"مجتمع التكاليف الحدية الصفرية" / جيرمي ريفكن            

 رابط المحاضرة لمن يرغب:

https://www.youtube.com/watch?v=yNIaVGghiNI

هذا هو عنوان الكتاب الذي هو موضوع محاضرة (جيرمي ريفكن) الإقتصادي الأمريكي في حفل توقيع له في ألمانيا بحضور نخبة من الباحثين الألمان. يدخل المحاضر مباشرة إلى الموضوع:

العالم يشهد انخفاض في معدل الإنتاجية منذ 20 سنة في العالم كله ومعدل البطالة مرتفع في كل دولة. إننا نعيش اليوم في بداية المرحلة النهائية لواحدة من أهم الحقب الإقتصادية في تأريخ البشرية. لكن في الوقت نفسه بدأنا نرى في الأفق ملامح نموذج إقتصادي جديد مختلف كل الإختلاف عن أي شيء عهدناه.

عند النظر إلى كافة التحولات الإقتصادية الكبرى التي حدثت في التأريخ سنلاحظ بأن ثمة قاسم مشترك بينها جميعاً. في نقطة معينة من الوقت، تظهر ثلاث تقنيات جديدة حاسمة التأثير وتلتقي مع بعضها لتشكل ما ندعوه في اللغة الهندسية بـ"منصة تكنولوجية لكافة الأغراض" بعبارة أخرى أنها بنية تحتية جديدة لتنظيم الحياة الإقتصادية والعلاقات فيما بيننا ومع الكوكب. وهذه التقنيات الثلاث هي:

  1. تقنية التواصل الجديدة التي تتيح إدارة الأنشطة الإقصتايدة بمزيد من الكفاءة.
  2. مصادر جديدة للطاقة ترفع كفاءة تزويد النشاطات الإقتصادية بالطاقة.
  3. وسائل نقل جديدة ترتقي بمستوى الحركة في الأنشطة الإقتصادية.

وحين تلتقي هذه الوسائل مع بعضها فأنها ستحدث تغييراً في أنشطتنا الإقتصادية ضمن كافة سلاسل القيمة على أصعدة الإدارة والطاقة والحركة. الأمر هكذا من وجهة نظر أنثرولوجية. كانت أثناء الثورة الصناعية الأولى هو نجاح البريطانيين بنقلنا من الطباعة اليدوية وهي اختراع ألماني سابق إلى الطباعة باستخدام طاقة البخار وكانت هذه نقلة هائلة في الإقتصاد والقدرة على إدارة الحياة الإقتصادية ثم بنوا شبكة التلغراف في كافة أنحاء بريطانيا.. ثم اكتشفوا مصدر طاقة جديد ألا وهو الفحم الرخيص واخترعوا المحرك البخاري لاستغلال هذه الطاقة.. اوجدوا القاطرات.. هكذا اخترعوا نظام نقل جديد فتح لهم الأسواق العالمية خلال الثورة الصناعية الأولى.

إذن: التواصل، الطاقة، النقل

القرن العشرين شهد الثورة الصناعية الثانية وحدثت هذه في أمريكا وألمانيا بشكل رئيسي. طور الإثنان منظومة للكهرباء المركزية ومن ثم اخترع غراهام بيل الهاتف ليشكل الهاتف على غرار الانترنت الان قفزة هائلة إلى الأمام كأداة للتواصل وإدارة الأنشطة الإقتصادية ثم ظهر الراديو والتلفزيون.. ثم ظهرت آبار نفط تكساس الرخيصة ليبدأ محرك الاحتراق الذاتي فظهرت السيارات والشاحنات والحافلات وشبكات الطرق. هكذا بدأت الثورة الصناعية الثانية التي واصلت تطورها حتى وصلت ذروتها وأنتهت في شهر يوليو من عام 2008. في هذا الشهر وصل سعر نفط برنت الخام في الأسواق العالمية إلى مستوى غير مسبوق عند 147 دولار للبرميل. أدى ذلك إلى ارتفاع شامل في أسعار كل السلع. كل شيء معتمد على الكربون وكانت هذه ميزة الثورتين الأولى والثانية أنها اعتمدت على مخزون الكاربون المتراكم عبر عصور طويلة وعلى غرار عصر البرونز والحديد سيظهر جيل يدعو عصرنا هذا بعصر الكاربون.

أدى ذلك الارتفاع غير المسبوق إلى إنهيار الأسواق المالية خلال 60 يوماً وبتنا اليوم ليس على أعتاب كساد طويل بل نشهد انحساراً طويل الأمد للثورة الصناعية الثانية التي كانت تعتمد الأنظمة المركزية.

ونصيحتي للحكومات أنكم طالما تزاولون أنشطتكم الإقتصادية معتمدين منصة الثورة الصناعية الثانية التي هي الاعتماد على أنظمة الإتصال المركزية وطاقة الوقود الأحفوري والطاقة النووية ووسائل النقل ذات محركات الاحتراق الداخلي، فلن تتمكن أي دولة على الإطلاق من تحقيق التقدم الإقتصادي من الآن فصاعداً. بإمكاناكم اتخاذ إجراءات تقشف وإعادة إصلاح سوق العمل وغير ذلك غير أن هذه المنصة قد وصلت إلى ذروة أدائها وكفائتها ولم تعد ذا فائدة من الآن مهما حاولتهم.. وهذا هو سبب تباطؤ الإنتاجية منذ عشرين عاماً.

نحن الآن على أعتاب ثورة صناعية ثالثة. يتشكل أمامنا من جديد تقاطع بين أشكال جديدة من تقنيات التواصل والطاقة والنقل. لقد وصلت شبكة الأنترنت التي نعرفها اليوم إلى مرحلة النضج. وبدأت تشهد تحولاً الآن بالتوازي مع  شبكة "أنترنت" من الطاقة المتجددة الرقمية التي تزدهر الآن في المانيا وفي الصين إلى جانب شبكة "أنترنت" مؤتمتة للنقل واللوجستيات. وقريباً سنشهد ظهور مركبات دون سائق على الطرقات. أننا نشهد ظهور ثلاث شبكات "أنترنت" أنترنت التواصل، أنترنت الطاقة المتجددة، وانترنت النقل المؤتمت. مما يقتضي إعادة النظر في كيفية إدارتنا للأنشطة الإقتصادية والطاقة ووسائل النقل المستخدمة في سلاسل القيمة.

هذه الشبكات الثلاث تشكل الآن منصة تشغيل جديدة تدعى بـ"أنترنت الأشياء" وهذه لا تنحصر فقط في البيانات الضخمة والحزم العريضة وشبكات الواي فاي وإنما هي تشمل المستشعرات التي نضعها في كافة الأجهزة ليس فقط من أجل إيجاد منظومة إتصال بين هذه الآلات وإنما كي نستطيع إرسال بيانات ضخمة عبر سلاسل  القيمة إلى هذه الشبكات الثلاث. حيث يمكن تشبيه هذه الشبكات بالدماغ، في حين تمثل المستشعرات الجهاز العصبي، لأن هذا الدماغ هو ما يدير ويحرك الأنشطة الإقتصادية بما يشملنا حتى نحن الذين في القاعة الان. لدينا نحو 14 مليار مستشعر تصل الأجهزة ببعضها حالياً. لدينا مستشعرات تراقب محاصيلنا الزراعية ومستشعرات في المصانع ترسل  البيانات إلى شبكات الإنترنت الجديدة هذه، مستشعرات في متاجر التجزئة ومنازل ذكية مزودة بالمستشعرات ومركبات ومخازن وطرقات ذكية حتى. وبحلول عام 2030، قد يكون هناك 100 تريليون مستشعر حيث "تتكلم" كل واحدة من هذه الآلات مع الآلة الأم وفي الوقت ذاته ترسل البيانات إلى هذه النكونات الجوهرية لكل نظام إقتصادي (الإتصالات، الطاقة، النقل). من الناحية الظاهرية، يمثل هذا التغيّر قفزة هائلة للأمام بالنسبة للبشرية لأنها المرة الأولى في التأريخ التي يحظى فيها الجميع بصورة شفافة بالمعرفة عن الحياة الإقتصادية في المجتمع. إننا نشق طريقنا نحو "الديمقراطية" الحقيقية في الحياة الإقتصادية .

