في معنى فوز صديق خان/ عدنان حسين                

قبيل الظهر(بتوقيت لندن) من يوم أمس، نشرت هيئة الاذاعة البريطانية (BBC) على موقعها الالكتروني الرئيس، باللغة الانجليزية، تقريراً مفصلاً عن الانتخابات التي شهدتها العاصمة البريطانية يوم الجمعة لاختيار عمدة ( أمين عاصمة) لها، اختارت له العنوان التالي:

"الانتخابات: انتخاب العمالي صديق خان عمدةً للندن".

العنوان، كما هو واضح، يهتمّ بالهوية السياسية للعمدة الجديد الذي يخلف عمدة من حزب المحافظين ويفوز على منافس محافظ أيضاً، فيما لم يُشر إلى ديانة عائلة خان (الإسلام) ولا الى أصلها الباكستاني. ومقدمة التقرير هي الأخرى لم ترد فيها إشارة الى هذين العنصرين، فهي  تركّز على العواقب السياسية المحتملة لهذا الانتخاب، إذ فيها أن فوز صديق "يحسّن وضع حزب العمال الذي تراجعت شعبيته في سكوتلاندا".  

وبينما تضمّن التقرير المؤلف من أكثر من 600 كلمة في متنه إشارة سريعة الى أن صديق من عائلة بريطانية باكسانية الأصل، وهو "أول عمدة مسلم لأي مدينة في بريطانيا"، فانه توسّع في سرد التاريخ المهني والسياسي للعمدة الجديد منذ تخرّجه في كلية القانون بجامعة شمال لندن حتى تولّيه منصبين وزاريين في حكومة غوردن براون العمالية (2007 - 2010)، ثم عضواً في مجلس العموم حتى يوم انتخابه عمدة للندن. كما لم يغفل التقرير الإشارة الى أن خان يصطف آيديولوجيا في الجناح الديمقراطي الاجتماعي لحزب العمال، فالعناصر المهنية والسياسية هي أكثر ما يهتمّ بها الناخبون البريطانيون وما كانت وراء اختياره وزيراً في السابق ثم نائباً في البرلمان والآن عمدة للندن.

على مدى ربع قرن من العيش في لندن لم يحصل أن سألني أحد عن ديانتي أو مذهبي. السؤالان الوحيدان اللذان كانا يوجّهان اليّ عندما أتعرف إلى رجل أو إمرأة في أي محفل هما: ما مهنتك؟ ما جنسيتك؟.. لم أشعر يوماً بان الناس حولي معنيون بديانتي أو حتى بما إذا كنتُ في الأساس متديناً أم لا. فقط بعد هجمات 11 ايلول (سبتمر) 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة، كنتُ في بعض الأحيان أُواجه بسؤال بلهجة ودّية للغاية: لماذا يتجه هؤلاء الإسلاميون المتطرفون (أو الجهاديون) إلى الإرهاب للإبلاغ عن قضيتهم؟..  ولم أشعر في أي يوم بأن أحداً يتضايق من وجودي في عربة قطار الأنفاق أو في باص عمومي أو في مطعم أو مقهى أو بار أو صالة سينما أو مسرح. حتى في الأيام التي أعقبت هجمات لندن الإرهابية في 7 تموز 2005 لم يتشكّل لدي أي انطباع بأن وجودي في أي من تلك الأمكنة يثير خشية أحد ما.

السرّ في هذا كله بسيط للغاية.. إنه النظام الديمقراطي- المدني – العلماني، الذي يجعل عناصر مثل المواطنة والكفاءة والنزاهة والجدّية والمعرفة تتقدم على عناصر مثل الديانة والمذهب والقومية والجنس ولون البشرة. نعم هذا هو ما مكّن صديق خان (المسلم الباكستناني الأصل) من الفوز للتوّ بواحد من أهم المناصب في الدولة البريطانية، وهو ما يمكّن الملايين من أصول مسلمة من العيش في أمن وسلام، وبمساواة مع الإنجليز والأسكتلنديين والويلزيين والآيرلنديين، في هذه الدولة التي لم تسلم من الإرهاب "الإسلامي"... وهذا هو بالذات ما ينقصنا، وما يفسّر تخلفنا وإحتدام النزاعات والصراعات المهلكة والمدمّرة في بلداننا الاسلامية.