شناشيل - عقلية جديدة مطلوبة للقضاء / عدنان حسين    

مهمة القضاء إقامة العدل بين الناس. لتحقيقها تلزمه القوة، والقوة يوفرها له القانون وسلطات تطبيق القانون. مستنداً إلى هذه القوة لا يخشى القضاء لومة لائم، لأنه ملتزم الحق.  قضاؤنا ليس من هذا النوع تماماً، فكثيراً ما يخاف. لا أعني خضوعه في بعض الاحيان للضغوط السياسية والإذعان لإرادة المتنفذين في  السلطة،  وإنما إحجامه في الكثير من الأحيان عن الإفصاح عن أسماء المحكومين، وبخاصة مرتكبي جرائم الفساد الإداري والمالي من كبار الموظفين، كالوزراء والوكلاء والمدراء العامين ومَنْ في مراتبهم.

الذريعة التي يقدّمها بعض المسؤولين  في قضائنا لتبرير هذا الموقف، أن هؤلاء لديهم أهل وأقارب يمكن أن يضاروا بإعلان اسمائهم. هذه أطروحة متهافتة في الواقع، فمن باب أولى أن يكون الشخص نفسه مكترثاً بسمعته وسمعة أهله وذويه، فلا يضع نفسه في موضع مَنْ يجلب العار لهم ويتسبّب في إيذائهم.

في الموازنة بين المصلحة الفردية والمصلحة العامة ينحاز القضاء السليم، العادل،الى جانب المصلحة العامة، والمصلحة العامة تقتضي في ما تقتضي إعلان اسماء مرتكبي الجرائم ، أياً كان نوعها وحجمها، فالاحكام القضائية لا يقتصر هدفها على معاقبة منتهك القانون ومرتكب الجريمة. ثمة وظيفة أساسية أخرى هي  إعطاء العبرة لمن يعتبر، وفي الحكم القضائي عبرة للمحكوم به ولسائر الأفراد الذين يمكن أن يرتكب البعض منهم الجرم نفسه لاحقاً.

في الكثير من الدول لا يتردد القضاء وسلطات التحقيق عن الكشف عن هويات المتهمين بارتكاب الجرائم، سواء كانوا فارّين أو مقبوضاً عليهم، حتى إذا لم يثبت الجرم على أحد منهم يُعلن ذلك بالطريقة ذاتها التي أعلن فيها خبر الإتهام، والمبدأ القانوني المعروف في كل الأنحاء والأزمان أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

قضاؤنا لا يتعامل على وفق هذا المبدأ، ففي الغالب ، وبخاصة في قضايا الفساد الإداري المالي المتهم أو المحكوم فيها مسؤولون حكوميون كبار، يمتنع القضاء عن الكشف عن هويات المتهمين أو المحكومين، وفي أحسن الحالات، تجري الإشارة اليهم بالأحرف الأولى من اسمائهم.

أحدث مثال على هذا ما أعلن عنه أمس. دائرة التحقيقات في هيأة النزاهة كشفت عن حكم غيابيّ في حق القائم بأعمال السفارة العراقية السابق في دولة قطر يقضي بالحبس البسيطِ لمدَّة سنة واحدة، وأوضحت أن محكمة الجنح المُختصَّة بقضايا النزاهة والجريمة الاقتصادية وغسل الأموال هي التي أصدرت الحكم  على  (ع.ت.ع) لتجاوزه  الصلاحيات الوظيفيَّة والتصرف مالياً من دون سند قانونيّ يخوّله ذلك. وتضمن قرار الحكم  مصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة وإعطاء الحق للجهة المتضررة طلب التعويض من هذا الشخص الذي سيظل اسمه غفلاً لأن قضاءنا يكترث بأمر عائلة المجرم أكثر منه هو، ولا يفكّر بأن اشهار الإسم يمكن أن يساعد في معرفة مكان اختفاء المجرم الهارب والقاء القبض عليه واسترداد حق الدولة والمجتمع منه.

قضاؤنا في حاجة الى عقلية جديدة تديره،  تأخذها الرأفة بحال ملايين العراقيين المكتوين بنار الارهاب والفساد الاداري والمالي أكثر مما ترأف بحال أهل المجرم وذوي قرباه.