أنا أدرّس في اقدم كلية للأعمال في العالم في مدرسة "وورتن" وقد درست برنامج الإدارة المتقدمة لمدة 15 عاماً.. وأول شيء كنا نقوله في هذا البرنامج هو العبارة اللاتينية Caveat Emptor أي فليعلم المشتري أنه ليس هناك من بائع.. وهنا  حالما نسمح للمشتري بمعرفة ما يعرفه البائع حتى تسقط ميزة البائع.. في  وقتنا الحالي الجميع يعرف ما يعرفه الجميع. ونعتقد بأن الحكومات وحدها قادرة على معرفة كل شيء ولكن إذا بقيت هذه الشبكة مفتوحة فأن الجميع سيكونون على علم بما يجري ضمن سلسلة القيمة. وهذا يعني بأنه في حين لدينا 3 مليار شخص متصل بالإنترنت حالياً ولكن مع "إنترنت الأشياء" سيصبح الجميع متصلين خلال العقدين القادمين

لقد عدت لتوي من الصين حيث تعمل المانيا والصين على هذا التوجه الذي أحدثكم عنه وقال لي نائب رئيس الوزراء الصيني "وان يانغ" أصبح لدينا الآن هواتف ذكية بقيمة 25 دولار.." فإذا كنت تجني دولارين في اليوم الواحد فستكون متصلاً باستخدام الجيل التالي على مدى 20 سنة قادمة..

جميعنا في هذه القاعة متصلون بسلسلة قيمة كأفراد، وشركات صغيرة وكبيرة، وأحياء، كلنا لدينا سلسلة قيمة.. لأنه بصفتنا "كيانات إقتصادية" فأننا جميعاً نزاول أنشطة إقتصادية بشكل يومي.. أليس ذلك صحيحاً" ونعيد صياغة أنشطتنا وننتج أنشطة إقتصادية ونصلح أنشطة إقتصادية ونستهلك أنشطة إقتصادية ونعيد تدوير أنشطة إقتصادية وهذا هو معنى أن نكون جزءاً من المنظومة الإقتصادية

ماذا يعني هذا... وما هو سبب الخوف الذي نلمسه حالياً.. بأن كل هذه التكنولوجيا التي نشهد ظهورها حالياً "ستسمح لأي منّا عند الإتصال بـ"إنترنت الأشياء" بالولوج إلى هذه المنظومة وأخذ حصتنا من سلسلة القيمة.. أي سلسلة القيمة التي تهمنا وسيكون الآخرون قادرين على رؤية بياناتنا الخاصة مثل منازلنا الذكية، سياراتنا، أحيائنا أو مشاريعنا وشركاتنا.. بإمكاننا اقتطاع قيمنا وبياناتنا لنستخدم أدواتنا التحليلية الخاصة بهدف تشكيل خوارزمياتنا الخاصة بواسطة تطبيقاتنا الخاصة.. لأنه حتى في ظل وجود آلاف الشركات التي تطوّر التطبيقات من أجلنا فأن كل منّا سيكون قادراً على رفع إجمالي كفاءة الطاقة الخاص به بشكل كبير في كل واحدة من خطوات تقارب سلاسل قيمتنا الفردية وكيفية إدارتنا وتحريكنا للأنشطة الإقتصادية. ومن خلال هذا الإستخدام الدائم للتحليلات والخوازميات والتطبيقات بهدف تحقيق ذلك فأننا نحسّن إنتاجيتنا بشكل كبير يومياً وفي الوقت عينه نقلّص تكاليفنا الحدية بشكل كبير أيضاً أي التكاليف المطلوبة لإنتاج وحدات إضافية من سلعة أو خدمة معينة بعد دفع التكاليف الثابتة.. (التي تكلم عنها الرئيس الصيني 25 دولار..!!!!)

إذن سنكون قادرين على رفع معدل الإنتاجية بشكل كبير وخفض  التكاليف الحدية لإنشاء سوق رأسمالية عالمية واضحة المعالم تتسم بأنخفاض التكاليف وانخفاض الربحية، ولكن كميات الإنتاج ستكون كبيرة وبالتالي تكمن الربحية في الشبكات ذاتها وسنتمكن من خفض التكاليف الحدية بفضل التقنيات الحديثة إلى مستويات تقارب الصفر في بعض المجالات..!! مما يعني أنه يمكننا أن ننتج بعض المنتجات والخدمات من السوق الرأسمالية ليتم تشاركها مجاناً وبحرية في الإقتصادي التشاركي الذي يكبر الآن في التجمعات التعاونية

الإقتصاد التشاركي:

أننا نسمع الكثير عن الإقتصاد التشاركي كل يوم.. بل وأصبحنا منخرطين فيه
لقد أنجبت الرأسمالية هذا الإقتصاد أن هذا هو الولد المعجزة للرأسمالية.. الرأسمالية أنجبت هذا الطفل

وينمو هذا الإقتصاد التشاركي الجديد في التجمعات التعاونية جنباً إلى جنب مع "والدته" الرأسمالية

هذا أول نظام إقتصادي جديد يشهد العالم نشؤءه منذ ظهور الإقتصادين الرأسمالي والإشتراكي في مطلع القرن الـ19... إذن هذا الطفل الجديد هو حدث هام وما سيحدث الآن هو أن "الوالد" سيجري "تحولاً" على الطفل ستقوم الرأسمالية بتغذية هذا النظام التشاركي وتدعه ينمو وينضج وسوف تجعله يجد هويته الخاصة.. ولكن إذا كنت والداً فستعرف أن طفلك يغيّرك أيضاً.. في هذه الحالة فالإقتصاد التشاركي سوف يغيّر الرأسمالية مطلقاً ولن تكون قادراً على معرفتها خلال 35 سنة من الآن.. لأنه سيكون عليها إيجاد طريقة لتتلائم وتجد القيم وتتعايش بشراكة مع طفلها المعجزة الذي سيكون ناضجاً خلال العقدين القادمين

لن تختفي الرأسمالية بل ستتغير تماماً.. لكن وبحلول منتصف القرن خلال 35 سنة من الآن سيتوجب عليّ أن أقول أنني لا أعتقد أن الرأسمالية ستكون أساسية وحصرية ومهمة في الحياة الإقتصادية بل ستتشارك المنصة مع طفلها المعجزة الناضج ليوسعا جميع القيم سوياً. سوف يمتلك أولادنا الخيار كي يشاركوا في كل من الإقتصاد التبادلي والتكاليف الحدية المنخفضة والسوق الرأسمالية والإقتصاد التشاركي والتكاليف الحدية المنعدمة في التجمعات ا لتعاونية.. هذا يحصل منذ الان.

عندما كتبت "مجتمع التكاليف الحدية الصفرية" فأن أول ردة فعل على الأقل بين أفراد عائلتي كانت "أليس هذا في المستقبل البعيد؟". ضحكت حينها... لقد بدأنا نرى تأثيرات رقمنة الإتصالات لتعطينا نظاماً إقتصادياً بتكاليف حدية صفرية.. كل ذلك بدأ بتلك الخدمة الصغيرة لمشاركة الملفات منذ خمسين سنة وحسب.  والان لدينا 3 مليارات شخص على أنترنت الأشياء وكل واحد منهم هو مستهلك، كل شخص في هذه الغرفة لا زلنا بائعين، لا زلنا مشترين، لا زلنا مالكين ولا زلنا مستخدمين ولكننا أصبحنا مستهلكين أيضاً (أي مستهلكين ومنتجين في الوقت ذاته)

وكل واحد منا في وقت ما أنتج وشارك موسيقى أو فيديوهات على اليوتيوت أو مقال أخبار أو وسائط إجتماعية أو معلومات على "وكيبيديا" أو تلقى محاضرات جامعية ضخمة متاحة على الإنترنت والتكلفة الحدية هي قرابة صفر لكل هذا.. إذا أنشأت ملف فيديو بمصدر مفتوح وسواء أرسلته إلى شخص واحد أو مليار شخص فالتكلفة هي نفسها: قرابة الصفر.. التكلفة الثابتة منخفظة والتكاليف الحدية قرابة الصفر.
لقد تعطل العديد من أهم القطاعات المتكاملة عمودياً خلال القرن العشرين ولم يعد قطاع الموسيقى يشبه ما كان عليه سابقاً أبداً والتلفاز، المعدل المتوسط في بلدي يشاهد 20 دقيقة بث على التلفاز في أسبوع.. لما قد يحتاجون للمشاهدة؟ أنهم ينتجون ويتشاركون فيديوهات على اليوتيوب مع بعضهم بدلاً من ذلك.. الصحف والمجلات أفلست وتوقف عملها أو لا زالت تحاول يائسة إنشاء مدونات.. نشر الكتب بدأ يتلقى ضربات.. قبل أن ينشره ناشري Pirate bay لقد انتشر كتابي على موقع وقد قيّموه حتى قبل موقع أمازون.. عليّ أن أعترف ببراعة هؤلاء الناس، أنهم فعلاً بارعون ولديهم قوة أكبر أيضاً.

