عبد الكريم قاسم ليس شهيدا..!/ سلام كبة

قرار مؤسسة الشهداء بسحب صفة الشهادة عن شهيد الشعب والوطن عبد الكريم قاسم هو قرار طبقي بامتياز ينسجم مع المصالح والتطلعات الطبقية البورجوازية الكومبرادورية والطفيلية للنخب الحاكمة في العراق اليوم!وهو انعكاس للتراجع العلني والكامل عن كافة الاجراءات الاقتصادية والاجتماعية التي اتخذتها ثورة 14 تموز 1958 المجيدة بل وتمهيد عملي للطعن بالثورة نفسها واعتبارها انقلابا عسكريا هامشيا!وهذا القرار الاغبر الكسيح يلتقي مع رغبة حكام بغداد في العفو عن جرائم البعث العراقي وطي صفحات التاريخ وفق قاعدة "عفى الله عما سلف" سيئة الصيت!

  قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 لعام 1958 بعرف حكام بغداد هو خرق للشريعة الاسلامية التي تحمي الملكية الخاصة،وقانون الاحوال الشخصية لعام 1959 والمساواة بين الرجل والمرأة في الارث هو الكفر بعينه ولا يتناسب مع احادية الزواج!ويهاجم هؤلاء قانون النفط رقم 80 وفكرة التأميم بحجج اقتصادية(خنق الاقتصاد الوطني)وقانونية(مخالفته للقانون الدولي العام)وعقائدية(اجراء راديكالي واحيانا شيوعي)،بينما انتهج حسين الشهرستاني حلول تساومية مع الشركات النفطية(كمبدأ المشاركة الوطنية الاجنبية في الامتيازات – الشراكة الذكية)،محاولا طمس التناقض الجوهري بين التنميـة الكومبرادورية(الاستثمار الأجنبي المباشر او المقنع،اعتماد المؤسسات الأجنبية والتابعة للقيام بالتنمية،تبني اسلوب الشركات الاستشارية والمقاولة،اسلوب المناقصات العالمية الرأسمالية …الخ)والتنمية الوطنية!وهذا الفكر المتأرجح في حقل العمل والسياسة الاجتماعية يبذل جهده لكبح النضال الطبقي للطبقة العاملة بشعارات من قبيل المشاركة الاختيارية والسلام الاجتماعي والمزاملة في السيطرة الاجتماعية..الخ.

سعت المراتب الطبقية الدينية الطائفية الطفيلية الحاكمة في العراق الى الربح السريع بأية وسيلة،فعملت فيالمضاربة بالعملة وافتعال الندرة لرفع الأسعار،وبهمة في شراء وبيع الأراضي والعقاراتبطرق مشروعة وغير مشروعة،واستغلت المصارف للحصول على تسهيلات ولو بأساليب ملتوية.ثم ما لبثت ان خلقت الرأسمالية الطائفية الطفيلية مناخا من الأحلام والأوهام التي تدغدغ خيال مختلف الفئاتالاجتماعية،وخاصة الطبقات الدنيا التي تعيش على فتاتها،لينتشر التهريب والسوقالسوداء والتهرب من الضرائب والرشوة والتجاوز على الاملاك والخدمات العامة.

   وبعد مضي 10 اعوام عن استلامها مقاليد السلطة،واتباعها سياسات اقتصادية انتقائية ونفعية غير مدروسة وغير مفهومة،تتميز بغياب الرؤى والستراتيجيات والسياساتالموحدة للدولة في مجال التنمية وبالاضعاف المتعمد القسري لدورالدولة في الميدان الاقتصادي،وباستمرار المغالاة في تأكيد مزايا السوقالحرة في اقتصاد البلاد دون معاينة للواقع الملموس واستحقاقاته!شهدت البلاد تعمق السمة الاحادية للاقتصاد العراقي والاعتماد شبه الكاملعلى موارد النفط في تمويل الموازنة العامة للدولة،بل لم يعد الاقتصاد العراقي  ريعيافقط،بل وبات خدميا ضعيف الانتاج في الوقت نفسه.وينعكس الضعف الاقتصادي البنيويفي التجارة الخارجية،وانعدام الصادرات غير النفطية،بينما تؤلف السلع الاستهلاكية،خصوصاً المعمرةكالسيارات والأثاث والاجهزة الكهربائية والالكترونية،نسبة عالية من حجم الاستيرادات الكلي.ويلاحظ  تدهور متواصل في امكانات وقدرات القطاع الخاصالانتاجي الذي يستحوذ على نسبة تشغيل للقوى العاملة في البلادتزيد على 85%.كما تبنتالدولة سياسة الانفتاح على الاسواق الخارجية،والغت جميع القيود والضوابط علىالاستيراد،ووضعت الانتاج المحلي الضعيف والمنهك امام منافسة غير متكافئة مع المنتجالاجنبي،ما ادى بالضرورة اى انهيار معظم ما تبقى من الصناعة الوطنية.ويلاحظ اليوم في العراق:

