دور سياسة المؤسسات ../د. نجم الدليمي

المبحث الاول :- المتغيرات الاقتصادية والسياسية الدولية بعد عام 1945 .

                 المطلب الاول :- نشأة وظهور نظام بريتون وودز .

                المطلب الثاني :- اهداف المؤسسات الدولية بين النظرية والتطبيق .

                المطلب الثالث :- اهم المآخذ على سياسة المؤسسات الدولية.

المبحث الثاني :- دور المؤسسات الدولية على واقع اقتصاد دول الاطراف .

                المطلب الاول :- اهم المشاكل الاقتصادية – الاجتماعية في البلدان النامية .

                المطلب الثاني :- النتائج الاقتصادية والاجتماعية لسياسية صندوق النقد الدولي والبنك     الدوليين في البلدان النامية  .

                المطلب الثالث :- من اجل اقامة علاقات اقتصادية عادلة ومتكافئة بين البلدان الراسمالية والبلدان النامية .

الخلاصة :-

      أ – بعض الاستنتاجات .

     ب- بعض المقترحات .

      ج_   دور قوى الثالوث العالمي في قيادة وتوجيه الاقتصاد الدولي

    مصادر البحث

 

مقدمــة

        شهد قرن العشرين احداث سياسية واقتصادية واجتماعية كبرى غيرت ملامح النظام الاقتصادي العالمي ، واصحبت هذه الاحداث ظواهر عالمية وموضوعية ميزت هذا القرن ، ومن اهم هذه الاحداث هو قيام ثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917 . والانتصار على المانيا النازية عام 1945 وظهور منظمة الامم المتحدة وميثاقها الذي اكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها ، وظهور المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية وهي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ، وحصول عدد كبير من بلدان اسيا وافريقيا وامريكيا اللاتينية على استقلالها السياسي ، ونضالها المستمر من اجل الحصول على التحرر الاقتصادي ، واستمرار الصراع والتناقض الموضوعي بين البلدان الراسمالية والبلدان النامية بهدف استكمال ونيل تحررها الاقتصادي والذي يشكل الحجر الرئيسي والاساس للسيادة الوطنية للبلدان النامية ، فبدون التحرر الاقتصادي الحقيقي لامعنى للتحرر السياسي الشكلي .

      لقد استعرضت الدراسة اهمية مؤتمر بريتون وودز  ودوره في ظهور المؤسسات الدولية وما هي الاهداف المعلنة والحقيقية لها ومدى تطابقها مع الواقع الفعلي والموضوعي ، وماهي القوى المحركة والموجهة لنشاط هذه المؤسسات الدولية ، لمن ولمصلحة من ؟ ، وكما تم تحديد اهم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلدان النامية وما هي نتائجها واثرها على اقتصاديات بلدان اسيا وافريقيا وامريكيا اللاتينية ، وكما تم توضيح اهم المآخذ على سياسية المؤسسات الدولية ، واهمية ايجاد نظام اقتصادي دولي جديد يقوم على اسس جديدة وعادلة واثر ذلك على تحديد شكل و مضمون العلاقات الاقتصادية بين المركز والاطراف ، وبينت الدراسة اهم الاستنتاجات والمقترحات من اجل تحديد دور ومكانة المؤسسات الدولية اتجاه البلدان النامية وبما يخدم المصالح الاقتصادية والاجتماعية لجميع الدول

 

 

المبحث الاول : - المتغيرات الاقتصادية والسياسية الدولية بعد عام 1945

المطلب الاول :- نشأة وظهور نظام بريتون وودز .

            قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية ، كانت ملامح النصر واضحة على المانيا النازية وحلفائها ، ولعب الاتحاد السوفيتي دوراً رئيسياً في تحقيق هذا النصر الكبير ، وبسبب ما خلفته الحرب العالمية الثانية خلال الفترة 1939 – 1945 من خراب ودمار وفوضى شملت جميع مرافق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية ، وبسبب ذلك بدء التفكير من قبل قادة البلدان الراسمالية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية من اجل اعادة ما دمرته الحرب العالمية الثانية ووضع الاسس الاقتصادية والمالية والتجارية لاعادة النشاط الاقتصادي للاقتصاد العالمي بشكل عام والاقتصاد الراسمالي بشكل خاص .

      لقد تبلورت فكرة انشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في يوليو من عام 1944 ، وعقد في مدينة بريتون وودز الامريكية مؤتمراً دولياً ضم 45 دولة لمناقشة الوضع الاقتصادي والنقدي للاقتصاد العالمي ووضع الاسس السليمة له ، وكان للولايات المتحدة الامريكية دوراً رئيسياً في انشاء هذه المؤسسات الدولية من خلال الدعوة لعقد مؤتمر بريتون وودز ، ومن اهم نتائج هذا المؤتمر هو ظهور صندوق النقد والبنك الدوليين ، ولعبت الولايات المتحدة الامريكية دوراً هاماً وكبيراً في هذا المؤتمر بسبب نفوذها وهيمنتها السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وظهرت الولايات المتحدة الامريكية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كقوة اقتصادية وعسكرية ، فهي امتلكت اكبر واقوى اقتصاد في العالم واكبر دولة دائنة في ذلك الوقت ، ويعود السبب الرئيسي في ذلك ،  الى انها لم تدخل الحرب العالمية الثانية الا مؤخراً وكان اقتصادها يتطور ويزود الحلفاء وغيرهم بالسلاح والغذاء والدواء ... مما ساعد ذلك على ان تحصل امريكا على الذهب و بكميات كبيرة بسبب تصديرها للانتاج الغذائي والدوائي والحربي .

      يقول الباحث والمفكر الامريكي نهوم شومسكي لقد " اصابت الحرب العالمية الثانية معظم منافسينا الصناعيين بالضعف الشديد ، او حتى دمرتهم تماماً ، بينما تضاعف انتاجنا ثلاث مرات ، ولم تتعرض حدودنا لاي هجوم ... وبعد الحرب حازت على 50 % من ثروات العالم ... بينما كانت خسائرها البشرية متواضعة جداً بالمقارنة مع ماقدمه العالم "1 . في حين قدم الاتحاد السوفيتي في حربه العادلة ، الحرب الوطنية العظمى للفترة 1941 – 1945 ما بين 27- 30 مليون شخص .

 ان من ابرز معالم التطور في النظام الاقتصادي الدولي هو ظهور اتفاقية بريتون وودز والذي على اساسها تم انشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ويكمن الجوهر الريئسي لهذه الاتفاية في الاتي :-

1-    العمل على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنقدي والتعاون الاقتصادي بين الدول وعلى أسس عادلة تخدم جميع الدول .

2-    ملء الفراغ الذي نشأ بعد انهيار قاعدة الذهب والعمل بالدولار كعملة دولية رئيسية .

3-    لقد جاءت هذه الاتقافية كرد فعل للفوض الاقتصادية والنقدية والتقلبات الحادة في اسعار الصرف ، ومالذلك من اثار سلبية على اقتصاديات الدول  .

4-    لقد عبرت هذه الاتفاقية من حيث المبدأ عن المصالح الاقتصادية والطموحات السياسية للولايات المتحدة الامريكية بالدرجة الاولى ، بهدف الاسحتواذ على ثروات الشعوب وقيادة العالم ومن خلال هذه المؤسسات الدولية ووفقاً لمصالحها السياسية والاقتصادية والايديولوجية .

       لايختلف صندوق النقد الدولي عن البنك الدولي من حيث المبدأ ، لا في النشأة ولا في الادارة  و لا في الطبيعة الاقتصادية – القانونية ، فالاختلاف ان وجد فهو شكلياً ، فالدول الاعضاء في صندوق النقد الدولي هي نفسها اعضاء في البنك الدولي وان طريقة التصويت والحصول على القروض ... هي واحدة ، وهذه المؤسسات الدولية وجهان لعملة واحدة ولايختلفان من حيث الجوهر .

       ان هذه المؤسسات الدولية كانت ولاتزال تعمل لصالح الاقتصاد الرأسمالي العالمي بشكل عام والاقتصاد الرأسمالي الامريكي بشكل خاص ، والعمل على تصدير الرأٍسمالية كنموذج اقتصادي – اجتماعي للبلدان النامية وعبر أساليب مختلفة وغير ديمقراطية من خلال فرض سياستها الاقتصادية ومن خلال عناوين مختلفة ومنها (( سياسة الانفتاح الاقتصادي )) و (( سياسة العلاج بالصدمة )) وغير ذلك .

       كانت ولاتزال الولايات المتحدة الامريكية اللاعب والمهيمن الرئيسي على ادارة وتوجيه هذه المؤسسات الدولية ، وعلى مايبدو سيبقى هذا النهج اللاديمقراطي في المستقبل المنظور بدليل ان((صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، قد قاما كمؤسستين خاضعتين لسيطرة الولايات المتحدة ، كجهتين متحدتين لخدمة سياستها الاقتصادية العالمية ، وحتى كذراعين لنظام عالمي جديد متميز بامبريالية اكثر براعة وفاعلية )) 2.

       ان الغرض الرئاسي من تأسيس هذه المؤسسات الدولية هو العمل على تحقيق مهام رئيسية الا وهي بسط الهيمنة الاقتصادية والفكرية والسياسية على العالم وتحقيق مصالح الولايات المتحدة الامريكية من اجل قيادة العالم ، وبهذا الخصوص يؤكد خبير الاستراتيجية الاميركية في معهد السياسة العالمية في نيويورك بنجامين ان((الاهداف الكبرى للسياسية الاميركية هي العمل على جعل العالم كله سوبر ماركت امريكي))3.

       لقد كان الهدف الاخر لقيام هذه المؤسسات الدولية ، وهو تجنب وعدم تكرار السياسات الاقتصادية الفاشلة التي افرزتها الازمة الاقتصادية العالمية خلال الفترة 1929 – 1933 من القرن الماضي الا ان قادة الغرب الراسمالي ومؤسساتهم الدولية قد اخفقوا في منع ظهور الازمات المالية والاقتصادية في نظامهم الراسمالي ، بل نجحوا في التكيف مع هذه الازمات وترحيلها واشراك دول الاطراف في ازماتهم ، وان السبب الرئيسي في ظهور الازمات وتكرارها هو انها نابعة من الاساس الاقتصادي لهذا النظام القائم على الملكية الخاصة الاحتكارية لوسائل الانتاج ، وبهذا الخصوص يشير غارودي (( في سبيل الحفاظ على رخاء الولايات المتحدة ، تتبع سياسية اجبار الاخرين على الحد من المواليد ومنع تكاثرهم (حسب نصيحة كيسنجر) ويقال لهم انكم فقراء لانكم تنجبون اطفالاً كثيرين . والحقيقة انتم فقراء بسبب نهب الاستعمار لثرواتكم وخلخلة بني اقتصادياتكم ، وان مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي والجات ، تواصل هذا العمل بالاحتفاظ بمبادلات لامتكافئه في تقسيم العمل العالمي ، وبفرض نماذج تنميه على بلدان الجنوب ، وانظمه سياسيه لاتستجيب سوى لمصالح الشمال )) 4.

يشير نيلسون اروو جودي سوزا الى ان اتفاقية بريتون وودز قد (( رسخت هيمنة الولايات المتحده الامريكيه في المعسكر الراسمالي .... ونقطة الانطلاق للتوسع الامبريالي العالمي )) 5 . وكما يؤكد سوزا الى ان ((صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين يعتبران في الواقع ، مجرد تابعيين للولايات المتحده واحتكاراتها)) 6 .

 

 

المطلب الثاني :- أهداف المؤسسات الدوليه بين النظريه والتطبيق

         أن النظام الاقتصادي هو الذي يحدد طبيعة وهدف النظام السياسي الحاكم ، وان الاهداف الاقتصاديه والماليه والاجتماعيه يتحدد شكلها ومضمونها بالنظام السياسي القائم ، وهذا يعكس العلاقه الوثيقه والمترابطه والمتبادله بين السياسه والاقتصاد ، فالاقتصاد هو تعبير مكثف عن السياسه .

     ان سياسة واهداف المؤسسات الدولية و المتمثلة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجاره العالميه لهما اهداف مشتركه ومكمله بعضها للبعض الاخر بالرغم من انها مؤسسات دوليه متخصصه ، فمثلا صندوق النقد الدولي مؤسسه دولية مركزية تهتم بالنظام النقدي الدولي .... والبنك الدولي يهتم بمكافحة الفقر وتقديم القروض طويلة الاجل للمشاريع الانتاجية ، ومنظمة التجارة العالمية متخصصة بشؤون التجارة العالمية وهي تمثل سلطة عليا وعالمية وهي في خدمة مصالح الشركات العابرة للقارات من حيث المبدأ وتتصف قراراتها وسلطتها بالديكتاتوريه على الصعيد الدولي ، وهي تمثل احتلالاً اقتصاديا وتجارياً وحتى سياسياً ولكن بشكل ( سلمي ) و ( ديمقراطي ) على الدول الاعضاء ، وهذا ايضا ينطبق على قرارات وسلطة صندوق النقد والبنك الدوليين من حيث المبدأ والجوهر بدليل ان (( صندوق النقد الدولي قد تحول من وسيله للتعامل وفق معدلات التبادل ودفع ، بين الدول الصناعية بشكل اساسي الى اداة لسيطرة العالم الاول ( المقصود العالم الراسمالي ) على السياسه الاقتصاديه للعالم الثالث )) 7 .

ان الثالوث العبودي العالمي والمتمثل بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية يمثل الركن والذراع الرئيس الاقتصادي والسياسي والايديلوجي للنظام الامبريالي العالمي ، وهو الممثل والمدافع عن مصالح هذا النظام بشكل عام وعن مصالح الامبريالية الامريكية بشكل خاص . هناك تناقض بين الاهداف المعتلة والاهداف الحقيقية والمطبقة على ارض الواقع لهذه المؤسسات الدوليه ، وبنفس الوقت هناك اهداف مشتركة لهذه المؤسسات الدولية ، وهناك اهداف خاصة لكل مؤسسه دولية ، ولكن هذا التناقض او الاختلاف والتخصص لن يؤثر على الاتجاه العام لسياسة هذه المؤسسات الدولية فادوارهما مكمله بعضها للبعض الاخر .

 

 

ان من اهم الاهداف الرئيسه والمعتلة لصندوق النقد والبنك الدوليين تتمثل في الاتي :-

1.     تشجيع وتنمية التعاون الدولي في المجالات النقدية والاقتصادية التي تواجه الاقتصاد الدولي .

2.     العمل على تحقيق استقرار اسعار الصرف .

3.     العمل على تطوير وتوسيع التجارة الدولية ، وتحقيق النمو المتوازن للمساعدة على تحقيق مستويات عالية من العمالة والدخل وتنمية الموارد الانتاجية .

4.     العمل على تحقيق الاستقرار النقدي على الصعيد الدولي .

5.     تقديم المساعده الفنية والمشوره وفي شتى المجالات المالية والاقتصادية .

6.     تقديم قروض قصيرة الاجل ومتوسطة الاجل لاغراض متعددة وفي مقدمتها معالجة الاختلال سواء في الميزانية او ميزان المدفوعات .

7.     العمل على توفير الثقة للدول الاعضاء بجعل موارد صندوق النقد الدوليين متاحة للدول الاعضاء وفق شروط محددة .8

   ان تحقيق هذه الاهداف وغيرها يتم عبر وظيفتين رئيسيتين وهما وظيفة تمويلية اي تقديم القروض للدول الاعضاء وفق شروط محددة وقاسية ، اما الوظيفه الثانية ، فهي وظيفة رقابية وتعني المحافظة على استقرار سعر الصرف ومراقبة النظام النقدي الدولي وتقديم المشورة في السياسية النقدية للدول الاعضاء .

