التنصت على المكالمات.. قف /عبد المنعم الاعسم

جملة مفيدة

 تتداول كواليس السياسة والتنافسات كلاما حذرا عن انتشار ظاهرة التنصت "التكنولوجي" على المكالمات الشخصية، ليس فقط من الجهات الرسمية، بل وايضا، من قبل الجماعات السياسية، وتفيد المعلومات الاولية ان الامر لا يقتصر على تنصت الكتل والزعامات على بعضها بغرض جمع المعلومات والتجاوز على الخصوصيات بل ويجري داخل التكتلات السياسية نفسها وبين الحلفاء انفسهم، ما يطرح القضية على طاولة الملفات الخطيرة التي تمس الحقو الدستورية الشخصية.

/وكان الموضوع قد اثير في وقت سابق من العام الماضي، وتابعته الصحافة العالمية التي تحدثت عن تنصت كابينة الحكومة على خصومها بواسطة اجهزة باشراف ومعرفة الجهات المعنية بالاتصالات، غير ان الامر بقي في نطاق الاتهامات والشكاوى والشائعات، والجديد الآن، هو ان معلومات صحافية كشفت عن سوق في عواصم غربية لاجهزة التنصت المتطورة ، يرتاده سياسيون عراقية ووكلاء لهم لشراء اكثر تلك الاجهزة كفاءة وغلاء مع اقتراب الانتخابات النيابية، الامر الذي يدخل في معارك الدعاية والتشهير وكسر العظم والتهديد بافشاء معلومات خاصة.

/التنصت على المكالمات الشخصية جريمة يعاقب عليها القانون، ويرخص للحكومات ممارستها بقرار من محكمة معتبرة، ولأغراض محددة تتعلق بالامن الوطني وحالات الحروب والتهديدات الخارجية، وهي جريمة نكراء اذا ما استخدمت في الصراع السياسي والتشهير بالاشخاص، وقد قضى بتجريمها الاعلان العالمي لحقوق الانسان (المادة12) والعهد الدولي للحقوق المدنية (المادة 17) وحتى الدستور العراقي في مادته السادسة عشرة حين اكد احترام خصوصيات الافراد"

/وبصرف النظر عن دقة دقة المعلومات المتداولة ومدياتها، فان تقنيات التنصت على المكالمات دخلت، بالتأكيد في الخدمة الحكومية، ومنها الى ساحة الصراع السياسي، كما ان استخدام هذا الشكل من جمع المعلومات، وتوظيفها ضد الاشخاص كبراهين اتهام يخالف مخالفة صريحة الاخلاق والمواعظ الدينية والكتب المقدسة، وبهذا الصدد يمكن ملاحظة النفاق الاخلاقي لجماعات الاحزاب الدينية التي تنخرط في هذه الفضيحة حيث يتعارض ذلك مع تحريم التجسس على الناس  في القرآن الكريم: "ولا تجسسوا، ولا يغتب بعضكم بعضا- سورة الحجرات" وذُمّ ذلك من قبل الرسول في قوله: "إذا تناجى إثنان فلا يدخل معهما غيرهما حتى يستأذن منهما- نقله ابن عمر". 

/كثيرا ما نسمع السياسيين والدعاة من الاطراف المتصارعة انهم يملكون معلومات خطيرة "ودامغة" عن خصومهم، وبلغ الامر بتجار اعلام  واصحاب فضائيات ان يبتزوا سياسيين برسائل تؤكد انهم يملكون اسرارا "حية" سيمتنعون عن نشر وقائها في حال دفع الثمن، لكن بعض الوقائع جريمة..وبعض الثمن قطرة حياء.

*****

" لا تفتش عن عيب الصديق فتبقى بلا صديق".

جعفر الصادق

 

 ******************************************************

 

التدخل الاقليمي

 

يُعد العراق من مجموعة الدول التي تمر في حالة اضطراب وعدم استقرار، او بالمصطلح المدرسي: حالة انتقال شديدة التعقيد والتداخل مصحوبة بانشقاقات سياسية على مستوى المكونات، وفي داخل كل مكوّن.

والمهم هنا الإقرار بان الدولة العراقية تعاني من ضعف في مفاصل كثيرة، لعل اخطرها المفصل الامني الذي يكشف، في ما يكشف على المستوى الوطني، عن هشاشة كفاءة الدفاع عن البلاد ونقص مستلزمات حماية السيادة، في منطقة محاور متصارعة وسباق تسلح واطماع توسعية خارج الانضباط فضلا عن هوس تصغيات الحساب بين هذه المحاور وبينها وبين الاستراتيجيات الامريكية على الارض العراقية.

