مبادرة غير كافية لمواجهة الثور المتحفز للهيجان/ عدنان حسين
من المشكوك فيه أن تقود التحقيقات التي أعلنت الحكومة والسلطة القضائية عن البدء به، بعد كشف وزير الدفاع النقاب عن بعض ملفات الفساد الإداري والمالي، إلى النتيجة المأمولة. مردّ هذه الشكوك إلى تجارب الماضي، فقد فشلت دولتنا بقضّها وقضيضها في في إجراء تحقيقات جدّية مثمرة في المئات من قضايا الفساد استحوذ أصحابها، وهم في الغالب من كبار مسؤولي الدولة والأحزاب والقوى ( الإسلامية) المتنفذة فيها، على مئات مليارات الدولارات من المال العام، فضلاً عن مليارات من المال الخاص.
لكنّ السبب الأقوى وراء الشكّ في حصول نتائج طيبة من التحقيقات الحالية يكمن في واقع أن القوى المتنفذة في السلطة كلها شريكة في عمليات الفساد. من الصعب استثناء واحدة منها، سواء كانت شيعية أو سنية أو كردية. هذا سيدفع بكل هذه القوى، وهي جميعاً لديها نفوذ معتبر في هيئات التحقيق ( النزاهة والادعاء العام والمفتشين العموميين) وفي السلطة القضائية صاحبة الكلمة الأخيرة في الفصل في قضايا الفساد، إلى التفاهم في ما بينها وعقد تسويات وصفقات تحفظ ماء وجوهها ومصالها.
بخلاف هذا، أي إذا ما مضت التحقيقات في المسار الصحيح، فستنفتح مئات الملفات، الواحد بعد الآخر، وهذا سيعني إطاحة رؤوس كبيرة في الدولة، وظهور حقيقة أن القوى المتنفذة التي ترفع شعارات الدين والمذهب والوطنية والقومية هي أقرب ما تكون الى العصابات والمافيات، إن لم تكن كذلك حقاً وفعلاً.
منذ يومين أعلن في بغداد عن أن عدداً من المحامين قد تطوّع للدفاع عن وزير الدفاع خالد العبيدي. وقال أحد هؤلاء المحامين في تصريح صحافي إن مهمة فريقه ستتجاوز الدفاع عن الوزير العبيدي إلى تسليط الضوء على " الانتهاكات غير المسبوقة لمصالح الشعب العراقي"، و" كشف الحقائق أمام الراي العام، بما يكفل تحقيق الأدلة القانونية اللازمة ويؤمن معاقبة المقصرين والمتورطين بالفساد دون النظر الى انتمائاتهم الطائفية والحزبية ومراكزهم الوظيفية”.
هذا أمر جيد جداً، لكنّ مبادرة من هذا النوع لا ينبغي أن يقتصر أمرها على المحامين وحدهم، ولا أن تتحدد بقضية الوزير العبيدي وتفرعاتها المحتملة. النقابات المهنية والاتحادت ومنظمات المجتمع المدني الحقيقية ( وليست الملفّقة التي أنشأتها الاحزاب والقوى الحاكمة وبعض جماعات المرتزقة) والاحزاب الوطنية غير المتورطة في عمليات الفساد والشخصيات السياسية المستقلة والثقافية والاجتماعية، من واجبها جميعاً الانخراط في هذه المبادرة وجعلها حركة شعبية واسعة وقوية.
الفساد في دولتنا " كونسورتيوم" كبير، كلّي الجبروت، تتقاسم أسهمه كل القوى المتنفذة في السلطة. هذه القوى تتقدم لديها مصالحها على مصالح الشعب والوطن، وحتى على الدين والمذهب.. في ساعة الجدّ ستتخلى هذه القوى عن خلافاتها ومناكفاتها ونزاعاتهاوحروبها وتتوحد للحفاظ على مصالحها المشتركة وصون امتيازاتها، وخلف الكواليس يجري الآن عمل حثيث للإلتفاف على القضية التي فجرتها "اعترافات" الوزير العبيدي.
ليس في وسع مجموعة صغيرة من محامين متطوعين مناطحة ثور السلطة الذي سيهيج أكثر إذا ما أدرك أن النار تقترب منه. العمل الكبير مثمر.. حركة الاحتجاج المتواصلة منذ سنة أثبتت هذا، وقضية العبيدي وتداعياتها هي من ثمار هذه الحركة