولة المصرية ليست بهزال مرتكزات نظام صدام ونظام الاسد البعثيين . والمصريون في حراكهم هذا هم المفتاح الذي اعاد الثقة للأمل المفقود في مجتمعاتنا التي تمزقت بعنف حكامنا طيلة العقود الماضية , وعنف اساليب السياسة الرأسمالية الحديثة .