إذن ما فكرنا به عندها هو أننا بدأنا نرى الديمقراطية في وسائل الترفيه والأخبار والمعرفة وهذا شيء مذهل. لقد أعتدنا في الماضي أن تكون مجرد بضع مؤسسات هي ممثلة لحضارتنا أما الآن فأصبحنا جميعنا لاعبين وقادرين على اغتنام الفرص الإجتماعية.. جميعنا نشعر أن بأمكاننا أن نضع مواهبنا بين متناول مليارات الأشخاص بتكلفة حدية تقارب الصفر وربما شخص ما سيهمه الأمر، وأحياناً يهتم البعض فعلاً.. هذا شيء رائع. لكننا اعتقدنا أنه سيكون هناك جدار حماية هنا وأن التكاليف الحدية الصفرية قد تؤثر بالعالم الإفتراضي ولكنها لن تحدث أثراً في العالم الواقعي في كتاب "مجتمع التكاليف الحدية الصفرية" لقد أشرت إلى نقطة "أن جدار الحماية هذا قد سقط الان.. عندما يلتقي انترنت الإتصالات مع إنترنت الطاقة المتجددة وانترنت المركبات المؤتمتة والنقل واللوجستيات الرقمية فأن جدار الحماية سيزول.. لأنه الان أصبح بأمكاننا التفكير بإمكانية أن يصبح جميع الناس ينتجون ويشاركون طاقتهم المتجددة الخاصة بتكاليف حدية مقاربة للصفر ويبدأون بمشاركة وسائل نقلهم الخاصة وأنظمة نقلهم اللوجستية بينما تتجه التكاليف الحدية إلى قرابة الصفر ويبدأون بإنتاج منتجات طباعة ثلاثة خاصة بهم ومشاركتها مع بعضهم تصبح تكاليفها الحدية المنخفضة في السوق الرأسمالية تكاليفاً حدية صفرية في الإقتصادي التشاركي..

دعونا ننظر إلى الطاقة:

في حين كانت الولايات المتحدة دون شك في طليعة أولى شبكات الإنترنت في أنترنت الأشياء ألا وهو أنترنت الإتصالات وهذا ما يؤكده وجود "وادي السليكون"، غير أن اللافت أن ألمانيا بدأت تسبق الولايات المتحدة في شبكة الإنترنت الثانية أي أنترنت الطاقة وها هي الصين الآن تنضم إلى ألمانيا ولاحظوا معي.. شبكة الأنترنت الثانية تلعب دوراً محورياً في هذه الحقبة التأريخية الجديدة لقد حققت ألمانيا الان 27%

اسمحوا لي أن أسرد لكم قصة طريفة:

عندما تسلمت المستشارة ميركل منصبها دعتني للمجيء إلى برلين خلال أول أسبوعين من استلام مهامها كي أساعدها في إيجاد سبل لتنمية الإقتصاد الألماني  وكان سؤالي الأول: حضرة المستشارة كيف لنا أن ننمي الإقتصادي الألماني في المراحل الأخيرة من حقبة صناعية هامة بلغت ذروة ما تستطيع تحقيقه  على صعيد الإتصالات والطاقة والنقل ثم وضعت خطة للمستشارة خلال الليلة الأولى فقالت أريد ذلك لألمانيا ولكن الإشتراكيون والخضر أرادوها أيضاً.. إذاً إليكم الوضع الراهن في ألمانيا أنها تؤمن 27% من احتياجات الكهرباء باستخدام طاقة نظيفة اليوم الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وستبلغ هذه النسبة 35% بحلول عام 2020 وسيتم توليدج 100% من الطاقة بالإعتماد على مصادر متجددة بحلول 2040.. أي أن ألمانيا تطور شبكة الإنترنت الثانية (إنترنت الطاقة) بالسرعة ذاتها التي طورت فيها الولايات المتحدة شبكة أنترنت الإتصالات وتنطوي هذه المقاربة على نقطة مثيرة للإهتمام عند المقارنة مع انترنت الإتصالات ألا وهي أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تمرّان حالياً بمنحنى أسّي شبيه جداً بالمنحنى الذي رأيناه في الحوسبة عندما كنت طفلاً في خمسينات القرن الماضي كانت الحواسيب تكلف ملايين الدولارات ولم يكن هناك سوى عدد محدود منها ولم نتنبأ بقانون مور.. أي أن شركة "إنتل" ستكون قادرة على مضاعفة قدرة هذه الرقاقات مع خفض تكاليفها إلى النصف كل عامين ليصل الأمر إلى تصنيع هواتف ذكية بقيمة 25 دولار ونحن اليوم نعيش منحنى آسّياً مشابهاً منذ أكثر من 20 عاماً في طاقة الشمس وطاقة الرياح.. لاحظوا معي هنا.. كان توليد الواط الشمسي الواحد يكلف 78 دولار، ككلفة ثابتة في عام 1978 هبط 78 إلى 76.. هل تعلمون كم أصبحت التكلفة اليوم؟ أصبحت كلفة توليد الواط الواحد 36 سنتاً لا غير وبدأت بعض مناطق الولايات المتحدة ببيع عقود طاقة طويلة الأمد دون شراء أي طاقة يتم توليدها من الغاز الطبيعي أو الفحم وإنما يتم شراؤها من مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مقابل تكلفة 4 سنتات عن الكيلوواط الساعي لأن أصحاب هذه العقود طويلة الأمد يرون المنحنى الأسّي الحالي وحالما يتم تسديد هذه التكاليف الثابتة فإن المحولات الحيوية، ومولدات طاقة الرياح العمودية ومضخات الطاقة الحرارية ستصبح رخيصة الثمن كأجهزة الهواتف الذكية هذه في غضون 25 عاماً أي أن هذا المنحنى لن يختفي وفي ألمانيا حالما يتم تسديد التكاليف الثابتة لخدمات التدفئة باستخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو الطاقة الباطنية فأن التكاليف الحدية لتوليد الطاقة في ألمانيا حالياً ستقارب الصفر... تكاليف حدّية تقارب الصفر الآن فالشمس لا تطالب ألمانيا بأي فواتير والرياح كذلك لا تتقاضى أي شيء منكم ولا تتوقع منكم الطاقة الباطنية تسديد فواتيرها إذن أنتم تحصلون الآن  على 27% من الطاقة دون تكاليف حدية وكانت ألمانيا خلال شهر آيار/ مايو من العام الماضي قد خصصت يوم أحد لتشغيل شبكة الكهرباء بكاملها تقريباً بالإعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحتى أنه تم تسجيل أسعار سلبية.. ماذا يعني ذلك ؟ أسعار سلبية لنها طاقة مجانية.. كيف يمكن التنافس مع "المجانية" في منظومة صناعية قديمة تقوم على الوقود الأحفوري والطاقة النووية للنقل واللوجستيات والإتصالات.. نعم علينا تخطي هذا "المطب" مع تخصيص إعانات مالية لتعرفة إمداد الطاقة المتجددة غير أن الأمور الآن تتطور على نحو متسارع لدرجة أنه أصبح بالإمكان سحب هذه الإعانات المالية بينما تتلقى طاقة الوقود الإحفوري والطاقة النووية الإعانات منذ ما يقارب القرن ! يتم الآن سحب هذه الإعانات..

نعم أن شركات الخدمات العامة تمرر تعرفة الإمداد بالطاقة إلى دافعي الفواتير، مما يتسبب بارتفاع طفيف في الفاتورة ولكن في غضون أعوام قليلة لن تكون هناك حاجة لتسديد أية فواتير... عليكم تخصيص مكان لتخزين طاقة الإنترنت عليكم إدخال إنترنت الطاقة وعليكم وضع العدادات المتطورة.. قلت يجب أن تقوموا بوضع كل هذه الأشياء حتى الأشياء الأخرى التي لم تضعوها سيكون عليكم وضعها الان، إبتداءاً من هذا العام. ولا شك أن وزير الطاقة سيغمار جابرييل ونائب المستشارة في الشؤون الإقتصادية يدركان ما يجب فعله.. ألمانيا تتقدم الآن في مجال طاقة الإنترنت.
الآن من ينتج الطاقة؟

هناك أربع شركات رئيسية للطاقة في ألمانيا (ENBW, RWE, E.ON, VATTENFALL) لقد أعتقدنا أن هذه الشركات لا يعلى عليها شركات عملاقة ومتكاملة عمودياً ولكن ما حدث لها خلال الأعوام السبع الماضية هو ما حدث لصناعة الموسيقى ودور النشر والجرائد والمجلات.