ولايقلل من تأثير هذه المحددات على الوضع العراقي كل ما يقال عن تطمينات والتزامات اقليمية ودولية حول احترام ارادة العراقيين وسيادة بلادهم، لأن هذه المحددات تتم باشكال بالغة الدقة وعبر اقنية مختلفة ومتشابكة ومفتوحة، استخبارية ومالية ولوجستية واعلامية، تضاف لها تداعيات تفكيك دولة الدكتاتورية، ووقوعها تحت قبضة القوات الاجنبية وما ترتب على ذلك من اختلال في التوازن الامني الاقليمي.

وإذا ما سمينا الاشياء باسمائها، وكما هي في الواقع، فانه من الضروري الاشارة الى ثلاثة محاور اقليمية تحيط بالعراق وتمارس تاثيرها ونفوذها وضغوطها على وضعه الامني والسياسي، هي المحور السعودي (الكويتي) والايراني (السوري) والتركي التي جميعا تضع العراق على اولويات اهتمامها ومجال نفوذها وخطط التأثير في احداثه ومراقبة مسارات بناء الدولة الجديدة وشكل هويتها وتحالفاتها وطبيعة سلطتها، والتدخل فيها، ومن الطبيعي ان لايرى المحلل كفاية من المعطيات على سلامة ونزاهة وصدقية تعامل هذه المحاور مع خصوصيات التكوين العراقي وموجبات تطبيع الاوضاع في البلاد، كما لايستطيع ان يفاضل بين هذا المحور او ذاك، او يفترض اخلاقية هذا التدخل او سواه، إذا ما وضع مصلحة العراق وحاجته الى الاستمرار على الخارطة.

ومن البديهي ان تجد هذه المحاور، في مثل الحالة العراقية المضطربة والمتشظية، وسطا سكانيا وسياسيا تتماهى فيه وتحمـّله نفوذها واجندتها وتدير بواسطته صراعاتها مع بعضها الاخر، كما انه من البديهي، ان تجد هذه المحاور متطوعين ومتحمسين في داخل الخارطة السياسية العراقية، تستقوي بهم ويستقوون بها، وليس مبالغة في القول بان الكثير من فصول هذا المشهد التاريخي تُنفـّذ بالكثير من الشفافية وبرود الاعصاب والانسيابية، وكأن هناك اشارات مرور تنظم حركة التواصل، وتضمن استمرار حالة الاضطراب وعدم الاستقرار لكن بادوات (شعارات) محلية تتولى تحقيق الهدف بالنيابة.

على هذا السطح نستطيع ان نتفحص، بهدوء، كيمياء النداءات التي تنطلق بين وقت وآخر (من شخصيات او فئات عراقية) وهي تدعو الى درء خطر النفوذ من محور واحد بعينه، فقد يكون هذا النداء مأجورا لمحور آخر يمتلك نفوذا لايقل خطرا عن سواه، وقد يكون معروضا للبيع في بورصة الصراع بين المحاور.

لكن الغش يظهر واضحا في حمية البعض من النداءات المحلية التي تبرئ هذا المحور او ذاك من ظنة التمدد في الشأن العراقي وإفساد نسيجه . اما الوجه الآخر لهذا الغش فيمكن قراءته في القول ان هذا المحور او ذاك يهمه احوال هذه الشريحة العراقية او تلك وحمايتها حين تتعرض الى التنكيل.. فمن ينكل؟ ومن يحمي؟..

ـــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وزراء الداخلية

 

 