الاهداف الفعلية :-

يشكل صندوق النقد والبنك الدوليين ادوات اقتصاديه وايديولوجية رئيسية للنظام الامبريالي العالمي والهدف الرئيسي لهذه المؤسسات الدوليه يكمن بالاستحواذ والسيطرة على ثروات الشعوب والسيطرة على العالم وقيادته من قبل الامبريالية الامريكية .

 

اولا :- الهيمنة الفكرية :-

     تعني الهيمنة الفكرية ( الايديولوجية ) هو سعي هذه المؤسسات الدوليه الى تصدير الراسماليه كنظام سياسي واقتصادي – اجتماعي للدول الناميه وغيرها من البلدان وباساليب متعدده وتحت ذرائع واهية وخادعة ، فقد تم تقويض الجزء الهام من المعسكر الاشتراكي والمتمثل بالاتحاد السوفيتي ودول اوربا الشرقية تحت ذرائع (( حقوق الانسان والديمقراطية والتعددية )) وتم تحقيق الهدف اللامشروع ولعب العامل الخارجي الدور الرئيسي والفاعل والموجه للعامل الداخلي ، ولعب (( عملاء النفوذ )) في قمة الحزب والسلطة السوفيتية والخيانة العظمى لغورباتشوف دورا رئيسياً في تقويض الاتحاد السوفيتي ، واعتبر( منظروا ) الغرب الراسمالي ( بانتصار ) الليبرالية وهذه هي نهاية التاريخ ، فنهاية التاريخ هي بناء المجتمع اللاطبقي ، المجتمع الذي يحقق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وعلى اسس علمية وتكنولوجية متطورة ، مجتمع يخلو من الحروب والفقر والمجاعة والبطالة ، مجتمع يتحقق فيه السلام والعمل والحرية والمساواة والرفاهية للجميع وبدون تمييز ، فالراسماليه ليس لها مستقبل  بل الاشتراكيه هي مستقبل البشرية .

ثانيا :- الهيمنة المالية :-

    ان الهدف الرئيسي للمؤسسات الدولية هو الاستحواذ المستمر واللامشروع على ثروات الشعوب وخاصة شعوب بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وافقارها واذلالها والعمل على استثمار رؤوس اموال هذه الدول و خاصة الغنية منها لصالح الاقتصاد الراسمالي وقبول الودائع المالية وخاصة من البلدان المنتجه للنفط بهدف تعظيم الارباح لصالح الطغمة المالية والتحكم بهذه الاموال من قبل البنوك والشركات الغربية وبما يخدم مصالحها في ظل غياب التكافؤ في العلاقات الاقتصادية والمالية ، وتصريف مؤقت لازمة نظامهم الراسمالي .

ثالثا :- الهيمنة الاقتصادية :-

    ان الهدف المعلن لصندوق النقد والبنك الدوليين اتجاه البلدان النامية هو تقديم المساعده للدول الاعضاء في هذه المؤسسات الدولية لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتقديم القروض ومعالجة الاختلال في الميزانية الحكومية والميزان التجاري وميزان المدفوعات ... الا ان واقع الحال والفعلي لم يتم الالتزام به وتطبيق اهدافه فالذي حصل هو ان هذه الدول تحولت الى بلدان مصدرة لاهم الموارد الطبيعية ( نفط غاز...) والايدي العاملة الماهرة ، وبنفس الوقت تحويلها الى سوق لتصريف ((فائض)) الانتاج الراسمالي بهدف الحصول على الارباح الخيالية ، ودفع هذه البلدان في فخ المديونية الخارجية ، وتكريس التبعية والتخلف للاقتصاد الراسمالي، واصبحت العلاقه بين المركز والاطراف هي علاقة منتج ( البلدان الراسمالية ) مستهلك ( البلدان الناميه ) ، وان كل هذا وغيره قد ساعد البلدان الراسمالية من فرض هيمنتها الاقتصاديه على البلدان النامية ، وان الراسمالية لايمكنها ان تنمو وتتطور الا من خلال الاستحواذ والهيمنة وغزو الاسواق الخارجيه من اجل تصريف انتاجها ((الفائض)) والحصول على الارباح ، فالراسمالية تموت وتفنى بدون السيطرة على الاسواق الخارجية وبدون حروبها غير العادلة .

ان تنفيذ هذه السياسة الخطيرة من قبل المؤسسات الدولية واستمرارها اتجاه البلدان النامية تم ويتم من خلال ((اصدقاء)) و ((حلفاء)) الغرب الراسمالي ومؤسساتة الدولية في هذه الدول ، وان هؤلاء يحتلون مواقع هامة وكبيرة في هرم السلطة التنفيذية والتشريعية ، ويشير وليمون الى ان ((طبقة من العلماء الاقتصاديين في هذه البلدان ممن تدربوا في الغرب وطبقوا تحليلاً معيارياً تقليدياً تسنموا مناصب وزارية هم الذين ادخلوا في الغالب اصلاحات سياسية – اقتصادية ضخمة بخصوص كبح دور الدولة وزيادة الاعتماد على اليات السوق )).9

جوهر وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين :-

    ان تحقيق الاهداف الفعلية لصندوق النقد والبنك الدوليين يتم من خلال تطبيق وصفة هذه المؤسسات الدولية ومن خلال ((حلفائهم )) و ((اصدقاؤهم )) في البلدان النامية ومن ((عملاء النفوذ))وهم في اهم المواقع الادارية في السلطة ، وان تنفيذ هذه الوصفة ((السحرية))في البلدان النامية قد تم وتحت مسميات عديدة ومنها مايسمى ، بسياسة الانفتاح الاقتصادي وسياسة مايسمى العلاج بالصدمة وغيرها من التسميات الاخرى ويكمن جوهر هذه الوصفة في :-

1.     العمل على تطبيق ليبرالية الاسعار وليبرالية التجارة .

2.     العمل على تنفيذ برنامج مايسمى بالخصخصة سيئ الصيت في شكلة ومضمونة .

3.     العمل الجاد على تخفيض الدعم الحكومي وبالتدريج للقطاعات الانتاجية (زراعة ، صناعة) والخدمية (تعليم ، صحة ....) وفي النهاية رفع نهائي للدعم لهذه القطاعات .

4.     ينبغي ابعاد دور الدوله الاقتصادي والاجتماعي من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعمل على اضعاف قطاع الدولة وخاصة في القطاعات الانتاجية .

5.     ينبغي العمل على تعزيز دور ومكانة القطاع الخاص الراسمالي في الحياة الاقتصادية .

6.     من الضروري ان تتم معالجة الحجوزات المالية سواء في الميزانية الحكومية او غيرها من خلال تخفيض الانفاق الحكومي على القطاعات الانتاجية والخدمية وتطبيق سياسة التقشف سيئة الصيت ، وان المتضرر الرئيسي من هذه السياسة المالثوسية هم الفقراء الذين يشكلون الغالبية العظمى في هذه الدول .

7.     العمل على ايجاد سوق حرة للنقد الاجنبي ومن دون رقابة واشراف بين الدول ، اي حرية الانتقال للنقد الاجنبي .

8.     العمل على خلق طبقة رأسمالية في البلدان النامية وكذلك العمل على تكوين طبقة متوسطة في هذه البلدان وهم فشلوا في تحقيق ذلك ، بل ظهرت فئه طفيلية تابعة ومتخلفة ،ناهبة وسارقة لثروة الشعب وبشكل غير شرعي ومرتبطة بالغرب الامبريالي ومؤسساته الدولية وان مصالحها مترابطة ومتشابكة من الناحية السياسية والاقتصادية مع البلدان الراسمالية ومؤسساتها المالية والاقتصادية الدولية .

ان هذه الوصفة (( السحرية )) تحمل طابعا طبقيا وايديولوجيا ، تهدف الى تصدير الراسمالية كنظام اجتماعي-اقتصادي الى البلدان النامية باساليب متعددة وان هذه الوصفة لن تحضى بتأيد وقبول من قبل الغالبية العظمى من شعوب البلدان النامية ولا حتى من قبل شعوب رابطة الدول المستقلة                      ( جمهوريات الاتحاد السوفيتي ) ولا من قبل شعوب دول اوربا الشرقية بدليل ان (( عدد المواطنين النافرين من اقتصاد السوق في تزايد مستمر ... وان هؤلاء المواطنين قد صاروا يتحفظون عن الاطار السياسي المناسب لاقتصاد السوق وعن الديمقراطية ... واننا نشهد فزعاً من اقتصاد السوق المحررة من القيود )) 10 .

ان تطبيق وصفة المؤسسات الدولية سواء تم ذلك بالتاثير او الضغط او التهديد الاقتصادي ، او بتقديم الوعود المالية والمناصب الادارية في السلطة (( لحلفائهم – اصدقاؤهم )) فان هذا النهج اللاديمقراطي يعني احتلال البلد(( سلمياً )) سواء كان ذلك بشكل مباشر او غير مباشر لغالبية البلدان النامية ، ومن اهم افرازات واخطار هذه الوصفة المشعوذة هي انها اشاعت الفوضى والخراب الاقتصادي والاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي في هذه البلدان وتم اضعاف السيادة الوطنية والقرار الوطني لهذه الدول .

يشير فريدمان (( لم تعد امريكا بحاجة لان تحتل دولة عسكريا ، فالاحتلال يمكن ان يحدث فعلا بالثقافة والاقتصاد والتكنولوجيا وبمنظومة القيم )) وكما يؤكد فريدمان ان (( من يتمرد فسيتعرض كما  تعرضت له اندونيسيا وماليزيا وتايلند والهند ، عندما انطلقت كلاب الصيد ، تهتك سمعتها ، وتكالب عليها (( القطيع الالكتروني ))مغتصبا ثرواتها مستخدما قوة صندوق النقد الدولي ووزارة الخزانة الامريكية ... ))11 .

البنك الدولي :- اهدافة بين النظرية والتطبيق :-

تاسس البنك الدولي على اساس معاهدة بريتون وودز عام 1944 ، ويظم عدة مؤسسات متخصصة ومنها : وكالة التنمية الدولية ، ومؤسسة التمويل الدولية ، ووكالة الضمان الاستثمارية المتعددة الجوانب ،والمركز العالمي لحل النزاعات الاستثمارية ويظم في عضويتة 184 دولة .

ان من اهم الاهداف المعلنة للبنك الدولي والتي تمثلت في مكافحة الفقر وتطوير المشروعات الانتاجية ، وتقليل التفاوت الاقتصادي – الاجتماعي بين الدول على الصعيد الدولي وعلى صعيد كل دولة ومعالجة العجوزات المالية وتخفيض اعباء الديون الخارجية للدول النامية ، وتشجيع الاستثمار الاجنبي مع توفير الضمانات القانونية له ، والعمل على تعزيز النمو المتوازن الطويل الامد للتجارة العالمية وغيرها من الاهداف .12

هناك اهداف مشتركة بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وفي نفس الوقت فأن هذه الاهداف تحمل طابعا متناقضا بين النظرية والواقع الموضوعي الملموس اذ يؤكد ريتشارد بيت((وعلى النقيض من مزاعم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ساءت الى حد كبير... اوضاع الفقراء ومعظم قطاعات المجتمع بسبب فوضى اسواق العمل والحد من انفاق الدولة في مجال الخدمة الاجتماعية ولاسيما في التعليم والصحة)) 13.

ان سياسة التخريب الاقتصادي والاجتماعي المخططة والمنظمة لهذه المؤسسات الدولية اتجاه بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ورابطة الدول المستقلة ( جمهوريات الاتحاد السوفيتي ) وخاصة روسيا ودول اوربا الشرقية وعلى مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماية والثقافية والايديولوجية اضحت واضحة للعيان وبالملموس ولايمكن لاحد انكار ذلك ، بدليل ان ما حدث في (( بنجلادش هذا البلد صاحب الكثافة السكانية العالية ، والموارد الشحيحة ، كان يعتمد على زراعة وتصنيع الجوت ، للحصول على العملات الاجنبية ، والحبوب لسد حاجة الشعب ، فجاءت قرارات صندوق النقد الدولي ، بتنظيم هيكلية الاقتصاد ، مشترطا اغلاق ثلث المنشأت العامة وحتى الخاصة ، وتسبب هذا في فصل اكثر من 35 الف عامل . وتحت مسمى (( المعونة الغذائية الامريكية )) لبنجلادش ، استخدمت امريكا برنامج (( العمل مقابل الغذاء)) ( يشبه البرنامج السيئ الصيت الذي فرضته امريكا على الشعب العراقي تحت مسمى ((النفط مقابل الغذاء ))  والذي ينفذ تحت اشراف وكالة المعونة الامريكية , لتمويل مشاريع الاشغال العامة , لم تدفع امريكا اجورا للعمال , بل راحت تدفع له قمحاً امريكياً . ولو اشترت القمح من السوق المحلية لقدمت تشجيعا للمزارعين ، وعملة اجنبية لبنجلادش ، ولكنها اختارت غير ذلك وخربت  زراعة الحبوب ، وهذا ماتفعله في شمال العراق وجنوبه ووسطه ،فلا تشتري في مشروع ((النفط مقابل الغذاء)) شيئا من السوق المحلية ،مما سبب ضربة للفلاحين والمزارعين ، واليوم تغرق العراق بالسجاير الامريكية  ،علما بان شمال العراق يزرع كميات كبيرة من التبغ لاتجد اليوم من يشتريها  وما يحدث ((في كل من الصومال وجنوب الصحراء الافريقية ورواندة وشرق وجنوب اسيا مثل الهند وفيتنام وامريكا اللاتينية ))14 ،الادليل وبرهان على النهج التخريبي من قبل هذه المؤسسات الدولية اتجاه اقتصاديات البلدان النامية واقتصاديات رابطة الدول المستقلة وخاصة روسيا الاتحادية ، ناهيك عن اقتصاديات دول اوربا الشرقية .

لقد فشلت قوى الثالوث غير المقدس في تحقيق اهدافها المعلنة في البلدان النامية وحتى في البلدان الرأسمالية وفي مقدمة تلك الاهداف مكافحة الفقر والبطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في هذه البلدان ، وكما شوهت هذه المؤسسات الدولية عملية التطور الاقتصادي والاجتماعي من خلال تعميق التفاوت في الثروات والدخول على صعيد الدول والافراد في ان واحد ، ففي عام 2008 وصل عدد المليارديرية في العالم 1125 ملياردير وبلغت ثروتهم 4 تريليون و 400 مليار دولار ، وان اجمالي ثروة اغنى الاغنياء تساوي على وجه التقريب مجمل الدخول التي يحصل عليها في عام واحد نحو 3 مليار شخص ، اي التي يحصل عليها مجمل سكان الهند وباكستان وبنغلادش وتايلاند وماليزيا وفيتنام والفلبين والقارة الافريقية برمتها 15 .، وفي عام 2010 وصل عدد الميليارديرية في العالم 1110 ملياردير وبلغت ثروتهم 3 ترليون و600 مليار دولار 16 . ان عملية التطور الاقتصادي – الاجتماعي وخاصة في مرحلتها المتقدمة الاوهي الامبريالية تلازمها التشوه وتعميق الهوة الاقتصادية – الاجتماعية في المجتمع وهذه هي صفة ملازمة وحتمية لهذه التشكيلة بدليل ان الثروة الكلية لأغنى 200 شخص في العالم لعام 2000 وصلت الى تريليون دولار ، بينما وصل دخل 285 مليون شخص يعيشون في افقر 34 دولة في العالم الى 167 مليون دولار ، وان الناتج المحلي الاجمالي لافقر 84 دولة في العالم يعيش فيها ربع سكان الارض اقل من الثروة الكلية لاغنى ثلاثة اشخاص في العالم ، وحوالي نصف سكان العالم ، اي ثلاثة مليارات شخص يعيشون على ماهو اقل من دولارين في اليوم كدخل ثابت ، ويوجد حوالي مليار شخص في العالم دخلوا القرن الحادي والعشرين وهم غير قادرين على القراءة والكتابة وحتى التوقيع باسمائهم ، ويوجد حوالي 7 مليون طفل في العالم يموتون سنوياً بسبب الفقر وازمة الديون 17 .