يبدو أن عامة الاس في ألمانيا قررت أن تمسك بزمام توليد الطاقة فأقدم الدميع على تأسيس تعاونيات لتوليد الكهرباء.. الجميع في كل مكان.. وحصل جميعكم على قروض بفائدة منخفضة من البنوك ولم تحصلوا على التمويل من الحكومة والسبب الذي دفع البنوك إلى منحكم القروض هو حقيقة أنكم ستددون قروضكم باستخدام وفورات الطاقة لذلك كانت واثقة بكم كل الثقة إذن نحن أمام تجمعات تعاونية للكهرباء.. أن عامة الشعب في ألمانيا تشهد تحولاً نحو "ديمقراطية الطاقة" في سعي منها لمضاهاة شركات الطاقة التي سيقتصر إنتاجها على 7% ولن تستطيع هذه الشركات توسيع نطاقها لأنها متكاملة عموديا، وأداؤها أفضل في مجال الطاقة المركزية  وبالتأكيد تتمتع الشركات بفعالية أكبر على هذا الصعيد، لكن توسع النطاق يتطلق ملايين "اللاعبين الصغار" الذين يجمعون كميات صغيرة من طاقة الشمس والرياح وطاقة باطن الأرض ويخزونها في تجمعات تعاونية كي تتم مشاركتها على إنترنت الطاقة. هذا هو حال وجود التجمعات التعاونية.. السؤال: هل يعني ذلك أن شركات الطاقة أوشكت على الإختفاء؟

الجواب: لا. ولكن تذكروا أن الرأسمالية ستأخذ شكلاً جديداً.. بما أنه أصبح لدينا الان تجمعات تعاونية جديدة للطاقة فسيكون على شركات الطاقة تصميم نموذج أعمال جديد لأنه في غضون 10 سنوات من الآن سيكون هناك عشرات ملايين مواقع جمع الطاقة وبعد 20 عاماً سيصل هذا العدد إلى مئات الملايين أو مليار حيث سينتج الجميع كهرباءهم بأنفسهم حتى في الدول النامية وقد لمست ذلك أثناء مشاركتي في قمة الرؤوساء التنفيذيين لأفريقيا التي استضافتها جنيف.. باختصار سينتشر هذا التوجه في كل أنحاء العالم نظراً للمنحى آسّي.. وفي حين لم تكن عامة الناس في أفريقيا قادرة على شراء هواتف محمولة قبل 5 سنوات فأنها ستكون قادرة على إقتناء محولاتها الحيوية وألواحها الشمسية الخاصة خلال العقدين القادمين.. إذن ما هو دور شركات الطاقة؟

إليكم ما سيحدث: ستنتشر تعاونيات الطاقة في شتى أنحاء العالم ليتم إنتاج الطاقة محلياً ومشاركتها على إنترنت الطاقة (شبكة الطاقة المحلية في كل تجمع) ومن ثم إرسالها إلى شركات الطاقة التي ستتولى إدارة إنترنت الطاقة، حيث سيكون دور الشركات شبيهاً بدور "فيسبوك"، و"جوجل" و "تويتر" وستجني الشركات المال عبر بيع كميات متضائلة من الكهرباء ستؤسس شراكات مع آلاف المؤسسات من جمعيات الأحياء، ومالكي البيوت، وشركات أخرى وستساعدكم على إدارة البيانات الضخمة في سلسلة قيمتكم على شبكات إنترنت الإتصالات والطاقة والنقل لمساعدتكم في تحليلاتكم وخوازمياتكم كي تعززوا كفاءتكم وتخفضوا تكاليفكم الحدية بشكل هائل ومن ثم تتشاركون مكاسب الإنتاجية التي حققتموها مع الشركات وهذا ما يُطلق عليه اسم "عقود الأداء" مزيد من المال، مع بيع كميات أقل من الكهرباء ورفع الكفاءة والإنتاجية.

قبل 5 سنوات كنتُ قد أجريت مناظرة مع السيد تايسون من شركة E.ON بناء على طلب من الشركة وكان ذلك في هولندا وقال: "هذا لن يحدث" ! غير أن شركة E.ON بدأت بذلك قبل 3 شهور حيث باعت حصتها في الوقود الأحفوري والطاقة النووية مقابل إئتمان واتخذت خطوة إلى الأمام نحو نموذج الأعمال الجديد ولكنها ليست لوحدها وإنما أقدمت شركتا ERDF. EDF على خطوات مشابهة، إذ لم تترك هذه الشركات الثورة الصناعية الثانية بعد ولكنها أنضمت إلى فريقي العالمي (مجموعتي العالمية) التي تضم مئات من الشركات الكبيرة في مختلف القطاعات من أجل تأسيس هذه البنية التحتية. وقد أنضمت إلينا في شمال فرنسا ERDF, EDF لتساعدنا على بناء إنترنت الطاقة في مدينة (ليل) الهامة على مدى السنوات العشر القادمة.

إذاً لن تهجر الشركات الثورة الصناعية الثانية بين ليلة وضحاها ولكنها تدرك أهمية اللحاق بركب الثورة الصناعية الثالثة كي تتم هذه النقلة بمزيد من اليسر والسلاسة وإلا فسوف تتعرض للإندثار إذا لم تقدم على خطوة كهذه، أي أن المر لا يتمحور حول إحداث هذه النقلة غداً وإنما حول كيفية إعتماد نموذج أعمال يسمح بالإنتقال من مرحلة إلى أخرى وهناك شركات لن تنجح في ذلك. وإذا لم تقم بذلك شركات الطاقة فأن شركات تكنولوجيا المعلومات والإتصالات سترغب بإدارة إنترنت الطاقة وكذلك هو حال شركات الإلكترونيات الإستهلاكية وغيرها من الشركات من خارج مجموعتنا لذا سيكون الأمر أشبه ما يكون بسباق ! وبالطبع إذا ما كانت هذه الشركات تريد إدارة التجمعات التعاونية وهو أمر ينطبق على تعاونيات الإتصالات والطاقة فسيكون عليها التحول إلى شركات خدمات عامة حيث ستبقى هذه الشركات خاصة ولكنها ستكون خاضعة للتنظيم تماماً كما هو حال شركات الكهرباء وشركات الهاتف بما أنها تقدم خدمات عامة أي سنسمح للشركات بالحفاظ على كونها خاصة ومواصلة جني الأرباح ولكن بالتأكيد، إذا كانت منتجاتها سلعة نحتاجها جميعاً فسوف نحرص على أن تأخذ شكل الخدمات العامة العالمية ونحن نشهد هذا الصراع الآن فالجيل الرقمي لن يسمح بأن يتعرض للإستغلال....

وبالمناسبة إنترنت الإتصالات والطاقة بالحديث عن الصين إن كتابي الثالث الذي نشرته تحت عنوان "الثورة الصناعية الثالثة" وللصدفة البحتة، عندما كان نائب رئيس الوزراء الصيني في ألمانيا فقد "هرب" أحدهم نسخة من الكتاب باللغة الألمانية !.. أقول شكراً لهذا الشخص كائناً من كان.. لقد قرأ السيد (لي) الكتاب، وأصبح رئيس الوزراء وقد وضع سيرته الذاتية وظننت أن في الأمر مزحة غير أنه قال بأنه من المعجبين بأعمالي وقد قرأ الكتاب، وأصدر التعليمات للحكومة الصينية كي تبدأ العمل على المواضيع الرئيسية التي أحدثكم عنها اليوم ولاحظوا بأن الصين خسرت في الثورة الصناعية الأولى وبالتأكيد أنضمت إلى الثانية ولكنها الآن حريصة على دخول الثالثة بقوة وقد أشاد كذلك نائب رئيس الوزراء السيد (وان يانغ) بالكتاب وهو الآن عضو في اللجنة الصينية المركزية المؤلفة من 10 أشخاص وبعد زيارتي الرسمية الأولى للصين قبل عامين حيث كنت قد عدت لتوي.. فقد كي أريكم مدى قدرة الصين على اللحاق بألمانيا بعد 11 أسبوعاً من زيارتي الأولى أعلن رئيس الشبكة الوطنية في الصين عن إطلاق شركة بقيمة 82 مليار دولار في مشروع لمدة 4 سنوات هذا العام وذلك بهدف تأسيس إنترنت طاقة تغطي الصين بدءاً من هذا العام.. 82 مليار دولار... بحيث يصبح الجميع في الصين قادرين على إنتاج كهربائهم باستخدام الطاقة الشمسية ومشاركة هذه الكهرباء على "شبكة إنترنت للطاقة"  على غرار ألمانيا.. إذاً فلننظر إلى ألمانيا بصفتها الرائدة أوروبياً والصين بصفتها الرائدة آسيوياً وقد نتحدث في فقرة الأسئلة والأجوبة عن التعاون المحتمل بين ألمانيا والصين في "طريق الحرير الجديد".....

