شناشيل - مؤامرة أردوغان! / عدنان حسين
أردوغان، الرئيس التركي، تآمر على نفسه بمحاولة انقلابية فاشلة كيما يُجهز على الجيش، أكبر مؤسسة علمانية في الدولة التركية الحديثة، ولأجل أن يزيح جانباً العقبة الكأداء أمام تغيير النظام العلماني إلى نظام إسلامي، فيشقّ طريقه ليكون أول سلطان في دولة الخلافة الجديدة.
كانت هذه إحدى النظريات التي طُرِحت منذ فشل المحاولة الانقلابية الواقعة في الخامس عشر من الشهر الحالي، وهي نظرية لم يقتصر أمر تبنّيها على هواة سياسة ومحللين مستجدين وأصحاب عداوة مسبقة مع أردوغان وحزبه الإسلامي، فسياسي عريق ومحترف مثل دنيز بايكال، الذي تزعّم حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي لفترة طويلة وتولّى مناصب وزارية عدة بينها الخارجية، علّق في اليوم التالي للمحاولة الفاشلة بأن ما حدث هو "فيلم" مُتقن الإعداد والإخراج على أيدي أردوغان.
هذا تحليل ينتمي الى نظرية المؤامرة الشائعة في بلداننا (العربية والإسلامية على وجه التحديد)، ويصعب الاعتداد به. لكن لا يمكن نفي وجود مؤامرة مبيّته في الأمر. وهي مؤامرة من صنع أردوغان نفسه، لكن ليس بانقلاب عسكري كالذي حدث وفشل منذ ثمانية أيام .
حال فشل المحاولة الانقلابية بدأت عملية اعتقالات واسعة النطاق لم تقتصر على الوحدات العسكرية المشاركة في المحاولة بل تجاوزتها إلى كل الوحدات والقيادات والمؤسسات التابعة للجيش التركي، وامتدّت إلى سائر الأجهزة الأمنية كالشرطة والاستخبارات والمخابرات.. أكثر من هذا جرت اعتقالات وإقالات بالجملة لقضاة وموظفين في الجهاز القضائي ولأكاديميين ومعلمين وموظفين في قطاعي التعليم والتعليم العالي لا علاقة لهم بالمحاولة الانقلابية.
العدد تجاوز الستين الفاً، ولم يحصل أبداً في تركيا أو في سواها، أن شارك في مؤامرة أو محاولة انقلابية مثل هذا العدد الهائل من العسكريين والمدنيين.
من الواضح أن هذه الاعتقالات والإقالات التي جرت بسرعة لافتة، حتى قبل بدء التحقيق مع الضالعين في المحاولة الانقلابية من العسكر، تشير إلى وجود قوائم مُعدّة سلفاً للبطش بعشرات الآلاف ممن يصفهم أردوغان ومساعدوه بأنهم أعضاء في "الدولة الموازية" التي أقامتها جماعة الملياردير التركي المقيم منذ سنوات في الولايات المتحدة محمد فتح الله غولن الذي يصرّ أردوغان وحكومته على اتهامه بالوقوف خلفها.
كانت جماعة غولن، "خدمة"، الإسلامية المعتدلة من أكثر الجماعات التي ساعدت أردوغان وحزبه على الفوز في انتخابات 2002 وتولّي السلطة، ووفّرت "الدولة الموازية" التي أنشأتها الجماعة داخل الدولة التركية الدعم الكبير لأردوغان، خصوصاً بعد تعيينه رئيسا للوزراء في 2003، لكن افتراقاً بين الاثنين حصل عندما وجدت جماعة غولن أن الفساد الإداري والمالي بدأ يتفشى في جهاز الدولة التركية، فقد كشف قضاة، قيل إنهم من أنصار غولن، فضيحة فساد أبطالها عدد من المقربين من إردوغان، وبينهم نجله بلال.
منذ ذلك الوقت بدأ اردوغان حملة لتقليم أظافر جماعة غولن، وبالذات منذ فوزه في انتخابات الرئاسة المباشرة (2014) التي أراد بها التمهيد لتعديل الدستور التركي بما يمنحه سلطات شبه مطلقة تجعل منه السلطان الأكبر.
لا يمكن ان يكون اردوغان مدبراً لمحاولة الأسبوع الماضي الانقلابية، بيد أنه وجدها هبة السماء له لكي ينفّذ انقلابه المدني الذي أعدّ خطته منذ سنوات ووضع قوائم المطلوبين للصرف من الخدمة العامة من العسكريين والمدنيين، وهي القوائم التي استندت إليها حملة الاعتقالات والإقالات العاجلة وواسعة النطاق عقب فشل المحاولة الانقلابية. لكن ليس من المرجّح أن يحقق اردوغان مراميه كلها، فسلوكه الانتقامي الذي تجاوز كثيراً المتهمين بالمحاولة الانقلابية، ستكون له عواقبه غير الحميدة على أردوغان وحزبه على المدى البعيد، وبخاصة من جانب الجيش الذي لن يسكت طويلاً على الإهانة المُبالغ فيها الموجهة له في الأسبوع المنصرم.