ان المواطن في البلدان الرأسمالية فاقداً لكثير من حقوقه الاساسية وفي مقدمتها حق العمل المشروع له ، وفي ظل غياب هذا الحق يتزايد معدل البطالة وبالتالي يتزايد معدل الفقر ، وان الرأسمالية لم تعطي اهمية جدية لهذه المشاكل ، وان الانسان ليس له قيمة واحترام لاهم حقوقه ، فالحيوان يفضل على الانسان بدليل ينفق الغرب الأمبريالي على ((اطعام القطط والكلاب في اوربا وامريكا مبلغاً سنويا يتجاوز 10 مليار دولار ، وهذا يكفي لاطعام جائعي العالم ))  وان ((الغرب ولاسيما الولايات المتحدة هي المهندس الاكبر لفقر العالم )) 18 . وان ((مايهم الولايات المتحدة الامريكية هو استقرار وتأمين الطبقات العليا والمستثمرين الاجانب ، واي نجاح اجتماعي واقتصادي خارج ذلك يمثل نموذجاً خطراً يجب تدميره قبل انتقال عدواه )) 19 .

يؤكد ورويك موراي ان ((ثلاثة ارباع سكان العالم غير محظوظين ،ويجد غالبية انفسهم في ظروف فقيرة غير صحية مع القليل من الامن الاقتصادي . كثير من فقراء العالم يعيشون في مناطق قروية في العالم الثالث )) وكما يؤكد ايضا ((يعيش في الالفية الجديدة 1،3 مليار من الناس على اقل من دولار اميركي واحد في اليوم ، واكثر من 800 مليون شخص يعانون من سوء التغذية ، و 840 مليونا اميون ، ويفتقر 1،2 مليار نسمة الى المياه الصالحة للشرب)) 20 .

جدول رقم (1)

نسبة التفاوت في الدخول بين اغنى الدول وافقرها  21 .

السنة

نسبة التفاوت

1820

3:1 ضعف

1950

35:1 ضعف

1973

44:1 ضعف

1990

150:1 ضعف

 

 

 

 

 

 

 

جدول رقم (2)

مقدار التفاوت في الدخول بين الاغنياء والفقراء 22 .

الفترة

مقدار التفاوت

فترة الستينات

30:1 مرة

فترة السبعينات

60:1 مرة

فترة التسعينات

90:1 مرة

عام 2003

290:1 مرة

 

أن الراسماية تولّد وتنتج الفقر والاذلال ، والعوز والتخلف وانحطاط المستوى المعاشي للغالبية العظمى من المواطنين وبهذا الخصوص يؤكد جوزيف ستكلتز لقد (( كانت النتيجة في العديد من الشعوب الوقوع في مهاوي الفقر ، وفي العديد من البلدان فوضى اجتماعية وسياسية ، فصندوق النقد الدولي – مثلا – ارتكب اخطاء في جميع الميادين التي يشارك فيها سواء في التنمية وادارة الازمة في البلدان المتحولة من الشيوعية الى الراسمالية ))23.

يشير ستكلتز على حقائق موضوعية والتي تعكس تنامي العوز والفقر في البلدان التي طبقت سياسة صندوق النقد والبنك الدوليين ، اذ يوجد 2,8 مليار شخص يعيشون على اقل من دولارين يوميا ، اي اكثر من 45 بالمئة من سكان العالم ، وان الفقر كظاهرة اجتماعية – اقتصادية تتزايد باستمرار ،بدليل في عام 1990 قدر عدد الفقراء الذين يعيشون على اقل من دولارين في اليوم 2,718 مليار شخص ثم زاد العدد الى 2,801 مليار شخص عام 1998 24 ، وهذه الظاهرة في تزايد مرعب وبشكل مستمر ، وهذاهو الجوهر الرئيس للنظام الامبريالي العالمي .

ان مخططو السياسة الاقتصادية والمالية للمؤسسات الدولية في البلدان الراسمالية هم من اكثر الفئات البيروقراطية والطفيلية وفشلو في وضع المعالجات الجذرية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلدان النامية والسبب الرئيس يعود الى ان هؤلاء ((الخبراء)) يضعون سياسات اقتصادية واجتماعية للبلدان النامية لاتنبع ولا تتلائم ولاتتطابق مع واقع وحاجات وتطلعات شعوب البلدان النامية وبالتالي دفعوا هذه البلدان وشعوبها الى مآزق خطيرة لها بداية وليس لها افق قريبة للحل الجذري ، بدليل يوجد اكثر من مليار عاطل عن العمل وهذا يشكل ثلث قوى العمل الدولية وان علاقة المؤسسات الدولية وخبرائها بالبلدان النامية علاقة السيد / الاقطاعي بالعبد / الفلاح .فعلى سبيل المثال (( عندما يقرر صندوق النقد الدولي مساعدة دولة ما ، يرسل (بعثة) من الخبراء الاقتصادين يفتقرون الى خبرة واسعة عن الدولة ، فهم على الارجح لهم معرفة مباشرة بفنادق الخمس نجوم من معرفتهم للقرى )) 25 .

 

المطلب الثالث :- اهم المآخذ على سياسة المؤسسات الدولية :-

ان تاسيس صندوق النقد والبنك الدوليين جاء بهدف معالجة الاثار الاقتصادية والاجتماعية التي سببتها الحرب العالمية الثانية بالاقتصاد الاوربي وكذلك العمل على معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلدان النامية . ان الاهداف المعلنة لهذه المؤسسات الدولية هي مشروعة وسليمة الا انه لم يتم الالتزام بها من حيث التطبيق ، فالتنظير للاهداف المعلنة شيء والتطبيق الفعلي لسياسات هذه المؤسسات  شيء اخر ، وتحمل هذه المؤسسات الدولية في نشاطها طابعاً متناقضاً في الشكل والمضمون ، ويعود السبب الرئيسي الى ان هذه المؤسسات الدولية كانت ولاتزال تعمل لصالح الاقتصاد الراسمالي العالمي وانقاذه من ازماتة الحتمية بشكل عام ولصالح الاقتصاد الامريكي بشكل خاص ، وليس لصالح اقتصاديات البلدان النامية ، وهذا هو طابع وجوهر التناقض لهذه المؤسسات الدولية .

ان من اهم الماخذ على السياسات الاقتصادية لصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية هي الاتي :-

1. تسعى وتهدف هذه المؤسسات الدولية الى فرض مايسمى بسياسات الاصلاح الاقتصادي وتحت عناوين ومسميات متعددة ومنها سياسة الانفتاح الاقتصادي ، وسياسة العلاج بالصدمة ...، وان هذه السياسات ماهي الاسياسات مؤدلجة ومنحازة لصالح الطبقة البرجوازية في البلدان النامية وحلفاؤهم في البلدان الراسمالية ، وان هذه السياسات غير ديمقراطية لانها مفروظة ومشروطة وتعمل بالضد من مصالح الغالبية العظمى من شعوب البلدان النامية ، وكما تهدف هذه السياسات الى اضعاف ثم تصفية دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والغاء دور ومكانة قطاع الدولة وبنفس الوقت تعزيز دور ومكانة القطاع الخاص الراسمالي وربطه بالاقتصاد الراسمالي .

2. ان سياسة القروض ومايسمى بالمساعدات المالية الممنوحة من قبل المؤسسات الدولية للبلدان النامية دائما تكون مشروطة بشروط صعبة وقاسية ومعظم هذه القروض تتوجه نحو تطوير قطاع الخدمات وقطاع الاستخراج بالدرجة الاولى وليس تطوير القطاعات الانتاجية اي القطاع الصناعي والقطاع الزراعي ، وهذه السياسة تصب في خدمة مصالح  الشركات الاحتكارية لرأسمالية العالمية في البلدان الرأسمالية ،ناهيك عن ارتفاع سعر الفائدة على القروض المقدمة للبلدان النامية ، مما حمل هذه البلدان اعباء مالية كبيرة وادخلها في مآزق مالية مرعبةً ، واصبحت هذه الدول تواجه صعوبات جدية في دفع خدمة الدين ناهيك عن الديون نفسها ، وكما تمارس هذه المؤسسات الدولية في تكريس سلطتها الدكتاتورية من خلال استخدامها للادوات السياسية والمالية والاقتصادية الكبيرة على البلدان النامية الراغبة في الحصول على القروض او مايسمى بالمساعدات في فرض (حق) الاشراف والتدخل المباشر على طريقة وتوجيه وانفاق هذه القروض وحسب اهدافها ومصالحها ، وهذا يعد تدخلاً مباشراً في الشؤن الداخلية لهذه الدول وهو ايضا مخالف لمبدأ الديمقراطية والتكافؤ في العلاقات الاقتصادية الدولية ، ومما يؤكد ذلك ((فيما يتعلق بالمؤسسات المالية والتجارة العالمية يوجد اجماع واسع للرثاء على فقدانها للشرعية الديموقراطية)) وان هذه المؤسسات واقعة((تحت تأثير الاوساط المالية الامريكية وعقدة ولستريت والخزينة الامريكية)) 26.

3. تقدم المؤسسات الدولية التسهيلات المالية فيما يتعلق بالقروض و ((المساعدات)) واعطاء الاولوية للدول السائرة في ركبها ونهجها السياسي والاقتصادي اي للدول ((الحليفة – الصديقة )) التي تقوم بتنفيذ السياسة الاقتصادية لهذه المؤسسات الدولية بهدف تطبيق وتبني سياسة اقتصاد السوق الرأسمالي هذا من جهة ، ويتم عرقلة وتنفيذ القروض وما يسمى بالمساعدات المالية للدول الرافضة لنهج هذه المؤسسات الدولية وتحت مبررات وذرائع واهية ومنها غياب الديمقراطية ، وحقوق الانسان ...، وكما تعطي هذه المؤسسات الدولية اهمية كبيرة لمصالح الشركات المتعدد الجنسية والعمل على ضمان حقوق هذه الشركات القانونية بما فيها ضمان الارباح وتحويلها للخارج وعلى هذا الاساس ((يلجأ الامبرياليون الى مختلف الاساليب ومنها (المساعدات) الاقتصادية وخصوصا العسكرية منها ، ولاتقدم هذه المساعدات ولاتباع الاسلحة الابشروط تؤمن مصالح السياسة الخارجية للامبرياليين )) 27 .

4. هناك علاقة ترابط وتشابك في المصالح والاهداف بين البلدان الراسمالية الصناعية المتطورة وخاصة الولايات المتحدة الامريكية وبين المؤسسات الدولية ، فالدول الامبريالية وخاصة الامبريالية الامريكية هي التي تهيمن وتوجه وتسيطر على نشاط وعمل هذه المؤسسات الدولية وفقا لمصلحتها ومصلحة النظام الراسمالي ، وتعتبر هذه المؤسسات الدولية ادوات فاعلة ورئيسة للتعبير عن المصالح السياسية والاقتصادية والايديولوجية للبلدان الراسمالية بشكل عام وللولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص وان هذا الترابط والتفاعل والتشابك يتم على حساب مصالح شعوب البلدان النامية ، وبهذا الخصوص يؤكد بريجينسكي لقد " كانت امريكا .... قوة توسعية شرهة اقليميا ومتعطشة للارض ولا تعرف معنى الرحمة في السعي الى تحقيق مصالحها المادية وامبريالية في طموحاتها الدولية ، ومنافقة على صعيد نزعتها الديمقراطية " 28 ، واخيرا شهد شاهد من اهلها .

5. ان سياسة المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية قد ساعدت ولاتزال تساعد على هروب رؤوس الاموال الوطنية من البلدان النامية الى البلدان الراسمالية وباساليب متعددة وغير مشروعة ، مما ساعد هذا النهج الخطير على تعمق ظواهر خطيرة الا وهي تنامي ظاهرة الفساد المالي والاداري وعملية غسيل الاموال ، وتنامي معدلات البطالة والفقر والجريمة والتلوث الاجتماعي ... وكما ساعد هذا النهج اللاشرعي على اضعاف وتدهور وتخريب الاقتصاد الوطني للغالبية العظى من البلدان النامية ، واضعاف السيادة الوطنية وتكريس التخلف والتبعية للبلدان الراسمالية ، وبالتالي تم تكريس وتعميق الاستقطاب والتمايز الاقتصادي – الاجتماعي بين البلدان النامية لصالح البلدان الراسمالية ، بدليل يشكل الشمال الغني 15 بالمئة من مجموع سكان العالم الا ان نصيبة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي لعام 1999 بلغ 77% ، في حين يشكل الجنوب الفقير 80 بالمئة من سكان العالم الا ان نصيبة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي لايتعدى 20 بالمئة ، وان مليار نسمة تتصرف ب5 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي ، وهذا اقل من الدخل المحلي الاجمالي لفرنسا .

 

 

 

 

 

المبحث الثاني : دور المؤسسات الدولية على واقع أقتصاد دول الاطراف

المطلب الاول :- أهم المشاكل الاقتصادية – الاجتماعية في البلدان النامية

شكلت وتشكل البلدان النامية اليوم طرفاً اقتصادياً رئيساً تابعاً للنظام الراسمالي وهي في علاقة اقتصادية غير متكافئة مع هذا النظام ، وان البلدان النامية تواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية عديدة ويعود سبب ذلك الى الهيمنة والتبعية للبلدان الراسمالية ولازالت هذه الاسباب مستمرة وتزداد سوءاً وبأساليب متعددة سواء كان ذلك بشكل مباشر او غير مباشر .

ان من اهم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية هي مشكلة البطالة والفقر والعوز وانحطاط المستوى المعاشي للغالبية العظمى من المواطنين ، وتفشي الامية والتخلف ، وتدهور مستوى الانتاج المادي وخاصة في القطاعات الانتاجية ومنها القطاع الزراعي والقطاع الصناعي ، وتدهور مستوى الخدمات وخاصة في ميدان الصحة والتعليم .

ان من اخطر المشاكل التي تواجه البلدان النامية اليوم هي مشكلتين رئيسيتين وهي مأزق المشكلة الغذائية ، ومأزق المديونية ، وان التركيز على هاتين المشكلتين الرئيسيتين نابعاً من اثر وخطر هاتين المشكلتين على مستقبل شعوب البلدان النامية ، وان وضع الحلول والمعالجات الجذرية وعلى اسس علمية سليمة يجب ان تصب في صالح شعوب البلدان النامية ، وهذا يشكل المفتاح الهام والرئيس لتطور اقتصاديات البلدان النامية ، ويساعد على النهوض بالقطاعات الانتاجية وهي الزراعة والصناعة من اجل خلق الانتاج المادي وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل التبعية الاقتصادية والسياسية للغرب الراسمالي وبالتالي يمكن معالجة البطالة والفقر والامية وغيرها من المشاكل الاخرى في البلدان النامية .

لقد أراد الغرب الراسمالي ومؤسساته الدولية ووفق الاستراتيجية المعدة اتجاه البلدان النامية والتي تهدف الى الاستمرار في تعميق المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وفي مقدمة هذه المشاكل هي مشكلة المديونية ( داخلية – خارجية ) والمشكلة الغذائية واستخدامها كادوات ضغط سياسية واقتصادية واجتماعية من اجل تحقيق اهداف متعددة وغير مشروعة ومنافية للديمقراطية ، وفي مقدمة هذه الاهداف غير المشروعة هو الاستحواذ على ثروات شعوب البلدان النامية وفرض نهجا اقتصاديا – اجتماعيا محددا ، اي فرض مايسمى بسياسة الاصلاح الاقتصادي ، وهذا النهج لايعبر عن مصالح الغالبية العظمى من شعوب البلدان النامية ، بل يعبر عن و يخدم مصالح الغرب الراسمالي ومؤسساته الدولية " وحلفاؤهم " و " اصدقاؤهم " في حكومات البلدان النامية من الحيتان والديناصورات المالية المتوحشة وثيقة الصلة بالغرب الامبريالي ومؤسساته الدولية .