  • ·       سيادة رؤى وتوجهات تغيب عنها السياسةالصناعية التي يمليها الترابط الوثيق بين التنمية والتصنيع،كما يغيب ادراك اهميةالتوسع الصناعي في تحقيق اهداف التنمية،المتمثلة في خلق فرص عمل ومكافحة الفقرورفع مستويات الدخل القومي،وتحقيق عدالة اجتماعية عبر توزيع افضل للدخل.
  • ·       القطاع الزراعي يواجه غياب وانعدام التخطيط الاستراتيجي.
  • ·       يتواصل الخلل في الجمعوالتنسيق السليمين بين السياستين النقدية والمالية،مع استمرار ارتفاع معدلات البطالة والتضخم،وما ينجم عنه من ظروف معيشية شاقة لقطاعاتواسعة من ابناء شعبنا،ويعاني ربع السكان من الفقر الشديد.
  • ·       لا يقدم نمطالتشغيل غير الانتاجي في مؤسسات الدولة،والقائم على الاعانة،حلاً لمشكلة البطالة.
  • ·       مؤشر التضخم ما زال عند مستويات مرتفعة،ويتسبب في خفض القدرة الشرائية!
  • ·       محاولة حل قضايا الاقتصاد ومشاكله  بعصى سحرية ومبادرات من نوع المبادرة الزراعية!
  • ·       الفساد الاداري والاقتصادي بات سرطانا!

 

   في ظل هذا الحراك الطبقي لا يبدو غريبا قرار مؤسسة الشهداء بسحب صفة الشهادة عن شهيد الشعب والوطن عبد الكريم قاسم!بل هو قرار تستلزمه اسس مجتمع الطائفية الطفيلية - المجتمع الزائف بلا عمق اجتماعي والذي يؤثر على الفئات الاخرى التي لا تمتلك القوة المعنوية الكافية لمقاومته.هذا المجتمع لا يطيق العمل التنموي الصبور البناء والتخطيط المنهاجي الاستراتيجي والتنمية المستدامة،لأنه يدرك ان دورةحياته محدودة،فعمل في مجالات الفساد والنهب السريع الذي لا يحتاج لجهد وصبر!وهو لا يمكنه ان يمارس اسلوبه في النهب العجول في ظل الاوضاع الديمقراطية المنفتحة،ويحتاج دوماً الى ادوات فعلية وشكلية تضليلية يقمع بها الناس كلما حاولوا نقده او خرجوا ساخطين تحت وطأةالظروف المعيشية الضاغطة.

    قرار مؤسسة الشهداء بسحب صفة الشهادة عن شهيد الشعب والوطن عبد الكريم قاسم هو قرار براغماتي صرف فلم يعد اليوم ان يكون القرار والاجراء موافقا للحقيقة بل ان يكون نافعا او ضارا بالرأسمال،مناسبا او غير مناسبا،ترضى عنه الشرطة ام لا ترضى.وبدلا عن البحوث المجردة عن الهوى تظهر المماحكات المأجورة،وبدلا عن التحقيقات العلمية النزيهة ينبز الضمير الشرير والغرض الاعمى للدفاع عن الانظمة القائمة وتغطية الجوهر اللصوصي للعولمة الرأسمالية والتستر على عسكرة الاقتصاد وتعبئة الموارد للتسلح والاعداد للحروب الجديدة!

    قرار مؤسسة الشهداء بسحب صفة الشهادة عن شهيد الشعب والوطن عبد الكريم قاسم يعكس خطورة استبداد احزاب الاسلام السياسي من خلال تعاملها المزدوجوالتفافها على القوانين وتطويعها لخدمة أهدافها البعيدة المتمثلة بالانقضاض علىالسلطة بأسم القانون وفرض دكتاتوريتها بأسم الديمقراطية!فيما المواطن يئن تحت وطأة سوء الخدمات والاحوال المعيشية الصعبة!

   يقول الشاعر الكبير جاويد:

بغداد يا بغداد لا تتخاذلي
دقــّي الثرى وتمرّديواستبسلي
ساد الظلام فبدديه بمشعل ِ
واهوي بمطرقة ٍعليه ومنجل

كالطود سيري في اكتساح عمائم ٍ
من دون سحقِهم ُ الدُجى لنينجلي
وإذا دهاك الخطبُ شقـّي غبارَهُ
واذا أتاك ِ الموتُ،ناديياعلي
نادي على فهد الفهود فانـّهُ
للثورة الحمراء أزكى منهل

 

  اخطر المخاطر التي تواجه العراق اليوم هو ان يتم النظر بأزدراء على تاريخ الدولة البعثية الفاشية في العراق،وان يغسل المرء يديه مما كان بحجة ان الوضع الحالي لا يسمح بمناقشة هذه الأمور على الجبهة الثقافية والفكرية لأنها ستفتح ملفات يتجنب الكثيرون فتحها!لكنها بالتحديد هي مهمة المثقف العراقي!

    ان ذكرى استشهاد الزعيم الوطني الكبير عبد الكريم قاسم باقية شوكة في عيون الغدر البعثي والطائفي والاسلامي السياسي!وقد عبرت ثورة 14 تموز 1958 المجيدة عن السفر العظيم والجبار لشعبنا في تثبيت استقلاله السياسي والاقتصادي وما قدمه منتضحيات وشهداء لبناء مجتمع قائم على الرخاء والرفاهية والعدل الاجتماعي والنهوض السليم المعافى للبناء المؤسساتي المدني!بينما ستبقى مؤسسة الشهداء تعاني الامرين من قرارها المخزي العار الذي حولها بجرة قلم من مؤسسة لتكريم الشهداء الى مؤسسة لاهانتهم!

بغداد

21/9/2013