لماذا تأخر العبيدي في " اعترافاته"؟/ عدنان حسين
لماذا لم يكشف وزير الدفاع، خالد العبيدي، من قبلُ عن وقائع الفساد الإداري والمالي التي أورد تفاصيلها أثناء استجوابه في مجلس النواب قبل أيام؟
هذا السؤال طرحه في الحال ممثلون لقوى سياسية متنفذة في السلطة. هو كلام حق يراد به باطل في الواقع، فالذين ألقوا به إنما سعوا الى التقليل من أهمية معلومات الوزير والطعن فيها والتشكيل في دوافع الوزير. هؤلاء كانوا يعكسون خوفهم من أن يكون ما فعله الوزير هو بداية للعبة أحجار الدومينو التي لا تنتهي الا بسقوط كل الاحجار، أي انكشاف فساد كل الفاسدين في الدولة في زمن كل الحكومات منذ 2003 حتى الآن.
بالنسبة لنا جوهر الموضوع ليس ما اذا الوزير قد تأخّر أو بكّر في تقديم إفادته المهمة بوصفه شاهداً من أهلها.. جوهر الموضوع أن أحد افراد الطبقة الحاكمة قد أقرّ بالملموس بوقوع عمليات فساد إداري ومالي كبرى في كل وزارات الدولة ومؤسساتها، وعرض القرائن على وجودها كممارسة روتينية ، وأن أول وأكثر مٓنْ يتولّى هذه العمليات هم كبار مسؤولي الدولة، حتى الرؤساء منهم. بالطبع نحن نعرف هذا حق المعرفة منذ سنوات، لكن ليس بوسع معرفتنا ومعلوماتنا وافاداتنا أن تخترق قلعة الفساد المحصّنة بسلطة فاسدة ، تشريعية كانت هذه السلطة أم تنفيذية أم قضائية.
إذا ما أريد حرف قضية وزير الدفاع عن مسارها الطبيعي ومحاسبة الوزير عن تأخره في تقديم إفادته، فمن باب أولى محاسبة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب وكل الوزراء والنواب، وكذلك رؤساء الجمهورية ورؤساء الوزراء ورؤساء مجلس النواب السابقون ومعهم الوزراء والنواب السابقون، بالإضافة الى قادة القوى السياسية المتنفذة، كعمار الحكيم ومقتدى الصدر واياد علاوي واياد السامرائي وغيرهم، لأنهم جميعاً أكدوا في غير مناسبة وجود فساد إداري ومالي في الدولة، واعتبروا أن مهمة مكافحة هذا الفساد هي باهمية مكافحة الارهاب، لوجود علاقة عضوية بينهما، بل إن البعض منهم، كرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أعلن أمام شاشات التلفزيون غير مرة عن أنه يحتفظ بملفات، تتعلق بالارهاب والفساد، يمكن أن تقلب عاليها سافلها وتدمّر العملية السياسية، بحسب تعبيره.
لابدّ أن الرؤساء الحاليين والسابقين والنواب والوزراء وسواهم ممن قالوا هذا الكلام في الفساد واستشرائه في مفاصل الدولة، قد استندوا إلى معطيات أكيدة، هم تثبّتوا منها واقتنعوا بصحتها، ومٓنْ أقدر منهم على معرفة أسرار الدولة وقلعتها الحصينة؟ .. فلنحاسبهم أيضاً عن " جريمة" إخفاء معلوماتهم المهمة، مثلما يراد محاسبة وزير الدفاع .
بالتأكيد ان الذين طرحوا السؤال بشأن تأخر الوزير العبيدي في الإدلاء بمعلوماته الخطيرة، إنما يهدفون إلى ترهيب الوزير حتى يتراجع عن موقفه، ويسحب كلامه، لأن عواقب ما كشف عنه الوزير ستقلب عاليها سافلها في ما خصّ الفساد والفاسدين في دولتنا.