شناشيل-سرّ نجاح أردوغان في إفشال الانقلاب / عدنان حسين

إذا انتهى الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان من أمر المحاولة الانقلابية عليه وبقي في منصبه، عليه من الآن فصاعداً أن يلهج ليلاً ونهاراً بعبارات الشكر والتقدير والامتنان لوسائل الإعلام المستقلة التي اتخذ اردوغان في السنوات الماضية حيالها موقف العداوة الضارية، ولمواقع التواصل الاجتماعي التي سعى للتضييق على حرية إبحار الشعب التركي في فضائها.  

نعم، فمن ساعد أردوغان وحكومته في البقاء في السلطة أو العودة إليها هو الإعلام المستقل ومواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً كبيراً في إظهار أنهما يسيطران على الأوضاع. ولو كان اردوغان قد نجح في مساعيه لإسكات الإعلام المستقل وإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي، ما كان ومساعدوه سيمكنهم إيصال رسائلهم المصوّرة إلى الشعب التركي وإلى العالم الخارجي، وما كانوا سينجحون في دفع أنصارهم وأعضاء حزبهم بالنزول إلى الشارع ومواجهة القوات الانقلابية، فمن أولى الخطوات التي اتخذها الانقلابيون احتلال محطة الإذاعة والتلفزيون الحكومية وبثّ بياناتهم عبرها، لكن الإعلام المستقل ومواقع التواصل الاجتماعي كان لها الدور الحاسم في دحر محاولة الانقلاب، وهذا ما اعترف به ضمنياً رئيس الوزراء بن علي يلدريم في المؤتمر الصحفي الذي عقده قبل ظهر أمس، إذ قدّم الشكر لوسائل الإعلام عن موقفها. والواقع ان هذه الوسائل لم تعبّر عن موقف مؤيد أو معارض وإنما هي غطّت الأحداث بمهنية، وفي هذا بالذات تكمن قوة الإعلام، وبخاصة الغعلام المستقلة، وهو أمر لم يكن يدركه اردوغان، ولا أظن أنه سيدركه لاحقاً لينتهج سياسية جديدة حيال الإعلام المستقل في بلاده ومن مواقع التواصل الاجتماعي، مختلفة عن سياسة الهيمنة والتسلط التي اتبعها منذ أن كان رئيسا للوزراء ثم جعلها تنفلت من العقال مع جلوسه على كرسي الرئاسة في قصره السلطاني الجديد الذي فاق في فخامته قصور سلاطين بني عثمان.

حقبة حكم اردوغان هي من أكثر الحقب سوءاً في تاريخ لإعلام التركي المستقل، وتكفي الإشارة إلى وجود العديد من الصحفيين الأتراك الآن في السجن  أو في المعتقل انتظاراً للمحاكمة عن "جريمة" واحدة هي انتقاد سياسات اردوغان وتغطية أحداث البلاد بمهنية بما يكشف حقائق لا يرغب اردوغان وحكومته بالكشف عنها، وبالذات في ما خصّ الحرب ضد القومية التركية وعلاقة نظام اردوغان بمنظمات الإسلام السياسي الإرهابية، كداعش والنصرة، والسياسات الخارجية الخاطئة لاردوغان وحكومته.  

وفي التقارير السنوية للجنة حماية الصحفيين في نيويورك (CPJ) ظلت تركيا، الى جانب الصين وايران، تحتل مكان الصدارة في قائمة الدول التي يوجد فيها اكبر عدد من الصحفيين المعتقلين، وفي العام 2012 مثلاً  تجاوز عدد الصحفيين المعتقلين في تركيا نظرائهم في الدول الأخرى الأكثر قمعًا للحريات، مثل الصين وإيران، إذ بلغ عددهم 42 صحفيًا، بينما بلغ في الصين، التي يبلغ عدد سكانها 20 ضعفاً عدد سكان تركيا، 27 صحفياً في العام نفسه.

الدرس التركي هذا هو درس برسمنا هنا في العراق.. على الحكومة وسائر مؤسسات الدولة أن تدرك ما سيتعين على الرئيس التركي إدراكه الآن، وهو أن الإعلام المستقل دعامة قوية وضمانة أكيدة للديمقراطية، أما الإعلام الحكومي فليس إلا مضيعة للوقت والمال العام.