لا أقول أكرههم، اقول لا أحب وزراء الداخلية، في العراق أو في غيره، الآن وفي الماضي وفي المستقبل. هكذا انا، ومن حقي ان لا احب وظيفة او شخصا يشغل وظيفة، وربما أحبذ تجريم وزراء داخلية الانظمة المثقلة سجلاتها بالمذابح والمعاصي بدلا من رؤساء الدول، فاولئك هم القتلة، وهؤلاء هم الشهود.
لحسن الحظ، او لسوئه، اننا من غير وزير داخلية منذ حوالي عام، وقد وفر علي ذلك شعور الامتعاض حيال وزير لم يعيّن بعد ليلتحق بطابور طويل من من منتجي عذابات الناس الذين يحبون الحرية.
حتى هاينريش هملر وزير داخلية هتلر كان اكثر هوسا بالقتل واهانة البشر من سيّده، وكان اكثر ولعا بتنفيذ بعض التنكيلات بيديه، ويعدّ ذلك بمثابة تسلية يمارسها في اوقات الفراغ.
ولا اعرف (ولم اسمع عن) رئيس دولة لا يأتي بوزير داخلية اقسى منه، كان صدام حسين يغيّر وزراء داخليته مثلما يغيّر اغطية رأسه(من السدارة الى الغترة) التي تفنن في ضبط مطابقتها للاحوال، ولم يتورع عن اختيار جهلة وامعات لهذا المنصب(سعدون شاكر ووطبان) وكان احدهم (محمود ذياب الاحمد) قد سلم نفسه للقوات الامريكية عندما لم يجد حارسا واحدا يطيعه، ومرة قيل لصدام ان وزير داخليته ينتهك حرمات العائلات فرد بقوله “عفية عليه” وحين بدأ الوزير “يخربط” ويضعف في قسوته طرده صدام بتهمة انتهاك حرمة عائلات عراقية.
اما حبيب العادلي، وزير الداخلية المصري السابق فقد كان اكثر وفاء لمتبوعه حين اعلن ان مبارك بريء “وإذا كان لديكم شيء ضده فانا المسؤول” ثم قال “بعد ذلك فكلانا بريء” وقبل هذا كان نيكولا بامباشي وزير داخلية موسوليني قد خذل سيده وسلم سلاحه للعدو من يدين تقطران دما، وفي تونس كان زين العابدين بن علي وزير الداخلية الجلاد في منتصف ثمانينات القرن الماضي قد انقلب على الرئيس الحبيب بورقيبة فاصبح رئيسا مدى الحياة ثم خنق بلاده بيدين من حرير.
اقول، في خواطري الكثير من النقاط السوداء حيال وزراء الداخلية، ومرة، حين كنت محررا في صحيفة لندنية عقد لقاء لوزراء الداخلية العرب في العاصمة البريطانية، وصادف ان قام اربعة وزراء منهم بزيارة مكتب الجريدة، وصاروا يتنقلون بين اقسامها ويتعرفون على محرريها، وعندما اقتربوا من طاولتي كنت اضحك بصوت لم استطع كبح سخريته، ثم اجتاحتني برودة خشنة حين لامست ايديهم. كانت قبضات سجانين وجلادين. آنذاك، شعرت بالامتنان للفرصة التي جعلتني جالسا على كرسي، حرّا، ووزراء الداخلية يتناوبون للسلام عليّ، فيما كانوا قبل ذلك يجلسون على الكراسي وانا وراء القضبان، او مطلوبا لهم حيثما اكون.
"كان لزبيدة زوجة الرشيد قرد تحبه فكان القادة يدخلون على القرد للتسليم عليه، وممن فعل ذلك يزيد بن مزيد الشيباني الذي شغل منصبا يضاهي وزير الداخلية في ايامنا"

 *******************************************************

جملة مفيدة

ــــــــــــــــــــ

 

الدكتاتورية سقطت..

الدكتاتورية لا تزال

 

/استمرار الميل الى "منطق" ولغة وسياسات صدام حسين من قبل المعارضين السابقين الذين يديرون شؤون الدولة الجديدة وينتسبون الى عهدها، وايضا بالنسبة الى  جمهور من الضحايا السابقين، ليس فقط امرا من مضاعفات خيبة الامل حيال حلم التغيير أو رد الفعل على اضطراب الاوضاع وعلى الحلل الذي يضرب مفاصل الادارة وقيم الوظيفة والشعور بالامن، بل هو ايضا اشتقاق من الاثر السايكولوجي العميق لحقبة الدكتاتورية  في الوجدان الجمعي للضحايا، وسيبقى هذا الميل قائما ومُعبرا عنه باشكال مختلفة، طالما يوضع في خانة "المسكوت عنه".

/في التجارب التي سبقت الحالة العراقية عكف المحللون الاجتماعيون على بحث مخاطر الاثار التي تتركها الدكتاتوريات  في سلوك الاجيال التي عاشت الاهوال تحت حكم القمع الطويل ومصادرة الحريات، وبين ايدينا نماذج من الدراسات والحلول القيمة من الارجنتين وجنوب افريقيا واسبانيا، والكثير منها انتج معارف طبية تطبيقية جديدة لمعالجة الضحايا والحيلولة دون ان يمارسوا حياتهم تحت تاثير تلك الحقب السوداء، والاهم دون ان يعاد انتاج ثقافة الدكتاتورية المهزومة. 