إذاً، إن شبكتا إنترنت الطاقة والإتصالات تسمحان بوجود شبكة إنترنت النقل واللوجستيات. في يومنا هذا، يعتمد ملايين الشباب أسلوب تشارك السيارات لا يريدون "الملكية"، وإنما يريدون فقط إمكانية الإستفادة من وسائل النقل وفي المستقبل لن نسمع عبارات من قبيل "كان لدى جدي/ جدتي سيارة" وأستطيع أن أقول لكم أنه منذ الآن فصاعداً، ومع إنترنت اللوجستيات فأن جيل الألفية، وأولاده، وأحفاده لن يمتلكوا سيارات لأن هذه الظاهرة ستختفي في غضون الأعوام الـ25 القادمة. فالأجيال القادمة تريد إمكانية الولوج إلى وسائط النقل ضمن شبكات مؤتمتة وبالتالي ستكون ملكية السيارات فكرة قديمة الطراز ! وسيكون هذا الأمر ممكناً بفضل تقنية التوجيه باستخدام الـGPS فكل ما يتطلبه الموضوع هو هاتف ذكي للإتصال فوراً بإنترنت الإتصالات التي تصلنا مباشرة بشبكة إنترنت النقل والتي تصلنا بدورها بسائق قريب منّا فننطلق في مدة لا تزيد عن 90 ثانية !

ويؤدي تشارك كل سيارة إلى الإستغناء عن إنتاج 15 سيارة وهو ما سيقضي على قطاع تصنيع السيارات لأن إقتصادنا العالمي بأسره مبني على قطاع السيارات ولا حاجة أصلاً لذكر ذلك للألمان أو الأمريكيين. لقد كان (لاري بيرنز) النائب السابق للرئيس التنفيذي في شركة "جنرال موتور" حتى قبل 5 أعوام مضت حيث كان مسؤولاً عن تطوير كافة السيارات المستقبلية لذا أوردت ذكره في كتابي وقد أنهى لتوه العمل على دراسة بصفته استاذاً في جامعة ميشيغان وقد غطت هذه الدراسة مدينة "إن آربور" في ولاية ميشيغان وقال: "هل تعلم ماذا".. في حين لا تزال إنترنت اللوجستيات في مراحلها الأولى غير أننا قادرون على الإستغناء عن 8% من السيارات غداً صباحاً في مدينة "إن آربور"  أما الـ20% الباقية، فستتيح لنا مزيداً من الراحة في الإنتقال والحركة وبتكلفة أقل.. هذا كلام نائب الرئيس التنفيذي السابق لشركة عملاقة مثل "جنرال موتور" وقد قاله قبل 5 سنوات.. هناك مليارات السيارات والحافلات والشاحنات في العالم مما يتسبب بازدحامات مرورية خانقة ويضيع وقتنا سدى.. علاوة على كون هذه الحالة السبب الثالث في تغير المناخ فالسبب الأول هو المباني وقد بدأ الألمان يحولونها إلى محطات صغيرة لتوليد الطاقة ويزودونها بطاقة كهربائية صديقة للبيئة أما السبب الثالث فهو وسائل النقل كما قلنا  وبالمناسبة هل تعلمون ما هو السبب الثاني لتغير المناخ؟ نعم، إنتاج لحوم البقر والمواشي وإستهلاكها وهو أمر يتحاشى حتى (آل غور) (المرشح السابق للرئاسة الأمريكية) الحديث عنه كي لا يغضب أحداً مما يجعلنا نتساءل حيال مدى جديتنا بخصوص هذه الموضوع ولكن الرقم 3 هو المواصلات، سوف نتخلص من 8% من هذه المركبات عن طريق مشاركة السيارات في الأجيال القادمة فيما نمضي قدماً في نقلتنا من مفهوم الملكية إلى الإتاحة والمشاركة وستكون المركبات  التي سنحتفظ بها كهربائية ومزودة بخلايا وقود وسنعمل على الطاقة المتجددة ذات التكلفة الحدية التي تقارب الصفر حيث سيقوم الملايين من الناس بتوليد هذه الطاقة ومشاركتها على إنترنت الطاقة وليس هذا فحسب، ستكون هناك أيضاً أنظمة مركبات مؤتمتة دون سائق بتكلفة حدية منخفضة وستكون مترافقة مع طائرات صغيرة دون طيار من أجل اللوجستيات أيضاً مقابل تكلفة حدية منخفضة وكل ما أحدثكم عنه يحدث الآن والمسألة فقط مسألة توسع نطاق هذه التوجهات وتطويرها.

وحالما يبلغ هذا النظام طور النضج ستتاح أمامنا فرص للإستفادة من تقنيات جديدة مثل الطابعات ثلاثية الأبعاد. تحتل ألمانيا مكانة رائدة في الطباعة ثلاثية الأبعاد وتبرز الولايات المتحدة أيضاً كلاعب قوي في هذا المجال. الشباب في كل مكان يعتمدون الطباعة ثلاثية الأبعاد حيث يستخدمون المعلومات كأساس للإنتاج بدلاً من الحرفة ويعتمدون على برمجيات مفتوحة المصادر أي أن الأمر مجاني إذ يدركون بأن المشاركة انطلاقاً من مفهوم الموارد الجماعية (Crowd- Sourcing) ستسمح لهم بتعلم الكثير وإذا حاول أحدهم احتكار ما يمتلكه فأنه سيتخلف عن الركب ولن يستطيع الإستفادة من منافع "الموارد الجماعية" وسيتم استخدام النفايات كمواد أولية أي أن التكلفة الحدية معدومة تماماً لن يتطلب الأمر سوى جمع هذه المواد على اختلافها من أوراق وبلاستيك وخردوات معدنية ومن ثم إذابتها ولا تحتاج هذه الطريقة سوى إلى عشر كمية المواد المطلوبة في المصانع المركزية. وقد بدأ هؤلاء الشباب بتشغيل مختبراتهم باستخدام طاقة ينتجونها بأنفسهم طاقة شمسية وطاقة رياح خارج إطار الشبكات المركزية بتكاليف حدية تقارب الصفر وبدؤوا باستخدام مركبات كهربائية تعمل على طاقة من إنتاجهم أيضاً من أجل إيصال منتجات الطباعة ثلاثية الأبعاد إلى السوق.

وقد تم إنتاج أول سيارة باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد إنها سيارة إيطالية من طراز "ستراتي" من إنتاج شركة "لوكال موتورز" وأنت لتؤكد مجدداً قدرة الإيطاليين المذهلة على التصميم حيث يكونون السباقين إلى تبني الأفكار الجديدة في معظم الأحيان ولكنهم أحياناً يخرجون من اللعبة حتى قبل البدء بالإنتاج بكميات كبيرة ولكنهم حاضرون بقوة. وأنصحكم بإلقاء نظرة على هذه السيارة لأنه في غضون 10 إلى 15 عاماً من الآن ستكون الكثير من السيارات "مطبوعة" باستخدام مواد معاد تدويرها. إنها بداية جديدة.

