سلبية المواطن.../ عبد المنعم الاعسم

عندما يجري الحديث عن اخفاق الخطط والجيوش والاستحكامات الامنية الحكومية في لجم النشاط الارهابي الاجرامي لا يُسـَلط الضوء كفاية على موقف المواطن من هذا النشاط، حيث يحرص الخطاب الامني الرسمي على تسويق جملة اعلامية مبهمة وشكلية وافتراضية وغير موثقة عن التعاون بين المواطنين والجهد الامني، ومقابل ذلك، لم تعالج البحوث والمعاينات واقنية الاعلام والصحافة هذه القضية الخطيرة بالمراجعة والتدقيق والصراحة، فان الكثير من التفجيرات والتحركات المريبة للارهابيين تمر من غفلة المواطن، إذا ما شئنا تسمية الاشياء باسمائها.

نعم، المواطن مسكون بالخوف والقلق والغضب والحقد على المجرمين، لكن جميع هذه المفردات تنصرف بعيدا عن الاستعداد للتعاون مع السلطات، واحيانا تنصرف الى الغليان ضد تلك السلطات.

 علينا ان نثبت حقيقة وجود "إشكالية" في العلاقة بين المواطن واجراءات محاربة الارهاب، على الرغم من ان هذا المواطن هو ضحية لجرائم الارهابين ، بل الضحية رقم واحد لهم، حين تُصمم غالبية الهجمات لتكون مذابح جماعية وانتقامية للسكان والحياة المدنية، الامر الذي يفترض (نظريا) ان تتجه ردود افعال المواطنين الى مزيد من اليقظة والتعاون مع الجهات الامنية وان يصبحوا عينا راصدة للتحركات الارهابية، لكن شيئا من هذا لم يحدث في الواقع، وهو الشرخ البائن في النظام الامني الوطني الذي لا يقوم فقط على التشكيلات العسكرية وخطط الملاحقة والردع والقصاص، بل يدخل تعاون المواطنين مع الدولة في صلب عملية المواجهة، ولعله الاخطر والاهم من الاركان الاخرى لهذا النظام.

  سلبية المواطن حيال الحملة على الارهاب تتسم بالتعقيد، فالبعض الكثير منها يعود الى الموروث التاريخي للخصومة بين السلطة والمواطن وانعدام الثقة بينهما، وقد تكرست هذه الخصومة مع تنامي الشعور بثراء الفئات المتسلطة ورموزها وبذخ حياتها وتوسع امبراطورياتها المالية والعقارية، وتعالي وغطرسة وفساد حلقاتها في السلطة، فمن غير المعقول ان تطلب من المهمش والعاطل عن العمل والمهموم بتردي الخدمات ومصاعب المعيشة ان يتعاون مع سلطات يشعر انهافاسدة، وتذله وتحرمه فرص العمل والعيش الكريم، هذا عدا عما تتركه الخطط الحكومية الفاشلة من احباط بين المواطنين وفتور في الحماس للمراقبة والتعاون مع السلطات.

 على انه ينبغي ان ينظر لسلبية المواطن هذه بجدية وصراحة، وان تخضع للتحليل الموضوعي، على خلفية الانقسام الذي يضرب النسيج الوطني، فان إضرام حمية الانتماء الطائفي من قبل الاحزاب والزعامات السياسية اوجد ثغرات خطيرة في الشعور بالمسؤولية الوطنية إذْ تسلل الارهابيون عبرهذه الثغرات الى تنفيذ اعمالهم الشنيعة من دون اية رقابة مجتمعية، وليس من دون مغزى ان تجد الجماعات الاجرامية قواعد انطلاق لها في مزدحمات سكانية او احياء بعيدة عن حواضنها الريفية والقبلية.

 بوجيز الكلام، لا يمكن دحر المشروع الارهابي الاجرامي بالاجراءات الامنية والعسكرية وحدها، فان المواطن يشكل الركن الثاني في موجبات دحر الارهاب.. المواطن الذي يشعر ان الدولة بثرواتها وخيراتها هي دولته، وان السلطة في خدمته حقا.

******

" رحم الله أمرأ أعان أخاه بنفسه"

 ابو بكر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة(الاتحاد) بغداد