شناشيل / كلام إسلامي مختلف / عدنان حسين                   

"إننا جادّون في الاستفادة من أخطائنا (...) . نعترف بها ونُصلحها دون مكابرة  (.........) إننا حريصون على النأي بالدِّين عن المعارك السياسية، وندعو الى التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي، لتكون مجمّعة لا مفرّقة".

هذا الكلام نطق به زعيم واحد من أحزاب الإسلام السياسي المعروفة، وهذا بالذات ما يجعله لافتاً للانتباه ومثيراً للاهتمام، فمن النادر للغاية أن نسمع كلاماً كهذا من إسلامي.  لكنّ الحزب الذي يتزعمه الناطق بهذا الكلام ليس حزب الدعوة الإسلامية ولا هو الحزب الإسلامي العراقي ولا المجلس الأعلى الإسلامي ولا تيار الصدر ولا منظمة بدر ولا حزب الفضيلة الإسلامي، ولا سواها من كل جماعات الإسلام السياسي العراقية المتكاثرة كالفطر والمتنافسة والمتصارعة في ما بينها على السلطة والنفوذ والمال كضواري البرّية الجائعة.

في العراق لا حزب إسلامياً، ممن شاركوا في الحكم على مدى الثلاث عشرة سنة الماضية، يرى نفسه مخطئاً ليعترف بخطئه وليُصلحه من دون مكابرة، مع أن جماعات الإسلام السياسي تجاوزت في تجربة حكمها الأخطاء إلى الخطايا. وفي العراق لا حزب إسلامياً يقبل بفكرة النأي بالدين عن السياسة، فهم جميعاً يستخدمون الدين لأغراضهم السياسية، وفي المقام الأول الاستحواذ على السلطة والنفوذ والمال. وعليه فلا يتصورنّ أحد أن الكلام أعلاه هو لنوري المالكي أو أياد السامرائي أو عمار الحكيم أو مقتدى الصدر أو هادي العامري أو هاشم الهاشمي.  

الكلام أعلاه عن الأخطاء والاستفادة منها والاعتراف بها وإصلاحها من دون مكابرة والنأي بالدين عن السياسة وقذاراتها، هو للشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس، وهو مستلّ من الكلمة التي افتتح بها مؤتمر الحركة العاشر المنعقد منذ عشرة أيام. هذا المؤتمر انتقل بهذه الحركة، الخارجة من عباءة الإخوان المسلمين، خطوة ليست قصيرة باتجاه تمدْين الحركة وتحوّلها الى حزب عصري ديمقراطي، بحسب ما جاء في وثائق هذا المؤتمر، وهو ما انعكس في البيان الختامي للمؤتمر:

"يؤكد هذا المؤتمر التاريخي بوضوح خياراته الإستراتيجية أن حزب حركة النهضة قد تجاوز عملياً كل المبررات التي تجعل البعض يعتبره جزءاً مما يسمى "الإسلام السياسي" وأن هذه التسمية الشائعة لا تعبّر عن حقيقة هويته الراهنة ولا تعكس مضمون المشروع المستقبلي الذي يحمله (.......)  لقد سلكنا منذ انتصار ثورتنا المجيدة إلى اليوم سلوكا سياسياً يقوم على رفض الاستقطاب والاستئثار والتعصّب والإقصاء. كما جعلنا المصلحة الوطنية هادياً ودليلاً لنا في سلوكنا الداخلي وعلاقاتنا الخارجية وقدّمناها على الحقوق الحزبية التي تضمنها الديمقراطية".

أفكار الشيخ الغنوشي والبيان الختامي لمؤتمر حركته متجسّدة على أرض الواقع، فالحركة لم تتقاتل وتتخابث لتبقى في الحكم وتتمسّك به، ولم تأخذها العزة بالإثم حيال أخطائها ولم تغلق الأبواب والنوافذ أمام متطلبات العصر، كما حصل للحركة الأم في مصر، الأخوان المسلمون، التي أدى تمسّكها بأصوليتها الصارمة بعد وصولها إلى الحكم وعدم اعترافها بأخطائها القاتلة إلى خسارتها كل شئ. وهذا ما يتوقع له أن يكون مصير أحزاب الإسلام السياسي العراقية، الشيعية والسنية، البادية في صورة الأخوان المسلمين وليس في صورة حركة النهضة التونسية المحتفظة لنفسها بمكانه راسخة في الحياة السياسية في تونس الآن وفي المستقبل.

جزء كبير من محنتنا الراهنة يعود إلى هذا الموقف المدمّر للإسلام السياسي الحاكم عندنا.