وقد أعلن الرئيس أوباما أنه يريد تزويد كل مدرسة بطابعة ثلاثية الأبعاد وهو ما قد يبدو مضحكاً في المستقبل، لأنه خلال الأعوام العشرة أو الخمسة عشر القادمة سيأتي جميع الأطفال في كل أنحاء العالم إلى مدارسهم حاملين في حقائبهم هواتفاً ذكية بتكلفة 25 دولاراً وطابعات ذكية صغيرة بدلاً من ألعاب الليكو..!! أيضاً بقيمة 25 دولاراً للواحدة وسيقومون بجمع القمامة من المناطق المحيطة بمدارسهم وستكون هناك دروس عالمية يشارك فيها ملايين الأطفال باستخدام "سكايب" بحيث يتعلم الأطفال كيفية طباعة منتجات مادية بتكلفة حدية تقارب الصفر تماماً كما تعلم جيل آبائهم الذي شهد مطلع الألفية ووصولاً إلى المدونات الإخبارية Napster كيفية تطوير البرمجيات بدءاً من موقع.. أتساءل كيف يمكن للمصانع المركزية أن تتنافس مع مفهوم "الموارد الجماعية" الذي يتيح فرصاً مذهلة للإنتاج بدقة عالية في أي مكان سيعطي هذا التطور دفعة قوية للشركات الصغيرة والمتوسطة وسيكون بمقدورنا إنتاج أشياء صغيرة لبعضنا بعضاً ولكن الشركات الصغيرة والمتوسطة الألمانية ستقوم بتصنيع الأشياء الأكثر تعقيداً مقابل تكاليف حدية منخفضة للغاية في السوق الرأسمالية أي أن الشركات الكبرى لن تختفي ولكن إذا ما رغبت بالحفاظ على بقاءها فسيكون عليها مواكبة مستوى الشركات الصغيرة والمتوسطة التي ستكون ممسكة بزمام التصميم والإنتاج بدلاً من أسلوب التعهد لجهات خارجية بأسلوب إستعماري. وسيكون دور الشركات الكبيرة هو المساعدة في الوصل بين الشبكات غير أنها ستكون عاجزة عن السيطرة لأن الشركات الصغيرة والمتوسطة تستطيع وصل الشبكات أيضاً وكذلك هي التجمعات التعاونية وبإمكانها التسويق عبر منافذ متنوعة بدءاً من "إف سي" ووصولاً إلى موقع "أمازون" بتكلفة منخفضة للغاية. ولكن هل يعني ذلك نهاية قطاع تصنيع السيارات؟ من الواضح بالتأكيد أن إنتاج السيارات سيقل ضمن نظام المشاركة المؤتمت وقد بدأت شركات السيارات بالحديث حول هذا الموضوع حيث ستنتقل من بيع السيارات إلى إدارة شبكة النقل واللوجستيات فقد تعود ملكية المركبات –من سيارات وحافلات وشاحنات – إلى هذه الشركات التي ستتولى إدارة الشؤون اللوجستية وإذا لم ترغب شركات السيارات بذلك فأن جهات أخرى مثل "أمازون" أو IBM أو ربما "جوجل"، أو أي جهة أخرى. ومجدداً سيكون مطلوباً التعامل معها كمرافق عامة أي يجب الحرص على أنها تخدم العامة بدلاً من أن تتسبب بمخاطر للعامة، في سوق رأسمالية منخفضة التكاليف الحدية أو إقتصاد تشاركي جديد.

ولعل أفضل طريقة لفهم هذه الثورة هي الدمى. قد لا يعلم أغلب الناس بأن الدمى التجارية التي نعرفها اليوم هي إختراع ألماني، حيث تعود أصولها إلى مدينة ريفينسبورغ لقد زرت هذه البلدة القروسطية الجميلة الغريب لم تتعرض هذه المدينة لأي كارثة، لا أحتلال، لا حروب، لا حرائق ويبدو أنها تحظى بحماية من الملائكة ! لقد شهدت هذه المدينة اختراع الدمى بشكلها الذي نعرفه اليوم. الدمى التي يشتريها الأهالي لأطفالهم الذين لم تتجاوز أعمارهم سنتين ونصف والتي تصبح ملكية شخصية في الأسواق الراسمالية حيث يقول الأهل لأبنتهم أو إبنهم "لقد اشترينا هذه الدمية من المتجر" و "الآن نعطيك إياها، وستكون ملكيتك" "أنها ليست دمية أخيك، ولا دمية أختك" "أنها دميتك الخاصة فاعتن بها" وعندها يقول الطفل الصغير لنفسه ما الذي سمعته للتو "أنها دميتي أنا، وليست دمية أخي أو أختي" وتكون هذه هي المرة الأولى التي يختبر فيها الصغار مفاهيم السلطة، والمكانة الإجتماعية، والسيطرة فلن يستخدم أشقاء هذا الطفل الصغير الدمية إلا إذا حصل على شيء بالمقابل.. وهنا يبدأ الأطفال بالتعلم حول الملكية والأسواق.. أنا لا أعارض ذلك فأنا أدرس مادة "راسمالية السوق" وأعتقد بأنه يجدر بالناس التمتع بالملكية في الأسواق ! ولكننا الآن أمام خيار آخر أيضاً ففي الإقتصاد التشاركي لدينا في أوروبا ملايين الأهالي، وأكثر من أمريكا الذين يزورون المواقع الإلكترونية للألعاب ويسددون رسوم تسجيل لمرة واحدة ليكون بمقدورهم بعدها "تحميل" أي دمية ومشاركتها وإرسالها إلى الآخرين وفي هذه الحالة يعطون أبنهم الصغيرة الدمية ويقولون له "لقد لعب طفل آخر بهذه الدمية واستمتع كثيراً.. وقد أعتنى بها كثيراً لأنه يعلم أنك ستلعب بها يوماً ما" و "ستعتني بها جيداً لأنك تعلم أن طفلاً آخر سيلعب بها ذات يوم" وبهذا الشكل يتعلم الطفل بأن الدمية ليست ملكية، أو سلطة، أو مكانة وإنما هي تجربة لفترة من الزمن لتمضية وقت ممتع ويجب العناية بها كي يستمتع بها أطفال آخرون وبهذا الشكل يكون الإنسان منذ الطفولة مستعداً لمشاركة المنازل والسيارات ومشاركة جوانب مختلفة وكثيرة من الحياة في إطار إقتصاد تدور فيه جميع الأشياء وعندما يكبر هذا الطفل سيكون بمقدوره أن يختار تبادل الملكية في الأسواق أحياناً أو مشاركة الأشياء بتكاليف حدية معدومة في إقتصاد تشاركي أحياناً أخرى.. أنها "دمقرطة الحياة الإقتصادية"

خلاصة الكلام

إذن ما خلاصة هذا الكلام؟

أود، وكما قلت لكم، أن أعرّج على موضوع يدعى "الكفاءة الإجمالية للطاقة" وهو أمر يهم كافة أصحاب الأعمال في القاعة. ويمكن تعريف "الكفاءة الإجمالية للطاقة" على أنها نسبة الأداء الممكن إلى الأداء المفيد. هناك سر صغير قذر في الإقتصاد وهو السؤال: ما هي طبيعة الإنتاج؟

كنا نقول بأن الآلات الأفضل تؤدي إلى عمل أفضل، لكن عندما فاز روبوت سولو بجائزة نوبل في النمو الإقتصادي أفشى هذا السر الصغير؛ قال: "ولكن لدينا مشكلة" عندما نأخذ كل سنة على حدة من الثورة الصناعية، نجد أن قاعدة "الآلات الأفضل تؤدي إلى أعمال أفضل" تمثل فقط 14% من الكفاءة الإنتاجية.. إذن أين هي الـ86% الباقية؟ لا نعرف.. هل أنتم متعجبون من أن الإقتصاديين لم يعرفوا؟ تقتصر معرفة السبب على فئة محدودة جداً وقد كتبت فصلاً عنه في الكتاب وهو أن النظريات الإقتصادية الكلاسيكية والنيوكلاسيكية قائمة على فيزياء نيوتن "مجازياً" فعندما كان ما يزال نيوتن حياً أراد الجميع أن يكونوا مثله فكل فعل هناك رد فعل معاكس ومساوي له وهكذا جاء "آدم سميث" بفكرة اليد الخفية والطلب والعرض.. لقد استعار المجاز.. الجسم المتحرك يستمر بالحركة.. ثم جاء "بابتسيتي ساي" بفكرة أن العرض يولد الطلب والذي بدوره يحفز العرض إلا إذا تأثر بقوة خارجية.. لكن تبقى المشكلة الوحيدة في بناء الإقتصاد على قوانين نيوتن هو أن فيزياء نيوتن ليس لها علاقة بالإقتصاد ولهذا بدأ النظام بالإنكشاف.

