شناشيل - الادعاء العام يصحو أخيراً.. ! / عدنان حسين    

وأخيراً .... تبيّن لنا أن لدينا جهازاً للادعاء العام ، وأنه يمكن أن يكون  على صورة أجهزة الادعاء العام أو النيابة العامة في سائر بلدان العالم، فلأمد طويل غاب عن واجهة الأحداث في العراق كل ملمح واضح لدور جهاز الادعاء العام، مع أن البلد  شهدت اثناء الثلاث عشرة سنة الماضية  أحداثاً مهولة لا تُقارن بها الاحداث في أي بلد آخر، وهي في مجملها  انطوت على انتهاكتات وتعديات سافر على حياة الناس ومصالح الدولة والمجتمع، وهي مما يدخل في صلب اختصاص جهاز الادعاء العام بوصفه المكلّف "حماية نظام الدولة وأمنها ومؤسساتها والحرص على الديمقراطية و المصالح العليا للشعب والحفاظ على أموال الدولة"، وكذلك "دعم النظام الاتحادي، وحماية أسسه ومفاهيمه في إطار احترام المشروعية، واحترام تطبيق القانون"، وأيضاً "الإسهام مع القضاء والجهات المختصة في الكشف السريع عن الأفعال الجرمية والعمل على سرعة حسم القضايا وتحاشي تأجيل المحاكمات بدون مبرر لاسيما الجرائم التي تمس امن الدولة ونظامها الديمقراطي الاتحادي"، بحسب ما نص عليه قانونه.

الخبر السعيد الذي أنبأنا بوجود جهاز للادعاء العام صاحٍ  وليس في غيبوبة أبدية، كما كنّا نظن، جاء على لسان  المتحدث الرسمي باسم السلطة  القضائية القاضي عبد الستار بيرقدار الذي بشّرنا في بيان له ب "قيام رئيس الادعاء العام بتحريك شكوى بحق كل من ورد اسمه على لسان وزير الدفاع خلال جلسة استجوابه."

الفكرة السلبية المتشكلة في اذهاننا عن جهاز الادعاء العام حاصلة من عدم فعالية هذا الجهاز، فنحن نرى ونسمع عبر كل وسائل الإعلام  والتواصل الاجتماعي أنه ما أن تحدث قضية في أي بلد  لها علاقة بالتجاوز على مصالح الدولة والمجتمع وحقوق الناس وحرياتهم العامة في ذلك البلد، حتى  يسارع جهاز النيابة العامة الى الاعلان عن توليه التحقيق في القضية، بل ان رؤساء اجهزة النيابة العامة يبادرون في الحال الى عقد مؤتمرات صحفية يومية لاطلاع الرأي العام على تطورات القضية. وقد شهدنا هذا خلال الاشهر الأخيرة على نحو مكثف في فرنسا وبلجيكا والمانيا والولايات المتحدة ، وقبلها في مصر، وسواها من البلدان التي شهدت  عمليات ارهابية واخرى جرمية عادية ذات طابع عام .

قبل تصريح القاضي البيرقدار أصبنا مرة اخرى بخيبة الأمل  حيال جهاز الادعاء العام عندما أعلن القيادي في ائتلاف دولة القانون وعضو مجلس محافظة بغداد  سعد المطلبي أن جهاز الادعاء العام سيكون طرفاً ثانوياً، حاله حال جهات اخرى كنقابة الصحفيين، في اللجنة التي سيشكلها مجلس النواب للتحقيق في الاتهامات بالفساد التي وجهها وزير الدفاع الى رئيس المجلس وأعضاء آخرين في المجلس واشخاص من خارج المجلس. المطلبي قال في تصريحه إن جهاز الادعاء العام سيكون له ممثل  في لجنة التحقيق البرلمانية الى جانب ممثلين عن السلطة القضائية ونقابة الصحفيين وسواهما، وان الجهاز " سيراقب نتائج التحقيق عن قرب لاصدار قرار او حكم مناسب بشأن اتهامات العبيدي".

  كان تصريح المطلبي مبعثاً للدهشة،  فالمفترض أن يقود جهاز الادعاء العام  بنفسه عملية التحقيق في هذه القضية التي ينظر اليها كل العراقيين  تقريباً بوصفها قضية القضايا،  فإلى الفساد الاداري والمالي الذي مارسه كبار المسؤولين في الدولة، المدنيين والعسكريين، لما يزيد عن عشر سنوات، يرجع الخراب الذي نعيشه والمحن التي نكابدها، وفي مقدمها محنة الاحتلال الداعشي.

 

ثمة العشرات من القضايا الكبرى التي أهملها الادعاء العام ولم يضع يده فيها مع أنها من صلب اختصاصه ومسؤوليته، كقضية احتلال الموصل وسائر المناطق  ومجزرة سبايكر. أما قضايا الفساد الاداري والمالي والتعدّي على المال العام فهي بالالاف، لكننا لم نسمع يوماً أن جهاز الادعاء العام قد اقتفى أثر هذا القضايا للكشف عن الفاسدين وملاحقتهم وإعادة الأموال المنهوبة. في العام الماضي مثلاً اعترف أحد أعضاء مجلس النواب، هو مشعان الجبوري،  علناً بانه ونواباً آخرين متورطون في عمليات فساد.  حتى اليوم لم نلحظ أن الادعاء العام قد بادر لمساءلة هذا النائب، مثلما لم يبادر الجهاز الى مساءلته عن جريمة كبرى اقترفها في حق الشعب العراقي، هي التحريض على الارهاب عبر محطاته التلفزيونية التي كان يديرها في سوريا.  فقد عاد الجبوري بموجب صفقة  سياسية أسقطت عنه بموجبها الأحكام القضائية عن التهم الموجهة اليه بنهب المال العام، لكن قضية التحريض على الارهاب لم يسقطها أحد لأنه لم يجر التحقيق فيها بالاساس، وكان الأولى بجهاز الادعاء العام أن يحقق فيها بوصفها جريمة مرتكبة في حق الدولة والمجتمع.  جهاز الادعاء العام "طنّش" عن هذه القضية، كما "طنّش". عن قضايا كثيرة أخرى من دون مبرر أو مسوّغ. وبالنسبة لنا فانه لم يزل وسيظل مطالباً بالتحقيق فيها وفي سواها من القضايا، والا فليعطينا عرض اكتافه، لأنه لا يلزمنا ادعاء عام في حال الغيبوبة.