الأهوار .. عرس واوية؟/ عدنان حسين
أغلب الظن إن إدراج منظمة اليونسكو أهوارنا ومواقعها الأثرية على لائحة التراث العالمي سيتحول إلى "عرس واوية" كما جاء في مثلنا الشعبي، أي فرحة تتبدّد بسرعة، فثمة سوابق كثيرة انفضّت فيها مجالس أفراحنا سريعاً كما لو أنها لم تُعقد البتة. أقرب هذه السوابق الفرحة بإطلاق الحكومة ومجلس النواب منذ سنة حِزَماً إصلاحية أصبحت الوعود والتعهدات التي تضمّنتها في عداد الموتى سريرياً.
العراقيون داخل البلاد وخارجها أقاموا مهرجاناً للفرح عبر مواقع التواصل الاجتماعي فور الإعلان عن نجاح وفدنا في إقناع اجتماع اليونسكو المنعقد في اسطنبول بقبول طلبنا الرسمي في هذا الخصوص. لم تكن المهمة سهلة، بل كانت هناك خشية من أن يخذلنا البعض من الدول بما فيها دولة صديقة.
إحدى ناشطات "فيسبوك" علّقت بالتساؤل: "هل ستكون الأهوار ملفاً جديداً للفساد؟".. هذا السؤال له ما يبرره ويزكّيه، فالفاسدون لم يتركو حجراً في دولتنا ومجتمعنا لم يقلبوه. منذ فترة قصيرة، على سبيل المثال، سمعتُ من أحد الوزراء قصة عن فساد فاضح يمارسه مسؤولون كبار في بعض العتبات المقدسة .. ليس هذا بالأمر الغريب، فلا قدسية لشيء عند الفاسدين غير فسادهم. والواقع ان ملف الاهوار واجتماع اسطنبول لم يخلُ هو الآخر من الفساد.. جهات عدة عليا في الدولة تقاتلت لإشراك موظفين منها في الوفد الذاهب إلى اسطنبول، معظمهم لا هم في العير ولا في النفير في هذه هذه القضية، ولا يعرفون ألفها أو بائها أو ياءها.. ذهبوا لزوم "الونسة" ولدواعي "الكشخة" الفارغة امام كاميرات التلفزيون وبثها الحيّ المباشر! وتساوى في هذا، للإسف، ديوان رئاسة الجمهورية وسفارتنا في أنقرة ووزارات ومحافظات أرسلت أشخاصاً غير معنيين .. وللمقارنة فإن العراق الذي كان لديه في اجتماع اسطنبول ملف واحد، هو ملف الأهوار، تجاوز عدد الذين حشرتهم دوائرهم في قوام الوفد إلى جانب اللجنة الفنية التي شكّلها ديوان رئيس الوزراء، العشرة أفراد، فيما إيران التي كان لديها ملفان في الاجتماع فقد تكوّن وفدها من أربعة أشخاص فقط، وكانوا كافين للنجاح في تمرير ملفيهما.
يبدو أن الفساد صار مما لا فكاك ولا خلاص منه حتى في مؤسسات الدولة الدستورية العليا، لكنه مع ذلك ليس هو الخطر الوحيد ولا الأكبر الذي يتهدد قضية الاهوار وما يتعيّن أن تكون عليه هذه المنطقة من الآن فصاعداً.. إدراج الاهوار وآثارها في لائحة التراث العالمي هو نقطة شروع وليس نهاية مطاف. هذا ما يجب إدراكه.
دولتنا ومجتمعنا يمكن أن يحققا منافع كبرى من هذا الإجراء. بالذات على الصعيدين الاقتصادي والمالي. يمكن جعل الاهوار وجهة سياحية للملايين من الناس داخل البلاد وخارجها، وهذا يتطلب توفير الخدمات الأساس: طرق المواصلات البرية والجوية الممهدة والميسّرة، والفنادق والمطاعم، وخدمات الاتصالات والمعلومات، والادلاء السياحيّون، والصناعات الشعبية، فضلاً عن الأمن.
ومن المهم، في هذا الإطار، إبعاد نفوذ الميليشيات والأحزاب التي تستخدم الدين لأغراض وغايات سياسية عن هذه المنطقة، فسيكون مقتلاً للمشروع الذي بذلنا جهوداً مضنية لتحقيقه، أن تتفرعن جهة ما لتمنع إقامة صالات للموسيقى والغناء والرقص الشعبي أو فتح مطاعم ومحال تقدّم المشروبات الكحولية.
من المفارقات الكبرى في دولتنا أن حكومتها الاتحادية تتغاضى عن انتهاك أحكام الدستور والقانون من قبل الحكومات المحلية، فبينما تسمح هي بفتح الملاهي ومحال بيع المشروبات الكحولية والنوادي والمطاعم والفنادق التي تقدّم هذه المشروبات في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى، تلزم الصمت حيال قيام السلطات المحلية في المحافظات الأخرى (غير المقدسة) بمنع فعل الشيء نفسه من دون أي سند قانوني، بل بالضدّ من أحكام الدستور والقانون التي لا تتضمن أي حظر للّهو وتناول المشروبات الكحولية.