يشير ريتشارد بيت ان (طبقة من العلماء الاقتصاديين في هذه البلدان ممن تدربوا في الغرب وطبقوا تحليلا معياريا تقليديا وتسنموا مناصب وزارية هم الذين ادخلوا في الغالب اصلاحات اقتصادية بخصوص كبح دور الدولة وزيادة الاعتماد على أليات السوق ) وكما يؤكد بيت ( يعمل الاقتصاديون السياسيون في بلدان العالم الثالث بالتعاون مع نظرائهم في الوكالات الدولية ، ويتحلى العامل الاهم في " احراز " اصلاحات باتجاه اقتصاد السوق ... وقبول " نصائح محددة " نافعة ... وان صندوق النقد الدولي يتبع في تجربته ايديولوجيا كانت متطابقة بشكل كبير مع مصالح المجتمع المالي ) 29 .

ان ظهور وتعمق وتفاقم مشكلة المديونية والمشكلة الغذائية وغيرها من المشاكل الاخرى يعود الى العاملين الخارجي والداخلي المترابطين والمتعاونين في تحقيق الهدف ، فالعامل الخارجي يتمثل بالبلدان الراسمالية ومؤسساتها الدولية والمتمثلة في صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية ، فيتم فرض نهجاً سياسياً واقتصادياً لايتلائم وحاجة البلدان النامية ولايعبر عن واقعها الاقتصادي والاجتماعي ، ويتم تطبيق هذه السياسة على البلدان النامية وبشكل غير ديمقراطي ، اما العالمل الداخلي فيتمثل بوجود " عملاء النفوذ " الذين يمثلون النخبة الحاكمة في غالبية البلدان النامية وهم متنفذون ويقودون السلطة التنفيذية والتشريعية ، وهذه النخبة مرتبطة مصالحها السياسية والاقتصادية والايديولوجية بمصالح الطغمة المالية في الغرب الامبريالي ومؤسساته الدولية ، ومن خلال مواقعهم الهامة في السلطة فهم ينفذون نهج وسياسة صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية .

 

 

المشكلة ألاولى :- مأزق المديونية :

شكلت المديونية الخارجية ولاتزال تشكل عبئاً اقتصادياً وسياسياً خطيراً على بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ، وظهرت هذه المشكلة في بداياتها الاولى في السبعينات من القرن الماضي ، وبدات تتفاقم وتتزايد بشكل كبير وسريع وملموس ومرعب منذ الثمانينات من القرن الماضي ولغاية اليوم .

ان مديونية البلدان النامية ماهي الا فخاً ومازقاً اقتصادياً – اجتماعياً وسياسياً كان مخططا له ، تم اعداده في الدهاليز والغرف المظلمة للغرب الراسمالي ومؤسساته الدولية من اجل تحقيق اهداف متعددة وفي مقدمتها اهداف اقتصادية وسياسية وايديولوجية .

ان البلدان الراسمالية ومؤسساتها الدولية تكونت لديها " فوائض " مالية جاءت بسبب الاستغلال والنهب والاستحواذ على ثروات الشعوب ، وفي ظل غياب التكافؤ في العلاقات الاقتصادية مع العالم الخارجي ولصالح المركز ، وهذه " الفوائض " المالية بحاجة الى استثمار من اجل تعظيم الارباح في الخارج ، مقابل ذلك ، فان معظم البلدان النامية تعاني من نقص (شحة) في الموارد المالية بهدف معالجة مشاكلها المتعددة ، وهي تعاني من تكريس للتخلف والتبعية مع الاقتصاد الراسمالي ، ولايمكن لغالبية البلدان النامية من ان تخرج من مأزقها الا من خلال الحصول على القروض الخارجية و " المساعدات " المشروطة بشروط قاسية ومذلة ، ومن هنا يمكن القول وليس من باب " الصدفة " من ان تلتقي مصالح واهداف الراسمالية ومؤسساتها الدولية مع مصالح واهداف غالبية البلدان النامية ولكنها بنفس الوقت متعارضة من حيث المبدا وهذا الالتقاء في الاهداف قد جمع التناقض والتوافق في ان واحد بين المركز والاطراف وهذا هو المازق الحقيقي الذي تم التخطيط له من قبل الغرب الراسمالي ومؤسساته الدولية بهدف دفع غالبية البلدان النامية الى هذا الفخ اللامشروع .

 لعبت وتلعب الولايات المتحدة الامريكية دوراً كبيراً ورئيسياُ في رسم وتوجية السياسات الاقتصادية والنقدية للمؤسسات الدولية وبما يخدم مصالحها بالدرجة الاولى بدليل (( نظرت الولايات المتحدة الى المنظمات المتعددة الاطراف بما في ذلك البنك الدولي كادوات للسياسة الخارجية يمكن استخدامها في دعم الاهداف والاغراض الامريكية ))30 .

وان المؤسسات الدولية تتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان النامية وباساليب متعددة بدليل يفرض  (( صندوق النقد الدولي اعتقادته ورؤاه على البلدان التي ربما ترغب في سلوك طريق تطور مختلف ، وهنا تصبح القروض بؤرة توتر يتقاطع فيها الصراع الاجتماعي داخل المجتمع مع مؤثرات بين المجتمع والنظام العالمي ، بين الدولة وصندوق النقد الدولي )) 31 .

ان سياسة القروض المتبعة من قبل المؤسسات الدولية ومنها صندوق النقد الدولي تتميز بفرض شروط قاسية وهي (( مستندة على مفهوم ايديولوجي )) وتعد شروطه (( شكلا عنيفا وقاسيا مفروضا على بلدان العالم الثالث حتى تصاعد مد الغضب الشعبي بسرعة ، وبدات الاحتجاجات غالبا في شكل انتفاضات ضد رفع اسعار المواد الغذائية ، وضمن الاطار العام للاحتجاج ضد سياسة التقشف المفروضة والمتمثلة في تخفيض الاجور والغاء الدعم الحكومي )) 32 .

ان من اهم الاسباب الرئيسة التي ادت الى تنامي معدلات المديونية الخارجية للبلدان النامية تكمن في غياب التكافؤ في العلاقات الاقتصادية بين المركز والاطراف وخاصة فيما يتعلق باستيراد السلع الراسمالية والغذائية والدوائية ... وباسعار مرتفعة من قبل الاطراف وتنامي معدل الانفاق العسكري وبشكل مرعب لغالبية البلدان النامية ، وهروب رؤوس الاموال الوطنية وباساليب عديدة من بعض البلدان النامية الى البلدان الراسمالية .

 

 

 

جدول رقم (3)

تطور حجم الميونية الخارجية للبلدان النامية خلال الفترة 1955 -2010 33

السنوات

حجم المديونية ( مليار دولار )

1955

6

1970

75

1980

379

1985

970

1990

1,022

1995

1,341

2000

2,563

2005

2,623

2008

3,719

2010

اكثر من 5 تريليون دولار

 

يلاحظ من الجدول رقم (3) مايلي :-

1. زادت المديونية الخارجية خلال 30 عاما ب 162 مرة ، وخلال 55 عاما ب833 مرة .

2. تنامي سريع لخدمة الديون وان هذه المديونية لم تحقق شئ ايجابي وملموس لا لحياة الفقراء من شعوب بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ولا لاقتصادها الوطني .

3. لقد سببت هذه المديونية المفرطة بتشديد التبعية والتخلف للبلدان الراسمالية .

لقد ادت المديونية الخارجية للبلدان وغيرها من المشاكل الاخرى الى جعل هذه البلدان تدور في فلك الامبريالية وهذا سيؤدي الى المزيد من الاغراق في الديون . كما انه سيبقي على المستوى المنخفظ لانتاجية مجموع العمل الاجتماعي 34.وكما يلاحظ ان الغالبية العظمى من البلدان النامية ليس في مقدورها ، بل عاجزة عن تسديد الديون وخدمة الديون حتى لو " باعت " مواطنيها كسلع حية للطغمة المالية الحاكمة في الغرب الامبريالي ، انه مازقاً حقيقياً و "ذكياً " للبلدان النامية ؟! .

يؤكد جوزيف ستيغليز الى ان ( السياسة الاقتصادية هي اليوم ، بدون شك العنصر الاكثر اهمية في علاقات الولايات المتحدة مع العالم ، لكن ثقافة الاشخاص الذين يصيغون السياسة الاقتصادية العالمية في هذا البلد " المقصود امريكا " ليست ثقافة ديمقراطية ) 35 .

لقد كانت سياسة القروض ومايسمى بالمساعدات المقدمة من قبل الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية تحمل طابعاً اقتصادياً وايديولوجياً مغلفة بسلطة ديكتاتورية على البلدان النامية وهذه السياسة مخالفة للديمقراطية التي تدعي بها امريكا ومؤسساتها الدولية في العلاقات الاقتصادية الدولية بدليل ( اتجهت المساعدات الى تلك البلدان التي وافقت على ان تضل بعيدا عن الفلك الشيوعي وبغض النظر عما اذا كانت ديكتاتورية او اذا كانت تؤمن باقتصاديات السوق . لقد جرى الدفاع عن سياسة المساعدات الاجنبية في الغالب بكونها ارخص وسيلة لشراء القوات المعادية للشيوعية ) 36 .

ان من ابرز واهم النتائج الاقتصادية والاجتماعية لسياسة القروض المقدمة من قبل البلدان الراسمالية ومؤسساتها الدولية هي الاتي :-

1. التنامي السريع للمديونية الخارجية وخدمة الديون وبالتالي اوقعت البلدان النامية وبشكل واعي ومخطط له في فخ المديونية والذي ادى الى فقدانها للقرار السياسي والاقتصادي الوطني المستقل وبالتالي اضعافاً للسيادة الوطنية .

2. ان نهج وسياسة الولايات المتحدة الامريكية ومؤسساتها المالية والاقتصادية الدولية والمتمثل بتقديم القروض وما يسمى بالمساعدات المادية ، قد فشل في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه بلدان الاطراف وخاصة الفقيرة منها ، من اجل بناء اقتصاد وطني متحرر ومستقل ، بل ادخل هذا النهج الماساوي البلدان النامية في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وتنامي معدلات البطالة والفقر والامراض وتشديد التبعية للبلدان الراسمالية ، وان ما يحدث في البلدان العربية من مايسمى بالربيع العربي ماهو الانتيجة منطقية ودليل حي وملموس على فشل هذا النهج الذي فرضته الولايات المتحدة الامريكية ومؤسساتها الدولية على هذه البلدان .

3. ان سياسة البلدان الراسمالية والمؤسسات الدولية لم تنجح في ايجاد معالجة جذرية لمعالجة العجوزات المالية سواء في الميزانية الحكومية او في ميزان المدفوعات ، وفي نفس الوقت فان هذا النهج الكارثي قد افشل عملية التنمية الاقتصادية – الاجتماعية وتم تخريب كل ما تم بناؤه في الستينات – الثمانينات من مؤسسات انتاجية وخدمية في غالبية البلدان النامية الى اهرامات شامخة وعاطلة واصبحت تشكل عبئا ثقيلا على شعوبها ، وهذا لم يكن وليد الصدفة ، بل كان مخططاً له ، بهدف تدمير وتخريب القطاعات الانتاجية المادية وتحويل هذه البلدان الى بلدان مستهلكة وسوقاً لتصريف مايسمى بالفائض من الانتاج الغربي ، وتم كل ذلك وغيره تحت مايسمى بسياسة الاصلاح الاقتصادي وتنفيذ برنامج الخصخصة سيء الصيت في شكلة ومضمونه .

4. ان المستفيد الاول من سياسة منح القروض للبلدان النامية هي البلدان الراسمالية ، ومؤسساتها المالية والاقتصادية الدولية وحلفاؤهم واصدقاؤهم من الحيتان والديناصورات المالية والطفيلية في بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ، وارتبطت مصالح النخبة الحاكمة والحيتان والديناصورات من البلدان النامية بمصالح الغرب الامبريالي ومؤسساته الدولية ، وان هذه النخبة الطفيلية والحيتان والديناصورات فقدت حسها وانتماؤها الوطني ، لان الطفيلين والسماسرة وناهبي ثروات الشعوب ليس لهم وطن معروف ، فوطنهم هو المال والربح وتعظيمه ، فأينما يتحقق وينمو ويزدهر المال وتعظيم الربح فهو الوطن بالنسبة لهم .

وحسب تقديرات البنك الدولي فان البلدان النامية سددت بين عام 1980 و2001 نحو 4500 مليار دولار ووفقاً لاحصائيات البنك الدولي ، فان البلدان النامية تدفع الى الجهات الدولية الدائنة 700 مليون دولار في اليوم ، وهو مايعادل 500 الف دولار في الدقيقة الواحدة وحسب ما اعلنه الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو فان البلدان النامية حتى عام 1980 دفعت 7,5 دولار عن الدولار الواحد 37 .

ان الحل الجذري لمأزق المديونية الخارجية للبلدان النامية يكمن في :- العمل الجاد على شطب كافة الديون وخدمتها من البلدان النامية ، واقامة علاقات اقتصادية وتجارية متكافئة تقوم على تحقيق المنفعة والمصلحة المشتركة بين البلدان النامية والبلدان الراسمالية ، وتقديم القروض والمساعدات المالية وبدون شروط قاسية سياسية كانت ام اقتصادية ، ودمقرطة العلاقات السياسية والاقتصادية بين المركز والاطراف ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان النامية سواء في الميدان السياسي او الاقتصادي وخاصة عدم فرض سياسات او نماذج اقتصادية محددة على البلدان النامية من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين .

المشكلة الثانية :- المشكلة الغذائية وابعادها :

تعد المشكلة الغذائية واحدة من اهم المشاكل الاقتصادية – الاجتماعية المعقدة والمتفاقمة التي تواجه شعوب العالم بشكل عام وشعوب البلدان النامية بشكل خاص ، ومما يؤكد اهمية وخطورة هذه المشكلة هو استمرارزيادة معدل النمو السكاني في البلدان النامية وخاصة في البلدان العربية ، مقابل ذلك تراجع مستمر لمستوى الانتاج الزراعي في هذه البلدان بسبب ضعف اهتمام الدولة وقلة الدعم لهذا القطاع الهام والحيوي ، مما ادى هذا النهج الى تنامي معدلات الفقر والمجاعة حيث يوجد اكثر من 3 مليار نسمة في العالم  يعانون الجوع والفقر الحقيقي .

ان الراسمالية المفرطة في وحشيتها هي التي صنعت وتصنع اليوم الفقر والمجاعة في البلدان النامية وفي الجزء الهام من المعسكر الاشتراكي والمتمثل اليوم برابطة الدول المستقلة " جمهوريات الاتحاد السوفيتي " ودول اوربا الشرقية ، وتتم " صناعة " الفقر من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في الغرب من خلال استخدام الادوات الاقتصادية والمالية والتجارية بدليل ان (( صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية يفرضون سياسات اقتصادية على 100 دولة في العالم تقتل الاف الاطفال كل يوم من خلال سوء التغذية والبطالة والامراض الناجمة عن الفقر ، كل هذا يحدث تحت اسم القضاء على الفقر والى الابد )) 38 .

ان السياسة الاقتصادية التي تنفذها المؤسسات الدولية ومنها صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية هي سياسة مؤدلجة ومنحازة لصالح الشركات المتعددة الجنسية والنخب المالية الحاكمة في البلدان الراسمالية ، وبهذا الخصوص تشير منظمة الغذاء والزراعة الدولية (الفاو) التابعة لمنظمة الامم المتحدة الى تصاعد قيمة فواتير استيراد السلع الغذائية حيث بلغت 1 تريليون دولار في عام 2010 39 . فمن المسفيد ؟ ولمصلحة من ؟ .

منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي تغيرت طبيعة الاقتصاد الراسمالي في الدول الراسمالية الصناعية المتطورة بشكل عام وفي الاقتصاد الراسمالي الامريكي بشكل خاص ، اذ بدا التحول التدريجي للاقتصاد الراسمالي من اقتصاد انتاجي الى اقتصاد خدمي بسبب الارباح الخيالية السريعة والمضمونة للحيتان والديناصورات المالية في الغرب الامبريالي ، مما ادى هذا النهج الخطير الى تراجع دور واهمية القطاع الصناعي في تكوين قيمة الناتج المحلي على الصعيدين المحلي والعالمي وبشكل مستمر ، بالمقابل بدا قطاع الخدمات يتصاعد دوره ومكانته في خلق قيمة الناتج المحلي وعلى الصعيدين المحلي والعالمي ، اي بمعنى اخر تمت عملية التحول المنظمة وعلى الصعيدين المحلي والعالمي من اقتصاد انتاجي الى اقتصاد خدمي سريع الارباح الخيالية . فماذا سيحدث لشعوب العالم عام 2050 في حالة استمرار هذا النهج الخطير على مستقبل المجتمع البشري ؟!

 

 

 

جدول رقم (4)

بنية الناتج العالمي بحسب القطاع لسنة 2003 بالنسبة المئوية 40 .

التفاصيل

مساهمة القطاع الزراعي

مساهمة القطاع الصناعي

مساهمة قطاع الخدمات

البلدان ذات الدخل الادنى

25

25

50

البلدان ذات الدخل المتوسط

12

40

48

البلدان ذات الدخل الاعلى المتوسط

7

32

61

البلدان ذات الدخل الاعلى

2

27

71

مجموع دول العالم

4

28

68

 

يعكس الجدول بعض الحقائق الموضوعية والمأساوية في بنية الاقتصاد العالمي حيث تبلغ مساهمة القطاع الزراعي بنسبة 4 بالمئة من قيمة الناتج العالمي ، والقطاع الصناعي بنسبة 28 بالمئة ، في حين تبلغ مساهمة قطاع الخدمات بنسبة 68 بالمئة من قيمة الناتج العالمي ، اما في البلدان الراسمالية فتبلغ مساهمة القطاع الزراعي 2 بالمئة من قيمة الناتج العالمي والقطاع الصناعي بنسبة 27 بالمئة من قيمة الناتج العالمي ، في حين تبلغ مساهمة قطاع الخدمات 71 بالمئة من قيمة الناتج العالمي . الى اين يسير العالم اليوم ؟! .

ان الراسمال دائما يبحث عن الربح وتعظيم الربح المضمون ، فهو لايجازف بنفسه لانه جبان ، وعليه فان السبب الرئيسي في انتقال الاستثمارات من القطاعات الانتاجية الى القطاع الخدمي هو الربح الكبير والسريع والمضمون وقلة مخاطره ، عكس الاستثمار في الزراعة والصناعة ، ومن هنا فان هذا النهج الخطير يعكس حقيقة موضوعيه الا وهي خطر تنامي المشكلة الغذائية والتي ينتج عنها تنامي معدلات الفقر والبطالة وعدم الاستقرار في البلدان النامية وخطر انعكاس ذلك على الصعيد الدولي .

وبهذا الخصوص نتذكر ما قاله كارل ماركس العظيم ( ان الراسمال يخاف من غياب الربح والربح التافه جدا ، كما تخاف الطبيعة من الفراغ ، ولكن ما ان يتوفر له ربما ربحا كافيا ، حتى يصبح الراسمال جزئيا ، فلو أمن ربح 10% يشغل الراسمال في اي مجال ، ولو أمن 30% فانه ينشط جدا ، ولو أمن 50 % تتملكه جرأة مجنونة ، ولو أمن 100 % يدوس بالاقدام جميع القوانين البشرية ، ولو أمن ربحا 300% فليس هناك ثمة جريمة لايجازف بارتكابها حتى لو قادته الى حبل المشنقة ).

ان سياسة الكيل بمكيالين او ازدواجية المعايير التي تتبعها الولايات المتحدة الامريكية ، هي سياسة خطيرة وضارة ، فمن جهة تحاول الولايات المتحدة الضغط على البلدان النامية وعبر المؤسسات الدولية بهدف اضعاف دور الدولة والعمل على تقليل الدعم المادي ثم الغاؤه عن القطاعات الانتاجية و منها القطاع الزراعي ، في حين قدمت الولايات المتحدة في عام 2006 دعما ماديا لقطاعها الزراعي بلغ 372 مليار دولار ، وبالتالي فان سياسة الكيل بمكيالين ادت الى تخريب القطاع الزراعي وتحويل غالبية البلدان النامية الى سوق كبير لشراء السلع الغذائية وغيرها ، اذ بلغت قيمة فاتورة الغذاء السنوية مابين 145 – 292 مليار دولار في حين يتطلب معالجة الازمة الغذائية في البلدان النامية مابين 15 -20 مليار دولار41 .

ان من اهم الاسباب التي تساعد على تفاقم حدة المشكلة الغذائية في البلدان النامية تكمن بالاتي :- سوء استخدام الاراضي الزراعية وقصور في التنظيم الزراعي وخاصة فيما يتعلق بشبكة النقل والتخزين ، وضعف الترابط والتكامل في الخطط الاقتصادية بين القطاع الزراعي والقطاع الصناعي ، فبدون تطوير القطاع الصناعي وتكامله مع القطاع الزراعي لايمكن معالجة المشكلة الغذائية في ضروف البلدان النامية ، فهما قطاعان مترابطان ومكملان بعضهما للبعض الاخر ، ومن الاسباب الاخرى هو قلة او ضعف استخدام الالات والمعدات والتكنولوجيا في القطاع الزراعي وهذا يؤدي الى ضعف الانتاج وانتاجية العمل ، وضعف دور الدولة في تقديم القروض ومراقبتها وقلة المساعدات والدعم المادي لهذا القطاع مما يؤدي ذلك الى ارتفاع تكاليف الانتاج الزراعي وبالتالي زيادة اسعار السلع الزراعية ..، وتفشي الامية وانتشار الامراض ، وزيادة معدل النمو السكاني وخاصة في الريف ، والهجرة الواسعة من الريف الى المدينة وخاصة من وسط الشباب والتوجه الى اجهزة الامن والجيش والشرطة وغير ذلك .

ان هذه الاسباب وغيرها تؤدي الى تدهور وانخفاض الانتاج الزراعي ، وتعطيل عملية التنمية الاقتصادية في البلدان النامية وبالتالي افرزت لنا هذه السياسة ظاهرة عالمية خطيرة الا وهي ظاهرة الفقر لدى اكثر من 50 بالمئة من سكان المعمورة ، وينفق الفقراء على الغذاء مابين 60 – 80 بالمئة من دخلهم النقدي .

ان للمشكلة الغذائية ثلاث ابعاد رئيسة وهي :-

البعد الاقتصادي :-

      يتمثل البعد الاقتصادي في انفاق مالي كبير وخيالي من قبل البلدان النامية على فاتورة الغذاء وهذا يشكل استنزاف مالي كبير لصالح البلدان الرأسمالية والشركات المتعددة الجنسية ، فعلى سبيل المثال تنفق البلدان العربية اكثر من 40 مليار دولار سنويا في حين يصل انفاق البلدان النامية على فاتورة الغداء سنوياً 292 مليار دولار . ان هذه المبالغ الفلكية لو خصص منها 20 -30 بالمئة من فاتورة الغذاء لكان بالامكان معالجة المشكلة الغذائية في البلدان النامية وبشكل جذري ولكن ...؟! .

ان الانفاق المفرط على شراء السلع الغذائية يؤثر سلباً على عملية التنمية الاقتصادية – الاجتماعية في بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ويتم تشديد التبعية السياسية والاقتصادية للبلدان الراسمالية ، وكما تفرز هذه المشكلة الغذائية ايضاً تأزم في الوضع الاجتماعي والاقتصادي ، وان المستفيد الاول من هذه المشكلة هي الاحتكارات الغربية وحلفاؤها في البلدان النامية من خلال جني الارباح الخيالية على حساب الفقراء والمعدمين في البلدان النامية .

البعد الاجتماعي :-

    يتمثل البعد الاجتماعي للمشكلة الغذائية المتفاقمة في ظهور فئات طفيلية وسماسرة يقومون بالمتاجرة والمضاربة بقوت الشعب ، بقوت الفقراء والمعدمين بشكل خاص من خلال زيادة اسعار السلع الغذائية وخاصة الضرورية منها بهدف تعظيم الارباح ، ويتم هذا في ظل ضعف او غياب دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي والرقابي ، وكما يعكس هذا البعد الاجتماعي على تعميق حدة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي داخل المجتمع لصالح النخبة السياسية الحاكمة والنخبة المافوية في هذه البلدان والمرتبطة مصالحها بمصالح الغرب وشركاتة الاحتكارية .

البعد السياسي :-

     يتمثل البعد السياسي بتشديد التبعية السياسية والاقتصادية للبلدان النامية مع البلدان الراسمالية ومؤسساتها الدولية ، وبنفس الوقت يمارس المركز والشركات المتعددة الجنسية ضغوطات متعددة على البلدان النامية سواء في الميدان السياسي او الميدان الاقتصادي – الاجتماعي وخاصة على البلدان الرافظة لنهج وسياسة الولايات المتحدة من اجل تحقيق اهداف متعددة سياسية واقتصادية وغيرها .

ان الشركات الاحتكارية في امريكا وكندا واستراليا تمارس ضغوطات متعددة على البلدان النامية ولا يستثنى من ذلك حتى على "حلفاؤهم" من خلال احتكارها انتاج اهم السلع الغذائية وخاصة الحبوب من اجل تحقيق اهداف محددة تعكس مصالح البلدان الراسمالية واحتكاراتها العملاقة .

ان الغرب الامبريالي واحتكاراته العالمية لايؤمنون لا بالعدالة الاجتماعية ولا بالديمقراطية الحقيقية ولا بحقوق الانسان الرئيسة فلا يعينهم لا الفقر ولا المجاعة ولا البطالة ولا ارتفاع الاسعار . ان هدفهم الرئيس هو تحقيق مصالحهم السياسية والاقتصادية والايديولوجية والحصول على أعلى الارباح الخيالية ويسعون لتحقيق ذلك وباي وسيلة سلمية كانت ام غير سلمية ، اقتصادية او عسكرية عدوانية ، بدليل يشير تقرير اعدته لجنة الشيوخ الامريكية بعد حرب اكتوبر عام 1973 جاء فيه (( نحن نوزع فائض الغذاء لاعلى اساس الحاجات اكثر الحاحا، وانما على اساس الاعتبارات التي تمليها السياسة الخارجية )) 42 .

ان البلدان الامبريالية وقاداتها و (( منظريها )) من ممثلي قوى الثالوث العالمي بارعون وبامتياز في " صناعة" الفقر والمجاعة والبطالة وارتفاع الاسعار ... وهذه " الصناعة " تشكل عاملا رئيسيا في صناعة الارهاب الدولي ، وهذه الصناعة نابعة من طبيعة هذا النظام المفرط في وحشيتة ومن اساسة الاقتصادي المتمثل بالملكية الخاصة الاحتكارية لوسائل الانتاج ، وهذه الملكية هي التي تصنع وبامتياز الفقر والبطالة والارهاب والفساد المالي والاداري .... وحتى الاخلاقي ، وان الهدف الرئيس من ذلك هو الهيمنة والاستحواذ على ثروات الشعوب بهدف تصريف ازمة نظامهم " المريض " وبهذا الخصوص يؤكد وزير الخارجية الامريكية الاسبق هنري كيسنجر في عام 1974 " تحكم بالنفط تتحكم بالامم ، تحكم بالغذاء تتحكم بالشعوب " . واضاف في نزعة مالثوسة مفرطة قائلا ان (( تكرار المجاعات قد يشكل اداة واقعية للحد من الزيادة السكانية )) 43 .

ان الامبريالية الامريكية هدفها الرئيس هو قيادة العالم وبسط نفوذها السياسي والاقتصادي والايديولوجي والاستحواذ على ثرواته وتحويل العالم الى بقرة حلوب من اجل انقاذ نظامها واقتصادها المتازم والقابل للانهيار والتفكك وان تحقيق هذه الاهداف اللامشروعة عبر وسائل متعددة وشعارات واهية وخادعة وباي وسيلة كانت ، بدليل اكد الرئيس الامريكي الاسبق هيربرت هوفر (( لو اردنا للولايات المتحدة ان تعيش ، فان علينا ان نتعلم كيف نخرب ونهدم وندمر اعدائنا بوسائل اكثر حنكة و دهاء وتعقيدا وفاعلية من تلك المستخدمة ضدنا )) 44 .  بعد كل هذا وغيره من الادلة الحقيقية التي تؤكد الوحشية المفرطة للامبريالية الامريكية من ان يصدق بشعاراتها الواهية وهي مايسمى بحقوق الانسان والديمقراطية ومكافحة الارهاب وغيرها من الشعارات الاخرى فالمجانين وفاقدي البصيرة والعقل ... هم الذين لايزالون يصدقون ما تطرحة امريكا من شعارات واهية ، فينطبق على هذا النهج الماساوي المثل الشعبي القائل    (( حبل الكذب مهما طال فهو قصير )) !!. والا كيف يمكن فهم جوهر حقوق الانسان في ظل تنامي معدلات البطالة والجريمة والانتحار ووجود اكثر من 40 مليون مواطن اميركي لايستطيع تامين الضمان الصحي ... في حين (( رائدة الديمقراطية وحقوق الانسان )) تنفق سنويا 50 مليار دولار على اطعام الكلاب والقطط ... هذا هو الجوهر الرئيس للنظام الامبريالي المتوحش .

ان معالجة المشكلة الغذائية في البلدان النامية يتطلب من هذه الدول العمل على تفعيل دور ومكانة الدولة  في الميدان الاقتصادي والاجتماعي بشكل عام وفي القطاع الزراعي بشكل خاص ، وان تقوم الدولة بالاستخدام العقلاني والمخطط لمواردها البشرية والمادية بهدف خلق تنمية اقتصادية – اجتماعية هدفها الاول والرئيس هو الانسان ، والعمل على تقديم كافة اشكال الدعم المادي والبشري للقطاع الزراعي ، وينبغي اقامة مزارع الدولة والمزارع الجماعية التعاونية والمجمع الزراعي – الصناعي بهدف زيادة الانتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي ومعالجة البطالة ، والسماح للقطاع الخاص ووفق خطة مدروسة في النشاط الاقتصادي ويجب ان يكون دوره فاعلا ومكملا لدور قطاع الدولة الزراعي ، وكما ينبغي على الدولة وضع خطة علمية لمعالجة الامية وادخال المكننة الزراعية وتقليل الانفاق العسكري وتوفير الخدمات الرئيسة وفي مقدمتها بناء المدارس والمستوصفات وايصال الماء الصالح للشرب والكهرباء وبناء الطرق المعبدة ، ويجب على الدولة ان يكون نهجها السياسي والاقتصادي – الاجتماعي معبرا عن امال وطموحات شعبها ، وان يكون هذا النهج نابعاً من الواقع الموضوعي وخاصة فيما يتعلق بتطوير القطاع الزراعي والقطاع الصناعي وعدم الاخذ " بنصائح خبراء " صندوق النقد والبنك الدوليين والتي الحقت الضرر والكوارث الاقتصادية والاجتماعية للبلدان النامية .

 

المطلب الثاني :- النتائج الاقتصادية والاجتماعية لسياسة صندوق النقد والبنك الدوليين في البلدان النامية

ان النتائج الاقتصادية والاجتماعية التي حصلت عليها شعوب بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية بسبب تطبيق سياسة مايسمى بالاصلاح الاقتصادي التي اعدها " خبراء " صندوق النقد والبنك الدوليين ونفذها " حلفاؤهم " و" اصدقاؤهم " المتربعين في قمة السلطة التنفيذية والتشريعية ، هي نتائج مأساوية وكارثية للغالبية العظمى من شعوب البلدان النامية .

