شناشيل - أمانة بغداد تهدم تاريخنا !عدنان حسين               

من دون وجع قلب ، بل بتباهٍ، اعلنت أمانة بغداد عن أنها منحت منزل واحد من أهم الشخصيات في الدولة العراقية الحديثة الى "مستثمر"  قام في الحال بهدمه، ليتحول المكان لاحقاً ربما الى كراج للسيارات أو ملهى ليلي من الدرجة العاشرة( ماخور في الواقع)  كملاهي شارع ابو نواس وسواه، أو في أحسن الأحوال دكان او بناية لمكاتب تجارية أو سوى ذلك.

المنزل الكائن في شارع الرشيد الذي كان قلب بغداد التجاري على مدى ثمانية عقود ، هو منزل ساسون حسقيل ، أول وزير للمالية في الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الرحمن النقيب التي شكلتها سلطات الاحتلال البريطاني ( 1921) وفي الحكومات الاولى للملك فيصل الاول ( 1921- 1925) قبل أن يصبح عضواً في المجلس النيابي حتى العام 1932.

وساسون حسقيل،  لمن لا يعرفه، يُعدّ من البناة الحقيقيين للدولة العراقية الحديثة، فهو من عائلة يهودية عريقة ومرموقة، وكان من أوائل الذين درسوا في أوروبا، وعُرف بوطنيته ومهنيته ونزاهته، حتى أنه لم يتساهل حتى مع الملك فيصل الاول ولا مع رؤساء حكوماته ووزرائها  في تصرفاتهم المالية، وإليه يرجع الفضل في اصدار العملة الوطنية، الدينار، وكذلك ضمان دفع عائدات مستقرة لصادرات النفط بما يعادل قيمة الجنيهات الاسترلينية بالذهب.

أمانة بغداد بررت فعلتها باطروحة بائسة ومتهافتة، هي ان المنزل البالغ من العمر مئة سنة ، وهو عمر شارع الرشيد نفسه، لم يعد تراثياً! وفي المقابل فان قسم التحريات التراثية في دائرة الآثار والتراث التابعة لوزارة الثقافة عدّّ اجراء امانة بغداد «تجاوزاً على القانون»،.

حتى في الدول الصغير والمتخلفة تهتم السلطات حتى بالحجر الصغير الذي يحمل تاريخاً ، وفي البلدان المتقدمة تعدّ الحكومات وبلديات المدن من واجباتها الاساسية الحفاظ على الاوابد التاريخية. وما من مدينة اوروبية لا تجد في شوارعها لوحات صغيرة على منازل ، تشير الى سكنى كاتب او فنان او فيلسوف او عالم أو شخصية سياسية أو اجتماعية فيه في وقت من الأوقات. وتحرص بلديات هذه المدن على العناية بالمنازل التي سكنتها ولو لفترات قصيرة الشخصيات التاريخية المرموقة.

محنة منزل ساسون حسقيل جزء صغير من محنة كبرى مع طبقة سياسية حاكمة تحتقر التراث والثقافة ، ولا تعير اهتماماً الا للموروثات التي تزيد تخلف المجتمع تخلفاً، كالنواح واللطم وشجّ الرؤوس...  طبقة لا يستفزّها التلوث البصري المتمثل بتلطيخ الجدران بالصور الحائلة لاشخاص لم يقدموا شيئاً ذي قيمة للمجتمع، بل ان معظمهم ممن كانوا جزءاً من المحنة الراهنة التي يكابدها لشعب العراقي، ولا يثير حفيظتها تكدّس الازبال في الشوارع والساحات، فكل ما يهمّها ويعنيها الاستحواذ على السلطة لنهب المزيد من المال العام والخاص.

أمانة بغداد تعجز عن صد تجاوزات السياسيين واتباعهم والميليشيات وعناصرها على أملاكها، فتردّ بالتجاوز على تراث الشعب وتاريخه. أليس مسؤولو الأمانة جزءاً من الطبقة المتنفذة في السلطة، الفاسدة والمفسدة؟