/وقبل تلك التجارب بعقود طويلة كانت تجريدات التأثر بالبيئة الضاغطة موضع دراسة طليعية من قبل العالم البايالوجي الروسي إيفان بافلوف في القرن التاسع عشر ونال عنها جائزة نوبل العام 1904 وتقوم على رصد تفاعل الانسان، والحيوان أيضا، مع التأثيرات الضاغطة واستمرار هذا التفاعل مع غياب مصادر التأثير واشكالها (سقوط الدكتاتورية) وكانت تجارب بافلوف على الفئران والكلاب في غاية الاهمية حول تحول المنعكس الشرطي (المظالم) بالتكرار لسنوات طويلة الى منعكس لاشرطي حيث يثير غضب الضحية حالما يتذكر المظالم مرة اخرى، وقد يقع في حالة الاعجاب الخفي بها.
/لكن ابو حامد الغزالي صاحب (تهافت الفلاسفة) لاحظ في إحدى بحوثه طغيان (الروح الخيالي) لدى الانسان مستشهدا بالكلب الذي يهرب بعيدا كلما رأى العصا إذا كان يضرب بها في السابق باستمرار، ما يبقي هاجس الالم قائما في اللاشعور حتى مع ابتعاد خطر العقاب، وقد اعتبر رد الفعل هذا بمثابة حشوة لنظرية ابن خلدون عن لجوء الضحية في حالات معينة الى الاعجاب بجلاده.
/وفي انتباهة لرسول حمزاتوف، يقول، ان أبناء قريته في اقاصي داغستان كانوا قد هجروا نبعا من الماء كان قد شهد مذبحة لعشرين من نسائهم، وكان الجيل الثالث من ابنائهم يرتعبون ذعرا كلما مروا بالنبع، وكان كثير منهم يضطرون للمشي يومين بدل ان يسلكوا الطريق عبر النبع مخافة ان يتذكروا بشاعة المجزرة، وقبل سنوات قليلة قال مراسل اجنبي كان قد التقى العشرات من العراقيين وتحدث اليهم عن مستقبل بلادهم، إن الناس هنا لم يخرجوا بعدُ من الكوابيس، وهم يتصرفون كما لو انهم في زنزانات.. وكدت أعد هذه الصورة فرطا من المبالغة، لولا ان بافلوف والغزالي وحمزاتوف سبقوا المراسل، الى تأويل ما تتركه القسوة في الاعماق.

/الدراسات الحديثة عن اثار الحقب الدكتاتورية على الشعوب تحذر من ميلين خطرين، اولهما، الاستمرار بالخوف من شبح الجلاد ، كما لوانه لا يزال حاكما، وثانيهما، الانحراف الى الاعجاب الخفي بالجلاد، كما لو انه كان بريئا.

*******

 

كذب

الآن، وكأننا في موسم اصبح فيه الكذب حلال، فلا حسيب ولا رقيب: الشاشة الفضية تكذب على الساسة فتنفخ في صورهم، والساسة يكذبون على بعضهم في حفلات اعلانية مدفوعة التكاليف، واولئك وهؤلاء يكذبون علينا بالقول انهم صادقون معنا، ولا يخفون عنا شاردة او واردة قط،
سفينة نبينا نوح بناها هواة، اما تايتانيك التي غرقت بمن عليها فقد بناها كبار المهندسين المحترفين، وما دمنا في سيرة نوح، فقد رُوي انه حين كان يبني سفينته، كان يمر به الناس ساخرين منه لأنه كان يشيدها في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا بقربها، وتشاء الاحداث ان يحدث الطوفان فتتولى تلك السفينة انقاذ مخلوقات، من كل زوجين اثنين، حتى القردة التي تحدرنا من صلبها.
ثمة حكم كثيرة عن الكذاب.. مثل  "اكذب من ابو مرّة"  وابو مرة هو ابليس، او  "اكذب من طير الفاختة" لأنه إذا حطّ على نخلة يصيح "هذا اوان الرطب" في حين ليس الوقت و"أكذب من مسيلمة" في اشارة الى مسيلمة بن ثمامة، سئ الصيت.
وتحت قبة البرلمان الكثير من هؤلاء، لسوء حظنا.