شناشيل - في الثرثرة البرلمانية الفارغة / عدنان حسين     

مثل الكثير من رواد المقاهي ، يتعامل الكثير من أعضاء مجلس النواب ( الحالي كما السابقة)، بوصفه مقهى  فيه الوفير من الوقت لتزجية الفراغ بالثرثرة الفارغة . كثرة الغيابات المتكررة للعشرات من أعضاء المجلس الذين كان يتعيّن تسريحهم من الخدمة " ليسرحوا بالقنافذ" ، كما يقول التعبير الشعبي الدارج، والتزام العشرات الصمت أثناء جلسات المجلس وكأنهم ليسوا أعضاء في أهم هيئة في الدولة، من الأدلة على هذا.

في كل جلسة للمجلس يهدر الأعضاء وقتاً معتبراً في ثرثراتهم التي تنطوي على مناكفات ومزايدات غير منتجة. آخر ممارسة على هذا الصعيد الثرثرة التي أخذت وقتاً معتبراً من إحدى جلسات الاسبوع الماضي. بعض الاعضاء اقترح أن يجري  تقليص عدد اعضاء المجلس ومجالس المحافظات. بالطبع هذه قضية تتعلق بأحكام الدستور، ولكي يتحقق ما طُرح في الثرثرة النيابية لابدّ من تعديل الدستور،  وتعديل الدستور ليس من صلاحية مجلس النواب. هو صلاحية مطلقة للشعب. مجلس النواب واجبه اقتراح التعديل الدستوري لكي يُطرح على الاستفتاء العام.

دستورنا كُتب على عجل.  وكان ذلك خطأً شنيعاً تسبّب في موت عشرات الالاف من العراقيين ودمار ما لا يُقدّر بثمن من الممتلكات العامة والخاصة، فالدستور كُتب ناقصاً ومليئاً بالالغام والقنابل الموقوتة وغير الموقوتة.  والدستور نفسه تضمن مادة قضت بتعديله واستكمال نواقصه في غضون سنة واحدة من بدء أعمال أول مجلس منتخب (مطلع 2006 )، وبالفعل أُنجزت مقترحات التعديلات في الوقت الذي حُدّد لها، ولكنها لم تزل مهملة في ادراج المجلس وقد مرّت تسع سنوات على موعد طرحها على الاستفتاء العام. وترتّب على عدم انجاز التعديلات الدستورية عدم تشريع قوانين أساسية لازمة لبناء الدولة وإقامة النظام الديمقراطي الفيدرالي وترسيخه وصونه.

النواب الذين ثرثروا الاسبوع الماضي بتقليص عدد اعضاء مجلسهم ومجالس المحافظات تغافلوا عن هذا الاستحقاق الدستوري المؤجل ، مثلما تغافلوا عن واقع أن المشكلة التي نعانيها لا تكمن في عدد اعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات وانما في نوعيتهم. مشكلتنا ان لدينا قانون انتخابات غير عادل وغير منصف وغير ديمقراطي، ما يترتّب عليه ان الذين يجري انتخابهم لا يمثّلون الاختيار الحقيقي للناخبين ، فالاغلبية من اعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات يختارهم زعماء احزابهم وكتلهم حتى لو كانوا  قد حصلوا على نسبة تصويت أقل من منافسين لهم من قوائم اخرى او حتى من قوائمهم. ومشكلتنا أيضاً أن لدينا مفوضية انتخابات غير مهنية وغير أمينة، وهو ما يعود الى انها ، كما سائر الهيئات الموصوفة بالمستقلة، وهي ليست كذلك، تتشكل من القوى والاحزاب المتنفذة في السلطة لتؤمن مصالحها.

تقليص عدد أعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات الى النصف مثلاً لن يحلّ المشكلة، فالنظام الذي بموجبه تجري الانتخابات سيظل يؤمن وصول عديمي الكفاءة والنزاهة وناقصي الوطنية الى البرلمان ومجالس المحافظات ، مثلما كانت عليه الحال على مدى السنين العشر الماضية.

عدّلوا الدستور، وشرّعوا قانوناً جديداً للانتخابات، وحلّلوا مفوضية الانتخابات وشكّلوا مفوضية جديدة مستقلة حقاً وفعلاً، لتُحلّ ثلاثة أرباع مشاكلنا.