شناشيل -خطوة حكومية جيدة .. لكن ناقصة / عدنان حسين

هذه الخطوة الحكومية كانت لازمة منذ سنة في الأقل، وكان يتعيّن اتخاذها في سياق الحزم الإصلاحية التي تعهدتها الحكومة، لكنّها مع ذلك لن تكون خطوة فعالة كما ينبغي لتحقيق النتائج المأمولة، ولابدّ من تعزيزها بخطوات أخرى تضمن إنجاز الهدف المبتغى.

ما أعنيه هو الاتفاق الموقّع في بغداد يوم الخميس مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتعزيز قدرة الحكومة العراقية على تقصّي قضايا الفساد الكبيرة والمعقدة والتحقيق فيها وملاحقتها قضائياً.

بموجب الاتفاق سوف يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على توظيف محققين دوليين للمساعدة في تدريب محققين عراقيين وتقديم المشورة لهم، بحسب ما صرّحت به الممثلة المقيمة للبرنامج. وبحسب مكتب رئيس الوزراء، وهو الطرف الحكومي في الاتفاق،  فان الاتفاق " جزء من منظومة الإصلاح وليس تخلياً عن مسؤوليات الحكومة، بل لتعزيز هذه المنظومة من خلال الاستعانة بالخبرات الدولية"  كما أعلن المتحدث باسم المكتب الذي أوضح انه بموجب الاتفاق سيجري العمل  على " التحقيق في قضايا فساد ذات أولوية"( نفهم أنها كبرى، وما أكثر  قضايا الفساد الكبرى التي يقف وراءها كبار مسؤولي الدولة، وبخاصة في عهد الحكومتين السابقتين) .

مفهوم ان الاستعانة بمحققين دوليين  ستضمن حيادية التحقيقات ومهنيتيها والتخلص من الضغوط التي يتعرض لها في العادة المحققون العراقيون، لكن قصر الأمر على الاستعانة بمحققين من الامم المتحدة وتحديد مهمتهم بتدريب المحققين العراقيين،  لن تكون خطوة كافية. الأمم المتحدة ذاتها ووكالاتها وبرامجها ليست في منأى من الفساد. هذا أمر معروف على نطاق العالم، وهي بالتالي يمكن أن تكون عرضة للضغوط التي يخشاها مكتب رئيس الوزراء.

أقل التقديرات تشير الى أن ما نهبه الفاسدون من موازنات الدولة خلال السنين العشر الماضية  لا يقل عن 220 مليار دولار، فيما تقديرات أخرى ترفع الرقم الى ما يزيد عن 400 مليار دولار. كبار حرامية هذه المبالغ الفلكية هم رؤوس النظام السياسي ومساعدوهم وأعوانهم وأفراد عائلاتهم. ولأن هؤلاء جميعاً ما زالوا يحتفظون بمصادر القوة من خلال امساكهم بمصادر السلطة والنفوذ، فان مهمة خبراء الامم المتحدة والمحققين العراقيين لن تكون ميسورة. الفاسدون الأقوياء يعرفون كيف يمدّن أيديهم طويلاً للضغط على الخبراء والمحققين وتهديدهم، وفي أحسن الأحوال إغراءهم.

هذه الخطوة تحتاج الى تعزيزها بخطوة أخرى، هي الاستعانة بالشركات العالمية الرصينة المتخصصة في قضايا الحسابات والكشف عن عمليات غسل الاموال. هذه الشركات يمكن توظيفها، وهي في أماكن وجودها، لمراجعة حسابات الحكومات المختلفة منذ 2004 حتى الآن، كشركة ارنست آند يانغ  التي استعان بها العراق لمراجعة  حسابات صندوق تنمية العراق وسبل  تسوية الديون العراقية. شركات من هذا النوع أكثر مصداقية من غيرها، ويمكن في اطار التعاقد معها تدريب المحققين والمحاسبين العراقيين يمكن أن نعوّل عليهم في المستقبل، ولا ينبغي استكثار دفع بضع عشرات ملايين الدولارات لهذه الشركات لاسترداد مئات المليارات المنهوبة.