شناشيل / الكلام "الخرط" ! / عدنان حسين                      

من المفارقات الكبرى في هذي البلاد، أن القوى المنخرطة في العملية السياسية والمتقاسمة السلطة بموجب نظام المحاصصة، جوهر هذه العملية وأساسها، تذمّ العملية السياسية بكرة وأصيلا، وتدعو إلى إصلاحها بنفس القوة  التي تُبديها في التمسّك بها والاستماتة في الدفاع عنها.

 بينما تقرّ القيادات الفاعلة في هذه العملية الآن بالحاجة الماسّة لإصلاح العملية السياسية، وبخاصة إلغاء نظام المحاصصة، وتعترف بأن هذا النظام وظاهرة الفساد الاداري والمالي الناجمة عنه، هما من أبرز مهدّدات هذه العملية، فان أحداً منها لم يفعل مقدار ذرة لإصلاح العملية بمغادرة نظام المحاصصة ومكافحة الفساد، ولم يقدّم مشروعاً لتحقيق هذا!

أعلى الأصوات وأقواها تنديداً بالمحاصصة والفساد هي أصوات قيادات التحالف الوطني (الشيعي) واتحاد القوى (السنّي)، وهما في الواقع الطرفان الأكثر انتفاعاً بنظام المحاصصة، والأكثر استفادة من النفوذ السياسي والإداري المتحقق عنه، ومن العائدات المالية للفساد المالي والإداري التي تتدفق على قوى هذين التحالفين بالمليارات من الدولارت سنوياً، هي ناتج العمليات القذرة التي يديرها لصالح زعامات هذه القوى، ولصالح أنفسهم أيضاً، معظم الوزراء والوكلاء والنّواب والمدراء العامين والمحافظين، المعّينين من زعامات هذين التحالفين.

غير مرة صرّح رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بأن بين يديه ملفات من شأن الكشف عنها قلب عاليها سافلها، لأنها تتعلق بقيادات سياسية في قلب العملية السياسية وبرجال دين، لكنه ظل يمتنع عن كشف هذه الملفات، وهو على رأس الحكومة ثم حتى بعدما أصبح خارج الحكومة، وبرر ذلك دائماً بالحرص على العملية السياسية والسعي للحؤول دون انهيارها.!.

ووعدا عن نوري المالكي سمعنا كلاماً مشابهاً من قيادات أخرى، بينها قيادات التيار الصدري، ففي مرات عدة أعلن بهاء الأعرجي،على سبيل المثال، عن أنه يتوافر على ملفات فساد كبرى (هو الآن متهم بعمليات فساد كبرى!)، وهدّد بكشفها.. ولم يفعل!.

المؤكد أن المالكي أو الأعرجي، أو سواهما، لو فتح الملفات التي تحدّث عنها، بفرض أنهم كانوا صادقين في ما قالوه، ما كانت الحال ستؤول إلى ما نحن فيه اليوم. أعني حال الأزمة شبه المستعصية على الحلّ والمنذرة بمخاطر جمّة حيث عمل الحكومة والبرلمان معطّل، فمن شأن كشف ملفات الفساد والإرهاب، التي تحدث المالكي والأعرجي عنها، تنظيف العملية السياسية من الكثير من الفاسدين والمُفسدين ومن داعمي عمليات الإرهاب.

الى هذا فان الكلام الذي ما انفكّت زعامات القوى النافذة في العملية السياسية "تصدح" به حول نظام المحاصصة، لا يتجاوز الاستهلاك المحلي، فلم نرَ حتى اليوم طرفاً سياسياً يُعلن انسلاخه عن نظام المحاصصة وتحوّله إلى صف المعارضة المطالبة بإلغاء هذا النظام، وتقديم مشروع محدّد للخروج منه.

باختصار فان ما نسمعه من هذه الزعامات من كلام مناهض للمحاصصة والفساد هو كلام "خرط"، بتعبيرنا الشعبي.