الإقتصاد مبني على قوانين التيرموديناميك وهذه القوانين اكتشفت من قبل مهندسين وكيميائيين ألمان وأمريكان في نهاية القرن الـ19: قانون الطاقة الأول: الطاقة ثابتة لا تخلق من العدم ولا تفنى. القانون الثاني: يمكن تحويلها من منتظمة إلى غير منتظمة، متوفرة إلى غير متوفرة، باردة إلى ساخنة..إلخ نحن نظام مغلق أين أنه بالنسبة للشمس فالنظام المفتوح يتبادل المادة والطاقة والنظام المعزول لا يتبادل أي شيء والمغلق يتبادل الطاقة فقط. نحن نظام مغلق نتبادل فقط الطاقة وباستثناء عدد قليل من النيازك نحن فعلياً عالقون في ما نملكه من هبة الشمس.. إذن نحن نأخذ الطاقة المتوفرة منخفضة الانتروبية من الطبيعة قد تكون عناصر أرضية نادرة قد تكون معادن أو وقود أحفوري نحن نستخدمها.. في كل مرحلة تغيير نحاول إقحام صيغة من صيغ الطاقة على شكل مادة أو أي كان في المنتج لكننا نخسر الطاقة خلال التحويل عند كل خطوة تلك هي الكفاءة الإجمالية للطاقة وما أود قوله للمعنيين بمجال الأعمال هنا كالتالي: عند بدء الثورة الصناعية الثانية كانت نسبة الكفاءة الإجمالية للطاقة تقتصر على 3% وذلك في عام 1905، وبما يشمل كافة سلاسل القيمة أي كنا نخسر 97% من الطاقة وبحلول ثمانينات القرن العشرين وصل معدل الكفاءة الإجمالية للطاقة في الولايات المتحدة إلى 13% ولم يحقق الأمريكان أي تقدم بعدها ! وحتى أن اليابان الرائدة في هذا المجال بنسبة 22% لم تخطو أي خطوة للأمام منذ 20 عاماً..! لذا حين يقول الإقتصاديون "لا نفهم سبب عدم تحسن الإنتاجية" فهناك الكثير من الإبتكارات في وادي السليكون وغيره.. طيب لماذا لا نحرز أن تقدم؟ والسبب؛ هو أنه إذا ما كانت هذه الإبتكارات لا تزال مستندة إلى منصة تعود للثورة الصناعية الثانية القائمة على أنظمة مركزية للإتصالات، وطاقة الوقود الأحفوري والطاقة النووية ووسائل النقل التي تستخدم محركات الإحتراق الداخلي فلن نستطيع تحقيق مزيد من الفائدة من هذه الإبتكارات. لم نحرز أي تقدم منذ 20 عاماً. لكنا لو أننا نحتذي حذو ألمانيا الرائدة في انترنت الأشياء القائمة على مفاهيم الثورة الصناعية الثالثة فأننا سنرفع الكفاءة الإجمالية للطاقة من 13% إلى 40% في غضون 25 عاماً وبعدها ستبطؤنا ترموديناميكيات الإقتصاد بحكم محدودياتنا التكنولوجية الحالية ولكننا سنحقق نمواً هائلاً عاجلاً أم آجلاً.

كيف لنا أن نسدد ثمن هذه النقلة؟

كانت هناك نقاشات بهذا الشأن في بروكسل وقد ألتقيت مع قيادة جديدة في بروكسل وقلت "إذا أريتكم كيفية الحصول على المال، هل يمكننا أن نبدأ؟". الفكرة كما يلي:

في عام 2012، أنفق الإتحاد الأوروبي مبلغ 741 مليار دولار على استثمارات في البنية التحتية، وذلك خلال سنة سيئة. 741 مليار دولار استثمارات في القطاعين العام والخاص!! إذن المال متوفر، ولكنه ينفق على منصة الثورة الصناعية الثانية بركائزها الثلاث للاتصالات والطاقة والنقل مع أنه لم يعد بإمكاننا رفع الكفاءة الإجمالية للطاقة والا الإنتاجية في هذا النظام.. لهذا السبب نحن عاجزون عن دعم الأفكار الجديدة في عالم الأعمال ولا رفع معدلات التوظيف.. لا نستطيع القيام بأي من ذلك ولن يكون بمقدورنا تحقيق ذلك في أي مكان في العالم بهذا النظام.. لو أننا ببساطة نعدل أولوياتنا الإستثمارية فلتبقى 75% في النظام القديم مثل أن يمتلك أحدهم مصنع أسمنت فلندعه ينشئ طرقات لا فائدة منها لا ضير في أن تبقى هذه الأمور على وضعها حالياً ولكن إذا ركزنا 35% من استثماراتنا على البنية التحتية الجديدة بحيث تنتشر هذه البنية في كافة أنحاء أوروبا فسنكون في أوروبا رقمية بعد 25 عاماً من الآن هذه هي رحلتنا الجديدة. تتوفر هنا مذكرة قمتُ بإعدادها للسيد يونكر وفريقه وقد أعددتها للبرلمان كذلك.. نحن في طريقنا نحو أوروبا رقمية.. أي أننا نعمل على تأسيس منصة أنترنت الأشياء بركائزها الثلاث من إتصالات وطاقة ونقل بحيث نحصل على سوق متكاملة في الإتحاد الأوروبي والمناطق الشريكة له أي بما يغطي مليار نسمة.. 500 مليون ضمن الإتحاد الأوروبي و 500 مليون في المناطق الشريكة. بالطبع الطريق حافل بالمشاكل والصعوبات سنمر بـ30 أو 40 عاماً من المعاناة في سبيل تحقيق ذلك ولكن هذه هي المرحلة التالية من المسيرة الأوروبية إنشاء السوق الرأسمالية الأكثر تنافسية في العالم وفي الوقت ذاته تعزيز الإقتصاد التشاركي كما أن الصين بدورها ملتزمة بهذا التحول الرقمي وهي تلي ألمانيا على صعيد أنترنت الطاقة وكذلك في أنترنت النقل واللوجستيات وربما سينضم بقية العالم إلى الركب. سيشتمل هذا التحول كافة القطاعات لأننا بحاجة إلى تأسيس البنية التحتية وهذا يعني... طبعاً باستثناء قطاع النفط الذي لا أستطيع العثور على دور له ولا داعي للقلق حيال هذا الأمر ولكن شركات الإتصال والكابل والطاقة والبث وتكنولوجيا المعلومات والإتصالات والإلكترونيات الإستهلاكية والإستهلاجية (استهلاك- إنتاج) والنقل واللوجستيات والتصنيع وعلوم الإنشاء والحياة، علينا أن نأخذ مزيج توليد الطاقة في كل واحد من البلدان كي ننقله من الوقود الأحفوري والطاقة النووية إلى الطاقة المتجددة القابلة للتوزيع وهو ما يقتضي تحديث كل مبنى في العالم لأنه ما لم ترقى المباني إلى مستوى الكفاءة المطلوب لن يكون بالإمكان تثبيت وحدات توليد الطاقة  المحلية عليها نظراً لاحتمال تسرّب الطاقة ولهذا سيكون تحديث المباني القطاع الأكثر نشاطاً فعزل المباني مثلاً سيتطلب قوة من ملايين العمال غير المحترفين ولكنه سيحقق عائداً استثمارياً فورياً على شكل وفورات في الطاقة وبالتالي يمكنكم الحصول على أي قرض ترغبون به عليكم فقط إجراء الحسابات الصحيحة ثم سيكون علينا تثبيت المعدات التكنولوجية الصغيرة. عندما وصل معدل الطاقة المتجددة في ألمانيا إلى 10%  فقد أدى إلى إيجاد 350 ألف فرصة عمل وهو ما يفوق عدد فرص العمل الأخرى في قطاع الطاقة بأسره وكل ذلك بفضل 10% فقط. بعدها سيكون علينا إزالة كافة أسلاك نقل الكهرباء في ألمانيا والعالم ونحولها من "الغباء" إلى "الذكاء" ومن "الميكانيكية" إلى "الرقمية".. من الذي سيقوم بمد الأسلاك تحت الأرضية؟ الروبوتات لن تقوم بذلك، وإنما البشر. ثم سيكون علينا التنسيق بين كافة القطاعات من أجل المساعدة في إدارة توزيع الطاقة الكهربائية بما يشمل قطاع تكنولوجيا المعلومات والإتصالات والألكترونيات الإستهلاكية وغيرها، ثم سيكون علينا العمل على البنية التحتية للنقل بأسرها أيضاً وتحويل الطرقات أيضاً من "الغباء" إلى "الذكاء" والإعتماد على الكهرباء كمصدر للطاقة بدلاً من تقنية الإحتراق الداخلي هذا يعني إننا سنكون بحاجة إلى الملايين من محطات الشحن الكهربائي يجب أن تشتمل كل مساحة لركن السيارات (الكرجات) على محطة شحن بحيث تستطيعون وصل سياراتكم بالشبكة كي تحصلوا على الطاقة وتبيعوها. الروبوتات لن تقوم بذلك. إذن فكرتي كالتالي؛ سيتطلب الأمر جيلين كي يعملا على إنشاء هذه البنية التحتية الذكية ولكن الأمر سيتوقف على هذا الحد.

