شناشيل - القضاء مرة أخرى .. ودائماًً / عدنان حسين     

قبل  15 دقيقة طالبَ البرلمان برفع الحصانة عنه

 قبل 14 دقيقة وافق البرلمان على رفع الحصانة عنه.  

قبل  13 دقيقة مثُلَ أمام القضاء

قبل 12 دقيقة برّأ القضاء ساحته

قبل 11 دقيقة عاد الى رئاسة البرلمان

هذه صورة مكثفة، تشبه فيلم أو شريط فيديو موضوع على السرعة السريعة يلخّص ما حدث أول من أمس في بغداد خلال ساعتين أو ثلاث.  الصورة أو الفيلم من انتاج أحد نشطاء موقع التواصل الإجتماعي " فيسبوك"  للتعبير عن الموقف حيال ما وصفه ناشط آخر بأنه أسرع حكم قضائي في التاريخ ، ما يؤهل العراق للدخول في موسوعة غينيس.!

لا تثريب على صاحب هذا السيناريو الذي يتبدّى لنا مثل رسام كاريكاتير ذكي ولمّاح، فما جرى أول من أمس في بغداد لم يخطر في بال أحد أبداً.

لنعد بذاكرتنا الى اليوم الأول من الشهر الحالي، ولنرجع الى قبة  مجلس النواب  بالتحديد. جلسة المجلس مخصصة لاستجواب وزير الدفاع عن تهم بالفساد الإداري والمالي وجهتها اليه إحدى النائبات. الوزير ينفي التهم ويرد باتهام النائبة بانها تستجوبه لأنه رفض تحقيق طلبات لها تدخل في مضمار الفساد الإداري  والمالي. النائبة تعترف بصحة بعض المعلومات التي أعلن عنها الوزير وتنفي أخرى. الوزير يشمل باتهاماته نواباً آخرين بينهم رئيس مجلس النواب نفسه. الوزير يقدّم وقائع محددة . رئيس مجلس النواب، كما الآخرون، ينتفض.. ينفي ويستنكر وينسحب من منصة الرئاسة التي يعلن أنه لن يعود اليها الا بعد تبرئته أمام القضاء.

الجلسة النيابية " تتفركش" بسبب ما سادها من هرج ومرج،  ويعلن نائب رئيس مجلس النواب تأجيل استكمال استجواب الوزير الى جلسة أخرى. قبل انعقاد هذه الجلسة تنعقد جلسة جديدة للمجلس( أول من أمس) يطلب فيها رئيس المجلس المنسحب من منصته رفع الحصانة عنه ليمثل أمام القضاء، فتُرفع الحصانة ويغادر الرئيس متوجهاً الى المحكمة  ليجيء في الأخبار تالياً أن القضاء قد أسقط التهم الموجهة الى الرئيس لعدم كفاية الأدلة. كل هذا يجري في ساعتين أو ثلاث ، فيكثفه ناشط الفيسبوك الذكي واللّماح في خمسة أسطر لا يستغرق عرضها، لو تحوّلت الى فيلم، اكثر من دقيقة واحدة.

ربما ما أقدم عليه رئيس مجلس النواب يستحق الاشادة والتقدير، فهو تصرف مهني غير مسبوق في الحياة السياسية في العراق، لكنّ ما قام به القضاء ليس كذلك. لم يبدُ سلوك القضاء مهنياً، وهذا ما أثار في وجهه عاصفة النقد والاحتجاج والسخرية. هذه العاصفة مبررة، فالعراقيون جميعاً يتطلعون الى الخلاص من وباء الفساد الاداري والمالي الذي يعصف بكيان دولتهم ومجتمعهم ، وهو مصدر كل الشرور النازلة بهم الآن. والعراقيون لا أمل لديهم الا في القضاء ليحقق لهم ما يتطلعون اليه.

قضية رئيس مجلس النواب تعطي للعراقيين رسالة محبطة ومخيبة للامال. أبهذه الخفّة يجري التعامل مع قضية الفساد؟ كيف تأتّى للقضاء أن يصدر حكمه بهذه السرعة الفلكية؟ هل أجرى التحقيق المطلوب في القضية؟ هل سعى للحصول على كل المعلومات الممكنة؟  وقبل هذا، مَنْ أقام الدعوى على رئيس مجلس النواب؟ هل حضر المدعي او محاميه جلسة المحكمة؟ هل كان هناك شهود اثبات وشهود دفاع؟

هذه الاسئلة وغيرها تجري في مجالس العراقيين وفي مواقع التواصل مثل عاصفة قوية.. القضاء مطالب بتثبيت أقواله في هذه القضية التي تهمّ  36  مليون عراقية وعراقي بالتمام والكمال، هم بشر بكامل قواهم العقلية وليسوا بهائم كما يتصور بعض السياسيين والقضاة!