إعتصام البرلمان.. تلاقي المصالح .......... / محمد وذّاح
في الدول التي تَحترم نفسها وتمتلك نظام ديمُقراطي حقيقي، تكون ساحة الاِختلاف والحل والربط في المؤسسة التي تمثل الشعب، سواء كان ذلك عبر البرلمان أو مجلس الأمة ومن على شاكلةِ هذه السلطات، أما الدول الديمقراطية الشكلية، يتحول الشارع هو الفيصل في ذلك، من خلال الاِحتراب والاِقتِتال والتخندق الطائفي والعنصري بين أبناء الوطن الواحد.
والعراق يمثل النموذج الثاني مما سبق، لأن الديمقراطية التي منحتها الإدارة الأمريكية وحلفائها إلى العراقِ ما بعد لحظة التاسع من نيسان عام 2003، لم تأتي عبر تراكم زمني وخبرة في التداول السلمي للسلطة، مرتْ بمخاضاتٍ طويلة، بل كانت صدمة لشعب، تحول في ليلة لم يباشر ضحاها بعد، من نظام شمولي يقوده حزب واحد إلى نظام جديد صف كل شخصين فيه وأعلنوا قيام حزب حتى تداخلت الأرقام في معرفة أعداد الأحزاب التي نشأت؛ هذا الأمر أسس لمنهج سياسي، يقوم على مبدأ المُحاصصة الطائفية والعنصرية في تقاسم المناصب والوظائف بالدولة، وانسجام شبه تام في المصالح بين أعضاء البرلمان الذين وصلوا بأصوات الشعب العراقي عبر التخندق بالمثلية الدينية والقومية.
فكانت الحركة الاحتجاجية والاِعتصامات التي يشهدها مجلس النوّاب وخروج عدد ليس بقليل من أعضاءِ البرلمان عن طاعة رؤساء كتلهم السياسية، غريبة على الموطن العراقي الذي عرف وعهد نوابه مُنذ قرابة ثلاثة عشر عاماً، بالبحث عن مصالحهم فقط، وليس عن هموم الشعب وتلبية طموحاته وتطلعاتهِ بحياة كريمة ومستقبل أفضل؛ حتى تناقضت القناعات وانقسم المراقبون بين مؤيد وبين من ذهب للتشكيك بهذه الاِعتصامات التي يقودها النوّاب، بأنها زوبعة لا يجب الاطمئنان لها ومحاولة لركب الموجة لتحقيق أهداف لا يعلمها إلا رئيس الكتلة البرلمانية وأعضاءها المعتصمون.
والأمر الأخير، عزّزهُ نوّاب عن كتلة الأحرار النيابية، وكشفوا فيه عن محاولة أعضاء دولة القانون التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وكتل أخرى، لاستثمار الاِعتصامات وركوبها من أجل إعادة رسم الخارطة السياسية العراقية من جديد بإقصاء من حرم زعيمهم من نيل رئاسة الحكومة الحالية والبحث عن موطئِ قدم جديدة للمالكي، عبر تلاقي مصالح مع من يُريد التغيير الحقيقي والشامل لنظام المُحاصصة الطائفية والقومية، قاده نواب صادقون في ذلك، ومن يحاول استثمار هذا الحراك البرلماني لتحقيق نوايا وكسب مصالح حزبية ضيقة.