لقد كان نادي (( البيلد بيرغ هو المكان الذي يحاول فيه حيتان السياسة والاقتصاد الامريكيون والاوربيون ان يصلوا الى ، بل ويشكلوا القرارات والسياسات ، وان يوجدوا لها الاجماع المطلوب لتصبح على جدول اعمال النخبة التي ستصوغ التشريعات المستقبلية ونضعها موضوع التنفيذ )) 45 .

ان " نصائح " خبراء صندوق النقد والبنك الدوليين قد افرزت نتائج سلبية على شعوب البلدان النامية وفي الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والايديولوجية ، وهذه " النصائح " جاءت متناقظة مع الاهداف المعلنة لهذه المؤسسات الدولية نذكر بعضاً من هذه النتائج وهي :-

اولا:- فشلت سياسة صندوق النقد والبنك الدوليين في الغالبية العظمى من بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية في تحقيق تنمية اقتصادية – اجتماعية متوازنة وان تكون في خدمة الانسان ، ورافق ذلك تباطوء وتراجع معدل النمو الاقتصادي لاكثرية البلدان النامية .

ثانيا :- لم تستطع المؤسسات الدولية معالجة العجوزات المالية في البلدان الرأسمالية سواء العجز في الميزانية الحكومية او في الميزان التجاري او في ميزان المدفوعات ، فكيف تعالج هذه المؤسسات الدولية هذه المشاكل للبلدان النامية ، في حين البلدان الراسمالية وبدون استثناء وفي مقدمتها " رائدة الديمقراطية " تعاني من عجوزات مالية كبيرة ومتنامية ومتصاعدة وتشكل خطراً حقيقياً على مستقبل اقتصادها الراسمالي.

ثالثا :- لم تنجح المؤسسات الدولية في معالجة اكبر واخطر مشكلتين رئيسيتين وهما مشكلة المديونية الخارجية وهي في تزايد مستمر، وهذه المشكلة الخطيرة لم تعاني منها فقط البلدان النامية ، بل تعاني منها الامبريالية الامريكية بدليل بلغ اجمالي المديونية الامريكية ( المديونية الداخلية والمديونية الخارجية ) حتى عام 2008 بـ 171,6 تريليون دولار 46 . ان مشكلة المديونية والمشكلة الغذائية تشكلان تهديدا خطيرا على الاقتصاد والمجتمع الدولي ، ويتحمل النظام الامبريالي العالمي بقيادة الامبريالية الامريكية المسؤولية الاولى عن خطر هذه المشاكل وغيرها ، فهي تشكل انذراً كبيراً على الاقتصاد الدولي .

رابعا :- لم ينجح النظام الراسمالي العالمي ولا مؤسساته الدولية والمتمثلة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي . ومنظمة التجارة العالمية ....من معالجة اخطر الظواهر الاقتصادية والاجتماعية والتي تواجه شعوب البلدان النامية او غيرها وفي مقدمتها ظاهرة البطالة والفقر والجوع والامية ... بل ان هذه الظواهر في تزايد مستمر ، اذ يوجد اكثر من 50 بالمئة من سكان العالم يعانون الفقر والفقر الحقيقي ، وكذلك يوجد اكثر من مليار عاطل عن العمل وهذا يعادل ثلث قوى العمل الدولية 47  .

خامسا :- لقد فرضت المؤسسات الدولية سياسة مايسمى بالاصلاح الاقتصادي على الغالبية العظمى من البلدان النامية ، وان اهم جزء في هذه السياسة الاقتصادية – الاجتماعية المؤدلجة هي وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين والتي اكدت على اهمية ليبرالية الاسعار وليبرالية التجارة وتنفيذ اسوء برنامج عرفه المجتمع البشري الاوهو برنامج الخصخصة "لقد تم تطبيق هذه الوصفة المشعوذه على رابطة الدول المستقلة – جمهوريات الاتحاد السوفيتي – ودول اوروبا الشرقية " وافرزت نتائج اقتصادية واجتماعية سلبية ومرعبة ومن اهم هذه النتائج هي :- توقف شبه كامل للانتاج في القطاعات الانتاجية وخاصة قطاع الزراعة والصناعة ، رافق ذلك تنامي معدلات البطالة والفقر ، وتدني مستوى فاعلية قطاع الخدمات وخاصة قطاع التعليم وقطاع الصحة ، وتدهور مستوى الخدمات وفي مقدمتها غياب الماء الصالح للشرب وضعف الكهرباء ، وبالتالي فان هذه الوصفة ماهي الاوصفة تخريب مدروسة ومخطط لها في الميدان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من اجل ان تكون البلدان النامية ، بلدانناً تابعة ومتخلفة وبلداناً مصدرة لاهم مواد الخام الاولية والايدي الماهرة ، وسوقاً لتصريف مايسمى بفائض الانتاج المنتج في بلدان الغرب الرأسمالي بهدف تعظيم الارباح وان المستفيد الاول من ذلك هي الشركات المتعددة الجنسية .

ان هذا النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي المفروض من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية يمثل ((سياسة الليبرالية الجديدة هي في الواقع بمنزلة قانون الغاب)) 48 .

سادسا :- ان الهدف الرئيسي لصندوق النقد وبنك الدوليين هو العمل على اضعاف ثم ابعاد دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي في البلدان النامية وبنفس الوقت العمل على تعزيز دور ومكانة القطاع الخاص الرأسمالي ، انها سياسة منحازة ومؤدلجة لصالح الطبقة البرجوازية الحاكمة في البلدان النامية .

وكما افرز هذا النهج نتائج اخرى سلبية وخطيرة على شعوب البلدان النامية وفي مقدمتها انحطاط المستوى المعاشي للغالبية العظمى من شعوب بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وخاصة من ذوي الدخول المحدودة ، اضافة الى ذلك ، تنامي معدلات التضخم النقدي وتدهور العملة الوطنية مقابل العملات الاجنبية الاخرى وتفشي الامية وعودتها في بعض البلدان ، وتنامي ظاهرة المخدرات وتعاطي الكحول وبشكل مفرط وخاصة وسط الشباب وتنامي معدل الجريمة المنظمة وتجارة الرقيق (نساء - اطفال) .

ان السبب الرئيس في تفاقم وتنامي هذه المشاكل واللأفات الخطيرة ، يعود الى ابعاد دور الدولة عن اهم وضائفها في الميدان الاقتصادي والاجتماعي ، وهذا ماتهدف اليه المؤسسات الدولية في البلدان النامية .

سابعا :- ان من اخطر وابشع ماتفرزه الرأسمالية كتشكيلة اقتصادية - اجتماعية وخاصة في مرحلتها المتقدمة – الامبريالية ومن خلال ادواتها الاقتصادية والمالية هو تعمق الهوة "الفجوة " الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الطبقي لصالح الطغمة المالية الحاكمة وحلفائها من النخبة المافوية – الطفيلية في المجتمع ، بدليل :- ان خمس المجتمع البشري يستحوذ على 83 % من الدخل القومي العالمي 49 . وان 20 شخص في العالم يملكون ثروة تقدر ب 440 مليار دولار ، وهذا اكثر من الناتج المحلي الاجمالي للبلدان العربية 50 .وان اجمالي ثروات اغنى 3 اشخاص في العالم يزيد بكثير على اجمالي الدخل السنوي الذي يحصل عليه 600 مليون شخص في الدول الاكثر فقرا في العالم 51 . وكانت الثروة التي يملكها 358 ملياردير في العالم فاقت الدخل السنوي المتحقق في بلدان يقطنها 45 بالمئة من سكان العالم لعام 1996 52 .لقد حذر رئيس البنك الدولي روبرت زوليك الى ان 2 مليار نسمة في العالم يعانون من ارتفاع اسعار السلع 53 . ان هذه الافرازات الخطيرة والسلبية في الميدان الاقتصادي والاجتماعي مستمرة ولصالح الطبقة البرجوازية الحاكمة في البلدان الرأسمالية وحلفائها في البلدان النامية ، وهي نتائج تنذر بخطر جدي على شعوب العالم اجمع وتنذر بكوارث وهزات سياسية واجتماعية مرعبة على الصعيد العالمي في حالة عدم معالجتها معالجة جذرية .

ان هذه النتائج الاقتصادية والاجتماعية وغيرها التي انتجتها سياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، كانت ولاتزال تصب في خدمة النظام الرأسمالي العالمي بشكل عام والرأسمالية الامريكية

بشكل خاص ، فنهب ثروات الشعوب وافقارها واذلالها ، وتشديد التبعية وتكريس التخلف وتعمق التفاوت الاقتصادي – الاجتماعي بين المركز الغني والجنوب الفقير لصالح المركز ، هي احدى اهم افرازات سياسة مايسمى بالاصلاح الاقتصادي المفروضة وباساليب مختلفة على شعوب البلدان النامية وبهذا الخصوص يشير بريجينسكي الى ان ((الشبكة العالمية للمنظمات المتخصصة والمؤسسات المالية الدولية بالتحديد هي جزءاً من النظام الامريكي ، ويمكن القول بان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يمثلان المصالح العالمية ، وان العالم يعتبر ساحة لعملها ، الاانهما في الواقع خاضعان بشدة للسيطرة الامريكية)) 54 .

 

 

المطلب الثالث :- من اجل اقامة علاقات اقتصادية عادلة متكافئة بين البلدان الرأسمالية والبلدان النامية

ان النظام الاقتصادي العالمي الجديد وخاصة بعد عام 1991 ماهو الااستمرارا للنظام الاستعماري القديم ، وفي مرحلة الامبريالية زاد وتعمق النهب والاستحواذ على ثرواة شعوب البلدان النامية وغيرها ، وتم ويتم اليوم وتحت اساليب غير شرعية وغير ديمقراطية ، وتحت مبررات واهية وغير صادقة ومنها ((الدفاع عن حقوق الانسان والديمقراطية ومكافحة الارهاب ...)) !! .

ان هدف النظام الاقتصادي القديم – الجديد بزعامة الامبريالية الامريكية وحلفائها يكمن في تحويل البلدان النامية وغيرها الى بلدان تابعة ومتخلفة وتعتمد على اقتصاد وحيد الجانب ، وفي هذا النظام لايمكن تحقيق تنمية اقتصادية – اجتماعية عادلة ولخدمة الانسان ، وهذا النظام يوسع وباستمرار الهوة بين المركز والاطراف لصالح الاول . ان تطور ورخاء وتقدم المركز كان ولايزال يتحقق على حساب البلدان النامية ، ويتميز هذا النظام بغياب التعاون والتكافؤ في صياغة السياسات الاقتصادية وفي صياغة القرارات المالية في المؤسسات الدولية . تشكل المؤسسات الدولية المتمثلة بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية الاركان الرئيسة للنظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي وخاصة في مرحلته المتقدمة – الامبريالية ، ولعبت وتلعب اليوم الشركات المتعددة الجنسية الدور الموجه والمنظم اللأقتصاد الامبريالي العالمي ووفقا لمصالحهم السياسية و الاقتصادية والايديولوجية ، فالشركات العابرة للقارات هي الموجه والمتحكمة بالاقتصاد الدولي اليوم .

ان من اهم النتائج المأساوية لهذا النظام وخاصة بعد عام 1991 ، هو غياب الجزء الهام من المعسكر الاشتراكي والمتمثل بالاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية ، مماساعد ذلك على اختفاء القطبية الثنائية وهيمنة القطب الامبريالي الواحد للفترة 1991 ولغاية اليوم .

لايمكن للعالم ان يحقق استقراره السياسي والاقتصادي – الاجتماعي والامني الافي ظل التعددية القطبية القائمة على اساس اديولوجي واقتصادي واضح المعالم والاهداف وهذا يمكن ان يتم في ظل مبدأ التعايش السلمي والمباراة الاقتصادية بين القطبين .

ان نظام القطب الواحد قد فشل ، وان هذا النظام دفع ويدفع العالم وشعوبه اليوم الى المجهول – المعلوم وقد افرز امراضاً خطيرة وعلى كافة الاصعدة ، فقانون الغاب هو السائد للقطب الواحد ، والمنظمات الدولية اصبحت اشبه بالمكاتب تديرها الادارة الامريكية وفقا لمصالحها السياسية والاقتصادية والايديولوجية ،وتحول حلف الناتو بقيادة الامبريالية الاميركية اداة قمع وترويض للشعوب ، واداة قمع لتقويض الانظمة المناهضة لسياسية القطب الواحد وما حدث ويحدث اليوم وتحت غطاء مايسمى بالربيع العربي الادليل حي وملموس على ذلك .

ان احداث عام 1991 شكلت البداية الحقيقية لقيام مايسمى بالنظام الاقتصادي العالمي الجديد الذي أعلنه بوش الاب من خلال تقويض الاتحاد السوفيتي وغيرها من الاحداث الدولية والاقليمية الاخرى من اجل تحقيق طموح الأدارة الاميركية على امركة العالم .

ان التصور الخاطيء لدى القيادة الامريكية ، بان تقويض الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه في اوربا الشرقية سيكون مخرجاً لازمة نظامهم المتازم بالازمات الحتمية ، بدليل ، ان النظام الراسمالي العالمي واجه وسيواجه ازمات مالية واقتصادية واجتماعية وغيرها من الازمات الاخرى وهذه الازمات تعبرعن حدة تناقضات هذا النظام والمجتمع وثقافتهما ، وخير دليل على ذلك احداث ايلول عام 2001 والتي فتحت الباب واسعاً امام اطماع الامبريالية الامريكية وحلفائها اللامشروعة من اجل ترسيخ مايسمى بالنظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الاميركية ، وتم ذلك من خلال غزوا واحتلال الدول وتحت ذرائع واهية وفي مقدمتها (( مكافحة الارهاب الدولي ، وتصفية اسلحة الدمار الشامل ، وحقوق الانسان ، والديمقراطية ...)) ان كل هذا تم ويتم اليوم تحت قانون الجاهلية المتخلف " انصر اخاك ظالما كان او مظلوما " وهذا ينطبق على "مبدا" بوش الابن القائل (( من ليس معنا فهو ضدنا ))!!، وعلى اساس هذه "القوانين" و " المبادئ " اللاشرعية تم غزو واحتلال افغانستان والعراق والعمل على تقويض الانظمة الوطنية المناهظة لسياسة الولايات المتحدة الامريكية وفي مقدمتها كوبا وفينزويلا وسوريا وايران    وبيلاروسيا وغيرها من الدول الاخرى.

ان ما يحدث في البلدان العربية اليوم بمايسمى الربيع العربي ، ماهو الا تتويجاً واضحاً لازمة النظام الامبريالي العالمي وفشل سياسة صندوق النقد والبنك الدوليين في الميدان الاقتصادي والاجتماعي في البلدان النامية ومنها البلدان العربية ، وان الهدف الرئيس لهذا " الربيع " هو الاستحواذ الكامل  على ثروات شعوب البلدان العربية واحتلال وهيمنة اميركا على اهم منطقة حيوية في العالم الا وهي منطقة الشرق الاوسط الغنية بموارد النفط والغاز ...، والعمل على تقويض الانظمة الوطنية في المنطقة العربية وشمال افريقيا والعمل على ضمان امن اسرائيل .