ربما أحدكم يتذكر كتابي "نهاية العمل" الذي أصدرته عام 1995، نحن نشهد الآن تحولاً شاملاً إلى الأتمتة في كافة المجالات، التصنيع، الوظائف العليا، ومختلف القطاعات المعرفية ولكن ما لم أتوقعه حينها، ولم يتوقعه أي منّا هو احتمالية حدوث ثورة صناعية ثالثة ضخمة وإنشاء بنية تحتية جديدة كلياً أثر ذلك وبالنتيجة لدينا فترة 40 عاماً فقط كي يعمل الجميع. لكن ضعوا في حسبانكم أن ما نعمل عليه هذه المرة هو بنية تحتية ذكية تعمل استناداً إلى التحليلات والخوارزميات والأتمتة ولن تتطلب قوة عاملة كثيرة.. إذن إلى أين يتجه مفهوم التوظيف؟

تتسم نظرة زملائي بقصر مداها لدرجة أنهم يعتقدون بأنه من الأفضل أن يحصل الجميع على دخل ثابت كي يستمتعوا بحياتهم لأنه لم يعد ثمة ما يقومون به.. هذا هراء ! فنحن كائنات إجتماعية ومن السخف أن نعتقد بأن إمكانية العمل تقتصر فقط على السوق الرأسمالية.. بدأنا الان نشهد ما يمكن تسميته "هجرة التوظيف" حيث تنتقل قوة العمل من القطاعات التي تشهد تنامياً في الأتمتة إلى الإقتصاد الإجتماعي ولكن ليس إلى القطاعات الربحية لأننا بحاجة إلى البشر من أجل بناء رأس المال الإجتماعي، الرعاية الصحية، التعليم، البيئة، العناية بالأطفال وكبار السن، الثقافة وهذه هي الطرق الأكثر شمولاً لاستخدام العقل البشري لأنها تتمحور حول تفاعل البشر مع بعضهم بعضاً.. هناك 52 مليون شخص يدفعون رسوماً لقاء خدمات موجودة أصلاً ضمن هذا القطاع الذي يستأثر بنسبة 10% من التوظيف في الولايات المتحدة وهذه النسبة أعلى هنا في ألمانيا ويسجل التوظيف في هذا القطاع نمواً أسرع بكثير من السوق الرأسمالية سنكون جيلاً بعد جيل أكثر قدرة على تحرير الناس من الوظائف التقليدية كي يتفرغوا لمهام أكثر إبداعية بهدف تكوين رأسمالنا الإجتماعي والمضي قدماً في مسيرتنا على هذا الكوكب. هل تعتقدون أنه سيكون علينا مواصلة القيام بهذه الوظائف عديمة النفع بعد 50 عاماً إذا نجحنا في إنشاء هذه البنية التحتية؟ آمل أن الجواب هو "لا" حيث آمل أن يتحدث أحفادنا حول أشياء من قبيل؛ "كان على جدي قيادة شاحنة جيئة وذهاباً في الشارع ذاته  طوال اليوم" كانت هذه وظيفته لمدة 50 عاماً و "كانت جدتي مسؤولة عن مراقبة خط التجميع في أحد المصانع" سيكون شعور أجيال المستقبل حيال واقعنا  الحالي كما نشعر نحن حيال مفاهيم العبودية والخدم التي سبقت العصر الصناعي.

 

فكرة أخيرة:

أن سبب تأليفي لهذا الكتاب رغم قلة عدد صفحاته؛ أنني أعتقد أن هذه فرصتنا الوحيدة وربما سنتمكن من تقليص أثرنا البيئي في الوقت المناسب للحد من التغير المناخي. كنت مخطئاً في فهمي للأمر على مدى 40 عاماً فقد أسأت تقدير سرعة حلقات التغذية الراجعة، واليوم نعيش حالة من الرعب ولا أعرف كيف لي أن أنقل هذه الفكرة لمن لديهم أطفال. يجدر بكم أن تشعروا بالرعب ونحن نواصل مزاولة أعمالنا بالطريقة المعهودة.. أعلم أنكم في أوروبا على الأقل تدركون أن التغير المناخي هو حقيقة واقعة ولكن رغم ذلك نواصل أعمالنا بالشكل التقليدي وإليكم أين يكمن الجانب المرعب للتغير المناخي والذي لا يوضحه لكم أحد.. ستتغير دورة المياه على سطح الكوكب وهنا يكمن لب المسألة والأرض كوكب مائي بامتياز وقد تطورت الأنظمة البيئية بناءً على دورة المياه عبر ملايين السنين وكلما أرتفعت الحرارة بمقدار درجة واحدة أّثر التغير المناخي الناجم عن البشر  فأن الغلاف الجوي يمتص كميات مياه أكبر بـ7% من القشرة الأرضية  حيث تتسبب الحرارة في تبخر هذه المياه وتكاثفها في الغلاف الجوي مما يتتسبب بكوارث مائية مثل الهطولات الثلجية الضخمة وقد يقول أحدهم "استبعد إرتفاع درجات الحرارة بما أن الثلج يهطل بهذه الكثافة" لكن ذلك غير صحيح، فسبب هذه الهطولات الثلجية هو تغير دورة المياه وهو ما ينطبق أيضاً على الفيضانات الهائلة التي نشهدها مثل الكوارث التي عصفت بأوروبا الشرقية أو فترات الجفاف الطويلة للغاية فلم تعد هناك مياه في ساوباولو، أو باكستان، أو كاليفورنيا !! يا للهول ! كل هذا وما زلنا في عام 2014 ونشهد ثوران مزيد من البراكين من الفئات 3، 4، 5.. لا تستطيع أنظمتنا البيئية اللحاق بركب هذه التطورات التي تطرأ على دورة المياه ويقول العلماء بأننا نعيش  اليوم سادس إنقراض جماعي في تأريخ الكوكب حيث شهد الكوكب 5 إنقراضات  على مدى 450 مليون عاماً وكل مرة من هذه المرات كان الإنقراض سريعاً للغاية وقد استغرق الأمر 10 ملايين عام لعودة الحياة إلى الكوكب.. مما لا شك فيه أننا نشهد اليوم الإنقراض السادس وقد نفقد 70% من أشكال الحياة على هذه الواحة الزرقاء عندما يكون من هم أطفال اليوم في عمري مع نهاية القرن ولا نعلم إذا ما كان البشر سينجون من ذلك وكما تقول زوجتي "نحن لا ندرك مدى فداحة الموضوع" هل تعلمون أن 99.5% من إجمالي أشكال الحياة في تأريخ الأرض انقرضت.. تصوروا الأمر 99.5% !!!!

طيب ما علاقة ذلك بمنصة انترنت الأشياء معدومة التكاليف الحدية؟

الجواب هو أن هذه الشبكة هي أفضل إجراء ممكن اتخاذه لخفض الأثر البيئي.. إن استطعنا إمتلاك تحليلات وتطبيقات وبرامج يومياً وعلى مدار الساعة في سلاسل قيمتنا من أجل مراقبة أدائنا ومساعدتنا على رفع كافئتنا.. أي أننا نقلل استهلاكنا لموارد الأرض مع استخدامها بأفضل شكل ممكن.. هنا تكمن روعة هذه التكنولوجيا المعروضة هنا ولما تنتجه بتكاليف حدية منخفضة إذا كان الإنتاج يذهب إلى سوق رأسمالية فأنه بإمكاننا مشاركة الفائض في الإقتصاد التشاركي.. أي ثمة زيادة في أعداد الناس الذين يقلصون استهلاكهم للموارد من خلال مشاركة السيارات، الملابس، المنازل وإذا  ما اعتمدنا انترنت الأشياء وحذونا حذو ألمانيا في كل أنحاء العالم فسنكون جميعاً قادرين على إنتاج طاقتنا باستخدام الشمس والرياح والحرارة الباطنية والكتلة الحيوة وبعد 25 عاماً من الان سنتخلص من الكربون نهائياً وكل ذلك بالمجان حال توفر البنية التحتية المطلوبة وميزة هذا الأسلوب أنه ديمقراطي ومتاح للجميع وعند تفعيل انترنت النقل واللوجستيات فسنتخلص من 80% من المركبات فتخيلوا كم سنوفر من موارد الأرض وسيكون نظام النقل هذا مؤتمتاً بحيث يعزز كفاءتنا اللوجستية في نقل السلع والخدمات

 

سأله المقدم بعد كل هذا التنظير:

ما رأيك بكل ما يعيشه عالمنا من عنف ديني وطائفي والواقع الحالي الذي يصفه البعض بأنه صدام حضارات أي صدام العالم الحديث الذي تتكلم عنه مع منظومات مثل "داعش" تقوم رؤيتها للعالم على التطرف والجمود والأصولية..

ويمكن اختصار جوابه بمثل ضربه:

إذا أخذت المجتمعات القديمة القائمة على الصيد مثالاً، حيث كان النشاط مقتصراً على القبيلة التي لا يتعدى عدد أفرادها 50 شخصاً فسنرى أن التعاطف قائما فيما بينهم على رابطة الدم وكان أسلوب التفكير متمحوراً حول المعتقدات الخرافية مثل القول بأن سكان الوادي المجاور هم من الشياطين.....!!!!!!!!!!!!!!!!

كلما تنعزل المجتمعات الصغيرة أو الكبيرة عن بعضها.. كلما تشتد في داخلها هاتين النزعتين المتعصبتين..!!!!!!!!!!