ان نظام القطب الواحد شكل ولايزال يشكل تهديداً خطيراً على شعوب العالم اجمع من الناحية الاقتصادية والعسكرية والايديولوجية ، فازمة 2008 التي حدثت في اهم دولة راسمالية الا وهي الولايات المتحدة الامريكية ، فهذه الازمة الخطيرة تكاد ان تكون بمستوى ازمة الثلاثينات من القرن الماضي (1929 -1933 ) من ناحية تاثيرها السياسي والاقتصادي – الاجتماعي سواء على صعيد اميركاوالبلدان الراسمالية او على الصعيد الدولي ، واثارها لازالت مستمرة وستستمر لفترة قادمة وستضع شعوب العالم امام خيارين اما انهيار الراسمالية كنظام سياسي واقتصادي – اجتماعي ، او دفع شعوب العالم نحو طاحونة الحرب الكونية غير العادلة ، وبهذا الخصوص يشير بريجينسكي لقد (( كادت كارثة 2008 المالية ان تطلق ركودا اقتصادياً مرعباً ، دافعه اميركا ومعها جزء كبير من الغرب الى اعتراف مفاجيء بهشاشة نظامها الجشع والسابق بلا ضوابط )) وكما يؤكد ايضا (( ان الازمة الاقتصادية العظمى ... قد شكلت انذراً موحياً بمدى هشاشة النظام الاميركي الداخلية وصفعة لجاذبية اميركا العالمية ، فالازمة الاقتصادية المباغتة << نعتقد ان ازمة عام 2008 ليست مباغتة وليست صدفة ، وانما هي حتمية وموضوعية نابعة من تفاقم واشتداد حدة التناقضات الاقتصادية والاجتماعية في الاقتصاد والمجتمع الراسمالي الاميركي >> قامت عبر ما انطوت عليه من بطالة هائلة وويلات اجتماعية بتسليط الاضواء على نقاط الضعف الاساسية للنظام الراسمالي الاميركي )) 55 . وشهد شاهدا من اهلها ؟! .

وكما افرز القطب الواحد ونظامه الاقتصادي العالمي الحالي الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي على الصعيد العالمي ، وبسبب ذلك تنامت معدلات البطالة والفقر وانحطاط المستوى المعاشي للغالبية العظمى من المواطنين ، وتنامت النزعات القومية والطائفية والدينية في كثير من بلدان اسيا وافريقيا واميركا اللاتينية . ان النظام الاقتصادي العالمي الحالي عانى ولايزال يعاني من ازمات عديدة ومستمرة وشملت كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والايديولوجية وحتى الاخلاقية ، وان هذا النظام قابل للانفجار والانهيار ويعود السبب الرئيسي لذلك الى شكل ومضمون وطبيعة هذا النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي الغير عادل ، الذي فشل في ايجاد الحلول الجذرية لامراضه الخبيثة والمستعصية ،

 

ومن اجل تفادي وقوع الاخطار الاقتصادية والاجتماعية والمالية على الصعيد العالمي يتطلب من الحكومات الوطنية والاحزاب الوطنية واليسارية في العالم النضال والعمل الجاد والحقيقي من اجل اقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يقوم على اساس ومبادئ جديدة وسليمة تخدم جميع الاطراف ومن اهم هذه الاسس هي الاتي:-

1-        العمل الجاد على اقرار مبدأ المساواة بين جميع الدول في حق اقرار مصيرها وسيادتها الوطنية ، واقرار حقها وسيادتها على مواردها الطبيعية بما فيها حق التأميم .

2-     ينبغي اعطاء حق الشعوب في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي – الاجتماعي بحرية وطواعية ومن دون تدخل سواء كان ذلك بشكل مباشر او غير مباشر ، وان ما حدث ويحدث بما يسمى الربيع العربي يعد تدخلا سافراً ومباشرا و بالقوة العسكرية اللاشرعية ومنافياً لحقوق الانسان والديمقراطية التي تنادي بها ((الديمقراطيات الكبرى)) .

3-   من الضروري ان يقوم النظام الاقتصادي العالمي الجديد على اساس مبدأ التكافؤ والاحترام والمنفعة والمصلحة المشتركة بين جميع الدول ، وبنفس الوقت العمل الجاد على تقليل التفاوت الاقتصادي – الاجتماعي بين الغرب الامبريالي والجنوب الفقير ، بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية للشعوب .

4-  العمل على تقديم القروض والمساعدات المالية والفنية سواء من قبل المؤسسات الدولية او من قبل البلدان الرأسمالية لبلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ، ومن دون شروط العبودية والقهر والاذلال والاستغلال في الميادين المختلفة سواء كانت سياسية او اقتصادية ، وفسح المجال للدول النامية من ان تحصل على التكنلوجيا الحديثة التي تتلائم ومتطلبات تطورها الاقتصادي والاجتماعي وبدون شروط قاهرة .

5-  ينبغي ايجاد علاقة متوازنة ومتكافئة وعادلة بين اسعار مواد الخام الاولية المنتجة في البلدان النامية (نفط ،غاز ...) وبين اسعار السلع الرأسمالية المنتجة في البلدان الرأسمالية ، وبما يخدم مصلحة جميع الاطراف من اجل خلق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على الصعيد الدولي .

6-  من الضروري اضفاء الطابع الديمقراطي الحقيقي في العلاقات الاقتصادية بين الدول الرأسمالية والدول النامية وغيرها من الدول وبغض النظر عن موقع ومكانة ودور وقوة هذه الدولة أي ديمقراطية تقوم على اساس مبدأ التكافؤ والاحترام . ان تحقيق ذلك يساعد على قيام التعاون الحقيقي بين دول الشمال الغني ودول الجنوب الفقير ، وعلى اساس مبدأ الديمقراطية الحقيقية يمكن معالجة جميع المشاكل التي تواجه شعوب العالم وبما يخدم مصالحها واستقرارها .

7-  يجب على جميع دول العالم التواقة للسلام والاستقرار ان تقر وتعترف وتطبق مبدأ التعايش السلمي بين الشعوب والدول ، واقرار مبدأ المباراة الاقتصادية السلمية كشكل من اشكال الصراع الاقتصادي السلمي بين الدول وبما يخدم مصالح السلم والامن لشعوب العالم اجمع .

ان هذه المقترحات وغيرها يمكن ان تكون اساسا سليما لبناء علاقات اقتصادية ، ولنظام اقتصادي عالمي جديد يحقق الامن والاستقرار والعدالة الاقتصادية والاجتماعية لجميع شعوب العالم ، وفي حالة رفض هذه المقترحات من قبل البلدان الرأسمالية فعلى شعوب البلدان النامية والانظمة الوطنية والاحزاب الوطنية والسياسية ان تفكر بانشاء منظمات دولية  جديدة والخروج من عضوية هذه المؤسسات الدولية وهي : صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية .

الخلاصة

أ‌-  بعض الاستنتاجات

اولا :- ان طبيعة الرأسمالية كنظام سياسي واقتصادي – اجتماعي قائم على النهب والاستحواذ والسرقة لثروات الشعوب وباساليب متعددة وتحت ذرائع مختلفة وواهية ، وهي تعمل على تكريس التبعية والتخلف للشعوب ، وان الرأسمالية هي المنتج الحقيقي للفقر والبطالة والازمات والحروب غير العادلة خارج حدودها بهدف الخروج من ازمتها المتفاقمة والمستمرة .

ثانيا :- ان سياسة الولايات المتحدة الامريكية وسياسة صندوق النقد والبنك الدوليين هي واحدة ومتطابقة من حيث المبدأ ، وان الهدف الرئيس لهذه السياسات هو العمل على تصدير وفرض الرأسمالية على شعوب العالم وباساليب وسياسات غير شرعية وغير ديمقراطية ، وبنفس الوقت العمل على تقويض الانظمة الوطنية الرافضة لنهج الامبريالية الامريكية وتحت ذرائع واهية وكاذبة وفي مقدمتها ((حقوق الانسان ، والديمقراطية ، ومكافحة الارهاب الدولي ، وتصفية اسلحة الدمار الشامل )).

ثالثا :- ان النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي لصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية قد كرس وعمق الفجوة الاقتصادية – الاجتماعية لصالح الحيتان والديناصورات المالية المتوحشة على صعيد كل بلد وعلى الصعيديين الاقليمي والدولي ، واصبحت هذه الحيتان والديناصورات المفرطة في جرائمها ووحشيتها في البلدان النامية اداة طيعة ومنفذة لسياسة الامبريالية الاميركية ومؤسساتها الدولية .

رابعا :- ان سياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فشلت في ايجاد حلول جذرية لازمة المديونية الخارجية ، ولأزمة المشكلة الغذائية ومعالجة العجوزات المالية في ميزانية الحكومة والميزان التجاري وميزان المدفوعات في البلدان النامية ، والاكثر من ذلك ، فأن النهج الاقتصادي والاجتماعي للمؤسسات الدولية قد افرز امراضاً خطيرة وفتاكة في المجتمع وفي مقدمتها تنامي معدلات الجريمة وانتشار المخدرات وخاصة وسط الشباب ، وازدهار تجارة السلع الحية (نساء – اطفال ...) والتلوث الاجتماعي المتمثل بانتشار الدعارة والعراة والبرنوغرافية سيئة الصيت في شكلها ومضمونها والمخطط لها بوعي ، وأنتشار مجلات وصحف الجنس المبتذل بهدف تخريب ونسف القيم الاجتماعية السليمة في المجتمع ، وهذا يؤدي الى انحطاط وتدمير اخلاقية المجتمع ابتداءا من الاسرة كخلية ، وهذا ما تسعى اليه قوى الثالوث العالمي اليوم .

خامسا :- ان تطور وازدهار النظام الرأسمالي وخاصة في مرحلته المتقدمة – الامبريالية ، كان ولايزال يتم من خلال النهب والاستحواذ والاستغلال لثروات شعوب العالم ، وخاصة شعوب بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ، وتكمن اساليب التطور اللاشرعية من خلال اشعال الحروب الغير عادلة واثارة النزاعات الاقليمية والمحلية ، والعمل على دفع البلدان النامية وتحت ذرائع واهية وزجها في انفاق عسكري غير مبرر وتصعيده والترويج لتجارة السلاح اضافة الى ذلك غياب التكافؤ في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدان الرأسمالية والبلدان النامية ، وهذا يكون دائما لصالح المركز بهدف بقاؤه واستمراره ومعالجة مؤقته لازماته المتكرره .

سادسا :- ان سياسة الولايات المتحدة الامريكية وأدواتها المالية والاقتصادية والتجارية الدولية كانت تهدف الى (دمقرطة) الانظمة السياسية في البلدان النامية وغيرها من الدول وخاصة تلك الدول التي انتقلت من نظام عادل وانساني الى نظام رأسمالي مشوه. ان هذه السياسة وهذا النهج يحمل طابعا متناقضاً بين القول والواقع الملموس والفعلي ، بدليل ان هذه السياسة قد خلقت الفوضى وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وكوارث اخرى عديدة .

ان هذه السياسة المأساوية والخطيرة قد وضعت وتضع شعوب العالم اليوم اجمع وحكوماتهم امام مأزقا حقيقيا وعلى مفترق طرق خطيرة ، ويمكن ان يكون ثمن ذلك ثمناً باهضاً على شعوب العالم كافة ، لان الوضع الاقتصادي – الاجتماعي والامني في العالم ينذر بخطر جدي وحقيقي اليوم  .

سابعا :- تركز وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين على ليبرالية الاسعار وليبرالية التجارة وأبعاد دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي والعمل على تصفية قطاع الدولة على اعتباره ((شرا)) و ((مفسدة)) والعمل على تعزيز دور ومكانة القطاع الخاص الرأسمالي واعتباره قطاعا ((نزيهاً)) و((خيراً)) و ((كفوءاً)) في حين واقع الحال هو العكس تماما فهو يشكل مفسدة للفاسدين في المجتمع البرجوازي ، لان البرجوازية ترفض كل اشكال الرقابة والمحاسبة على نشاطها ، وان الهدف الرئيسي في هذا النهج هو تصدير الرأسمالية وبطابعها المتوحش الى البلدان النامية .

ثامنا :- لقد فرضت المؤسسات الدولية وبتوجيه ورعاية واشراف من قبل الولايات المتحدة الامريكية نهجاً سياسياً واقتصادياً – اجتماعياً محددا ومؤدلجا على شعوب البلدان النامية وتحت عناوين عديدة ومنها على سبيل المثال ((سياسة الباب المفتوح)) و ((سياسة العلاج بالصدمة)) و ((الليبرالية الجديدة)) و ((وصفة صندوق التقد الدولي)) وغير ذلك . ان هذا النهج المفروض والمؤدلج كان ولايزال غير ملائم مع مصالح الغالبية العظمى من شعوب البلدان النامية ، وغير معبر عن طموحات وتطلعات هذه الشعوب ، وغير معبر عن حاجة الاقتصاد الوطني لهذه الدول ،واتسم هذا النهج بالتطرف المرعب من الناحية الاقتصادية والاجتماعية , لانه اظهر وساعد على ظهور حيتان وديناصورات مالية مفرطة في وحشيتها ، لصوص محترفين وبارعين في سرقة ثروات شعوبهم ، وبالتالي ادى ذلك وغيره الى تفاقم الازمات الاقتصادية والاجتماعية في غالبية بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ، وما حدث في مصر عام 1977 من ثورة الخبز وكذلك في تونس ، وما حدث في الارجنتين والبرازيل ورابطة الدولة المستقلة ودول اوربا الشرقية ، وما يحدث اليوم في البلدان العربية الادليل حياً وواقعياً يعكس ويبين فشل سياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وفشل سياسة من يوجه ويدير هذه المؤسسات الدولية .

تاسعا :- ان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ، ماهي الا مؤسسات دولية مؤدلجة مئة بالمئة وهي مؤسسات دولية غير مستقلة ، وهي في خدمة النظام الامبريالي العالمي وممثله الشرعي الاوهي الشركات العابرة للقارات .

ان هذه المؤسسات الدولية كغيرها من مؤسسات النظام الامبريالي العالمي الاخرى هي مؤسسات غير ديمقراطية وغير عادلة وتفشت فيها روح البيروقراطية والفساد المالي والاداري ، وان هذه المؤسسات الدولية تحمل طابعاً متناقظاً بين الاهداف التي اسست من اجلها وبين ممارستها الفعلية والواقعية في الواقع الملموس ، انها مؤسسات القهر والاذلال والاستغلال والعبودية في علاقاتها مع شعوب البلدان النامية ، هدفها الرئيس هو العمل على انقاذ النظام الرأسمالي من انهياره وهذا الانقاذ المؤقت يتم على حساب مصالح شعوب بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية .

عاشرا :- ان اهم المشاكل التي تواجه شعوب البلدان النامية تكمن بأزمة الفقر والغذاء والمجاعة واستمرار تعميق التفاوت في المجتمع ، ونمو قطاع الخدمات على حساب قطاع الانتاج وتنامي الجريمة والمخدرات وتفشي الامية في المجتمع او تصاعد النزاعات القومية والطائفية والدينية ، وتنامي المديونيــة .

ان هذه المشاكل وغيرها التي تواجه البلدان النامية نابعة من جوهر النظام الرأسمالي والمتمثل بالملكية الخاصة الاحتكارية لوسائل الانتاج ، وان البلدان النامية تشكل طرفاً وجزءاً تابعاً لهذا النظام وهي تدور في فلكه السياسي والاقتصادي والايديولوجي ، وهذا النظام هو المنتج والمصدر الرئيسي لجميع الازمات ويتكيف معها ويطوعها وفقاً لمصلحته ، ولكن هذا التطويع وهذا التكيف المؤقت لايمكن ان يستمر طويلا . ان النظام الرأسمالي لايمكنه ان يحقق تنمية اقتصادية – اجتماعية ذات مضمون انساني ، ولايمكن ان يحقق العدالة الاجتماعية ، وهو نظاما طبقيا وغير ديمقراطي ولن يصلح هذا النظام لشعوب البلدان النامية .

ان المخرج الرئيسي يكمن باقامة نظام اقتصادي اجتماعي عادل ويضمن حقوق الانسان دستوريا حقه في العمل والتعليم والعلاج والسكن المجاني ، وهذا النظام الذي يستطيع ان يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي يكون هدفه الرئيسي هو الانسان ، وهو النظام الذي يحقق العدالة الاجتماعية ويقر بالديمقراطية الشعبية ، اذن هناك علاقة ترابط وثيقة بين العدالة الاجتماعية والديمقراطية والتنمية فلا تنمية اقتصادية – اجتماعية بدون عدالة اجتماعية وديمقراطية ولاديمقراطية شعبية حقيقية بدون تنمية اقتصادية – اجتماعية وعدالة اجتماعية ، فالاشتراكية هي المخرج والحل ، وهي مستقبل المجتمع البشري .

الحادي عشر :- ان من اخطر نتائج سياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اتجاه البلدان النامية هو تحويل اقتصاديات دول الجنوب الفقيرة وخاصة البلدان النفطية الى اقتصاديات ذات طابع استهلاكي وريعي في ان واحد ، وكما يمكن القول ان هذه المؤسسات الدولية قد فشلت في خلق الطبقة المتوسطة ، بل عمقت التفاوت داخل كل مجتمع وبالنتيجة الغني يزداد غنا والفقير يزداد فقرا وعملت هذه المؤسسات الدولية على خلق فئة طفيلية وسماسرة في السياسة والاقتصاد وعملاء النفوذ وقوى اقتصاد الظل اي اقتصاد مافوي ، والعمل على تفكيك كيان الدولة الى دويلات صغيرة  و "مستقلة " وذات "سيادة " ، دويلات متناحرة ومتصارعة فيما بينها ، وما حدث في الاتحاد السوفيتي خلال الفترة 1985 – 1991 ، وما حدث ويحدث اليوم في البلدان العربية الا دليل حي وملموس على هذا النهج القذر والخطير .

اثنى عشر :- ان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ، هي الاركان والاذرع الرئيسة للنظام الرأسمالي العالمي وفي مرحلته المتقدمة – الامبريالية ، هدفها الرئيس هو العمل على "انقاذ" النظام الامبريالي العالمي بشكل عام والأمبريالي الأمريكي بشكل خاص ، ويتم تحقيق ذلك من خلال الهيمنة والسيطرة والاستحواذ على ثروات الشعوب و على اهم منابع الطاقة في العالم وخاصة منطقة الشرق الاوسط وعبر وسائل متعددة وغير مشروعة وغير ديمقراطية .

ب‌-        بعض المقترحات

1-   ينبغي على البلدان النامية وحلفائها النضال من اجل قيام نظام اقتصادي عالمي جديد يقوم على مبدأ المشاركة الفاعلة والمتكافئة بين الدول الاعضاء في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية ، واتخاذ القرارات وبما يخدم مصالح شعوب هذه الدول ، وان تقوم العلاقات الاقتصادية والتجارية ... على اساس التكافؤ والمنفعة المشتركة ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول سواء كان بشكل مباشر او غير مباشر ، والكف عن تصدير الرأسمالية عن طريق فرض سياسات اقتصادية معينة او عن طريق التدخل العسكري وبشكل مباشر وتحت مبررات واهية ، اي الغاء "مبدأ" تصدير "الثورات الملونة" او "الثورات المضادة " بهدف بناء الرأسمالية ، وماحدث في الاتحاد السوفيتي في فترة الخائن والمرتد ميخائيل غورباتشوف ، وما حدث في رابطة الدول المستقلة وخاصة " في كل من اوكرانيا وجورجيا وجمهوريات اسيا  الوسطى ، وما حدث ويحدث في ليبيا وسوريا اليوم . الادليل على ذلك .

2-  من الضروري على الدول الاعضاء في هذه المؤسسات الدولية وغيرها من الدول ، وعلى الاحزاب الوطنية واليسارية من ان يطالبو بالقيام بتغيرات جذرية في طبيعة وعمل وهدف ونشاط وقوانين هذه المؤسسات الدولية المتمثلة بصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية وبما يخدم ويضمن مصالح جميع الدول .

3-  يجب ان تكون القروض غير مشروطة بشروط قاسية سياسية كانت ام اقتصادية ويجب ان توجه الاستثمارات الاجنبية في البلدان النامية نحو تطوير القطاعات الانتاجية وخاصة القطاع الصناعي والقطاع الزراعي ومن خلال ذلك سوف تتم معالجة البطالة وتعزيز الاستقلال الاقتصادي للبلد ، والعمل المتوازن على تطوير البنية التحتية لهذه البلدان وبالنتيجة يتم تحقيق الرفاهية والاستقرار لشعوب هذه الدول .

4-  ينبغي عدم الاخذ بتطبيق وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين ، لان من الناحية النظرية ولا من الناحية التطبيقية فالواقع الموضوعي قد اثبت فشلها لأنها وصفة مؤدلجلة ومنحازة لصالح الطبقة البرجوازية الحاكمة وحلفائها من الحيتان والديناصورات والمافيا المتوحشين ، وهي وصفة تخريب سياسية واقتصادية – اجتماعية ، وليست وصفة بناء ، وان الادلة والبراهين التي تم ذكرها في هذا البحث المتواضع تؤكد صحة ذلك .

5-  من الضروري على الدول النامية واحزابها السياسية ان تطالب الدول الرأسمالية ومؤسساتها الدولية بشطب كافة الديون المترتبة على البلدان النامية لان الغرب ومؤسساته الدولية حصلو على ارباحاً خيالية من شعوب بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية اضعاف هذه الديون الجائرة والغير عادلة .

6-  من الضروري العمل على تعزيز دور ومكانة الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام وفي عملية التنمية الاقتصادية بشكل خاص ويتم ذلك من خلال وضع خطط اقتصادية تهدف الى تغير الواقع الاقتصادي – الاجتماعي المتخلف والتركيز على تطوير القطاعات الانتاجية التي توفر الانتاج المادي وتعزز التحرر الاقتصادي والسياسي ، لان لاقيمة للتحرر السياسي بدون التحرر الاقتصادي ، وان ضروف البلدان النامية في هذه المراحل الحالية يتطلب الاقرار بتعدد الانماط الاقتصادية ، وينبغي ان تخضع هذه الانماط الاقتصادية في نشاطها لرقابة واشراف قطاع الدولة ، وان يكون نشاط هذه الانماط واحدا مكملا للاخر.

7-  يجب النضال الجاد والفعال ووفق الدستور من قبل شعوب البلدان النامية واحزابها الوطنية وقادتها السياسين المخلصين قولاً وفعلاً ان يحاربو ظاهرة الفساد المالي والاداري في السلطتين التنفيذية والتشريعية ، والعمل الحثيث على تشريع القوانين الواضحة الاهداف وتطبيقها وبشكل مبدع ومن اهم هذه القوانين قانون " من اين لك هذا المال" ويجب ان يطبق هذا على الجميع وبدون تميز او انتقائية او ازدواجية او اعتبارات اخرى .

يشكل الفساد المالي والاداري كارثة حقيقية لكافة شعوب العالم ، وهو يعكس ضعف السلطة وضعف تطبيق القانون بحزم واعتماد مبدأ خاطئ " الرجل الغير مناسب بالمكان المناسب " . ان هذه الضاهرة الخطيرة اشبه بمرض " السرطان " في جسم الانسان ، فلا بد من استئصال هذا الورم الخبيث وتطبيق اقصى العقوبات بما فيها عقوبة الاعدام لسراق ولصوص ثروة الشعوب ، وبعكس ذلك سوف تبقى الشعوب تعيش في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار ، لان الفساد والارهاب هما وجهان لعملة واحدة والمستفيد من ذلك هم اعداء الشعوب .

8-  ينبغي العمل على دمقرطة المجتمع والعلاقات الاقتصادية الدولية بشكل واعي ومنظم ووفق القانون ، ومن الضروري اشراك الجماهير الشعبية عبر احزابها ومنظماتها الجماهيرية والمهنية وكذلك عبر ممثليها في السلطتين التنفيذية والتشريعية من اجل تحقيق اهم مبدأ الاوهو دمقرطة المجتمع ، لان بدون الديمقراطية الشعبية الحقيقية لايمكن تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية ، وبدون الديمقراطية الحقيقية لايمكن تطبيق المبدأ السليم الاوهو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وهذا يساعد الجماهير في المشاركة ورسم واقرار ومتابعة تنفيذ السياسة الاقتصادية – الاجتماعية التي هدفها الانسان .

 

 

 

 

 

المخطط رقم 1

دور قوى الثالوث العالمي في قيادة وتوجيه الاقتصاد الدولي

 

 

 

 

 

منضمة الغذاء والزراعة الدولية الفاو

 

 

الهيمنة على العالم و امركة العالم

 

 

صندوق النقد الدولي

 

 

البنك الدولي

 

 

منظمة التجارة العالمية

 

 

حلف الناتو

 

 

محكمة لاهاي

 

 

الولايات المتحدة الامريكية

 

 

المجمع الصناعي الحربي

 

 

وكالة المخارات المركزية الامريكية(C.I.A)

 

 

الشركات العابرة للقارات

 

 

نادي بيلدربيرغ

 

 

اللجنة الثلاثية

 

 

مجلس العلاقات الدولية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مصــادر البحث

1-      قاسم البغدادي ،ـاللعبة الاميركية ، قناع ، ضياع ، جياع ، بدون دار نشر تذكر ، السنة 2010 ، ص 44 .

2-     ريتشارد بيت واخرون ، الثالوث غير المقدس ،ترجمة شوكت يوسف ، دمشق ، السنة 2007 ، ص 38 .

3-     د. نعمان عبد الرزاق السامرائي ، قراءة في النظام العالمي الجديد ، لندن ، الطبعة الاولى ، السنة 2002 ، ص 83 .

4-  محمد حسين الصافي ، انهيار الراسمالية ، الفوضى القادمة ، القاهرة ، السنة 2004 ، ص55 .

5-  نيلسون اروو جودي سوزا ، انهيار الليبرالية الجديدة ، ترجمة جعفر علي السوداني ، بغداد ، الطبعة الاولى ، السنة 1999 ، ص 41 .

6-  المصدر السابق ، ص 49 .

7-       ريتشارد بيت واخرون ، الثالوث غير المقدس ، مصدر سابق ، ص 98 .

8-  انظر د. بسام الحجار ، العلاقات الاقتصادية الدولية ، بيروت ، السنة 2003 ، ص 179 ، د. محمد مرعشلي ، في واقع السياسة الاقتصادية الدولية المعاصرة ، بيروت ، السنة 1987 ، ص 127 .

9-       ريتشارد بيت واخرون ، مصدر سابق ، ص 268 .

10-    اولريش شيفا،انهيار الراسمالية، ترجمة د.عدنان عباس علي الكويت السنة 2010، ص13-14 .

11-    د. نعمان عبد الرزاق السامرائي ، مصدر سابق ، ص 113 .

12-   انظر ، د. باسم الحجار ، مصدر سابق ، ص194 ، وريتشارد بيت ، مصدر سابق ،ص 153.

13-    ريتشارد بيت ، مصدر سابق ، ص188 .

14-    د. نعمان عبد الرزاق السامرائي ، مصدر سابق ، ص 118 – 119 .

15-    اولريش شيفا ، انهيار الراسمالية ، مصدر سابق ، ص 25 .

16-    جريدة طريق الشعب ،18 / 5 / 2010 .

17-    د. محمد فهد ، الكوننه والسوق العالمية " العولمة " عمان ، السنة 2005 ، ص 55– 26.

18-    د. نعمان عبد الرزاق السامرائي، مصدر سابق ، ص 80 .

19-   قاسم البغدادي ، اللعبة الاميركية ، قناع ، ضياع ، جياع ، السنة 2010 ، ص63 .

20-    د. ورويك موراي ، جغرافيات العولمة ، قراءة في تحديات العولمة الاقتصادية والسياسة والثقافية ، ترجمة د. سعيد منتاق ، الكويت ، السنة 2013 ، ص 309 ، 317 – 318 .

21-    رتب الجول من قبل الباحث ، اولريش شيفا ، مصدر سابق ص 328 ونعمان عبد الرزاق ، مصدر سابق، ص 102 .

22-    د. وورويك موراي ، مصدر سابق ، ص 318 ، وجريدة المدى ، 8/12/2007 .

23-    جوزيف ستكلتز ، العولمة ومساوئها ، ترجمة فالح عبد القادر ، بغداد ، بيت الحكمة السنة 2003 ، ص34 .

24-    المصدر السابق ، ص 40 – 41 ، وص 281 .

25-    د.ورويك مواري ، مصدر سابق ، ص 258 .

26-    مارك فلورباييه ، الراسمالية ام الديمقراطية ؟ خيار القرن الواحد والعشرين ، ترجمة عاطف المولي ، الجزائر ، 2007 ، ص59 .

27-    بيلاشينكو ، قواعد الامبريالية اداة العدوان ، موسكو ، دار التقدم السنة 1978 ، ص 78 .

28-    زبيغنيو بريجنسكي ، رؤية استراتيجية ، اميركا وازمة السلطة العالمية ، ترجمة فاضل تجكر ، بيروت ، السنة 2012 ، صفحة 52 .

29-    ريتشارد بيت ، مصدر سابق ، ص 268 – 269 .

30-    المصدر السابق ،ص 56 .

31-    المصدر السابق ،ص81 .

32-    المصدر السابق ، ص120 .

33-    رتب الجدول من قبل الباحث على ضوء ..

-  د. رمزي زكي ، التاريخ النقدي للتخلف ، الكويت ، السنة 1987 ، ص213 .

-  د. صالح ياسر ، الاقتصاد السياسي للازمات الاقتصادية في النسق الرأسمالي ، محاولة في فهم الجذور ، بغداد ، السنة 2011 ، ص265 .

-  جريدة طريق الشعب العدد ، 102 ، في 13/ 1 / 2013 .

34-    انظر ، مجموعة باحثين ، الامبريالية وقضايا لتطور الاقتصادي في البلدان المتخلفة ، ترجمة عصام الخفاجي ، دار ابن خلدون ، السنة 1974 ، ص 94 .

35-    د. رجب بودبوس ، العولمة بين الانصار والخصوم ، بيروت ، السنة 2002 ،ص51 .د

36-    لستر ثورو ، مستقبل الرأسمالية ، ترجمة عزيز سباهي ، السنة 1998 ، ص139 .

37-    جريدة طريق الشعب ، 23\ 1 \ 2013  .

38-    ريتشارد بيت ، مصدر سابق ، ص286  .

39-    جريدة طريق الشعب ، 23 / 11 / 2010  .

40-     د. ورويك ،مصدر سابق ، ص 127 .

41-    د. صالح ياسر ، العلاقات الاقتصادية الدولية ، بغداد ، السنة 2006 ، ص625 .

42-    المصدر السابق ، ص631 .

43-    د.صالح ياسر ، الأقتصاد السياسي للأزمات ، مصدر سابق ، ص278  .

44-    د.عبد الحي زلوم ، أزمة نظام الرأسمالية والعولمة في مأزق ، عمان ، لسنة 2009 ،ص122.

45-    المصدر السابق ، ص123 .

46-    يو.أ.ليسوفسكي ، الاقتصاد الجنوني ، موسكو ، السنة 2011 ، ص37 ، باللغة الروسية .

47-      د.نعمان عبد الرزاق ، مصدر سابق ، ص 116 .

48-    د. ورويك موراي ، مصدر سابق ، صفحة 336 .

49-      جريدة المدى ، 8/12/2007 .

50-      جريدة قاسيون ، 14/4/2007 .

51-    جريدة طريق الشعب ، 13/10/2010 .

52-    اولريش شيفر ، انهيار الرأسمالية ، مصدر سابق ، ص 328 .

53-    جريدة طريق الشعب ، 25/5/2010.

54-    زبيغنيو بريجينسكي ، رقعة الشطرنج الكبرى ، ترجمة امل الشرقي ، عمان ، السنة 1999 ، ص43 .

55-    زبيغنيو بريجينسكي ، رؤية استراتيجية ، اميركا وازمة السلطة العالمية ، ترجمة فاضل جتكر ، بيروت ، السنة 2012 ، ص12 و ص53 .

 

 

بغداد

        31/ 3 / 2013